“قطعا سيدتي ! في جوابي على أسئلتك لا اكذب ولا اتجمل.” فكرتي التي اغضبت مسؤولة …
يقول استاذي، الكاتب، والصحافي السوداني، طلحة جبريل في كتابه “صحافة تأكل أبناءها”: “… كان الحسن الثاني يقول:” لا يوجد سؤال محرج، بل هناك إجابة محرجة”، إذ كان(الحسن الثاني) يتفاعل مع غالبية الأسئلة التي تُطرح عليه، لدرجة أنه عندما سأله صحافي سنغالي كم كلفت احتفالات عيد الشباب الباذخة خاصة مع مظاهر الفقر في المغرب؟ أجاب بـ:”وهل طلب منك أن تؤدي فاتورة ما تناولته من أطعمة حتى تسأل عن التكلفة؟”.”
كان جواب الحسن الثاني ،اذذاك، يعقبه سؤال فيه ما فيه من حمولة الصدق، والمواجهة، والصراحة، والتحدي، والاحراج، بدل التلاعب بالكلمات، وتلوين المعاني. كان جوابه مجردا من كل صيغ البروتوكولات الحوارية، او ما يسمى في الثقافة الحديثة ب “فنون الاتصال والتواصل”، وما تنطوي عليه من اساليب النفاق الاجتماعي والكذب الملون، والتملق…”، كان جواب الملك الراحل جوابا جد محرج للصحافي السنغالي، هذا الأخير، الذي كان في مجمل الظن، يستهدف استعراض أو اختبار شخصية الملك الراحل وإحراجه بذاك السؤال.
جذير بالذكر ان يخلق الجواب المحرج عموما، نوعا من القلق والاضطراب، وعدم الرضى، لدى المرء الذي طرح السؤال على محاوره. إذ يمتلك هذا الاخير قوة في الرد تعادل قوة السؤال، يعزز من خلال جوابه مدى ثقته في نفسه، وقيمه، وأهدافه المنشودة. فلا يمكن لأي امرء قوي الشخصية والثقافة، وسريع البديهة ان يصبح فريسة لاي محاور: كان صحافيا، أو مدربا، او مشرفا على سلم التوظيف…. إذ يصعب توجيه سؤال محرج لهذا النمط من الجبهات، ما يسمى حاليا “بقصف الجبهة”.
والمؤسف انه لو تعلم أن فئة من الطلبة الذين يقومون بتداريب في مختلف المؤسسات، وبدون تحديد المهام والاطر، يسردون في تقارير نهاية تدريباتهم فقط النقاط الإيجابية التي قد تكون ترجمة حقيقية لبعض ما عاينوه في تلك المؤسسات خلال تدريباتهم، وقد تكون مجرد بهارات اختلقوها لملا صفحات تقاريرهم، وتفادي الإحراج عند لقاء الختام مع المسؤول الاداري للمؤسسة.
عظيم جدا ان يجيب الطلبة المتدربون بكل صدق ومصداقية عن أي سؤال يخص كيفية كون مراحل التدريب التي قطعوها بالمؤسسة المستضيفة لهم، يجيبون بصراحة عن نقاط القوة التي استفادوا منها، ونقاط الضعف التي تعثروا فيها، ويرغبون لو تتاح لهم الفرصة لتمديد فترة تكوينهم هناك، وبلورة ما ينقصهم في تكوينهم.
لو تعلم أن الطلبة المتدربين يعبرون بينهم عن كل العثرات التي تواجههم في فترة التداريب بالمؤسسات المستضيفة لهم ، من بخل بعض المشرفين على تدريبهم، رغم كل المبادرات التي يقومون بها لتحفيز المدربين لمساعدتهم وارشادهم، وكذا إحساسهم احيانا بالتهميش واللامبالاة من قبلهم….
ولو تعلم أن أغلب الطلبة المتدربين يرفضون الكشف للجهة المعنية عن المشاكل التي يواجهونها خلال تداريبهم، تفاديا للإحراج والمواجهة، والتقزيز، والاستفزاز.
وختاما، علينا ان نعلم جميعا كاشخاص، كنا مدربين أو متدربين، ان الجواب بصراحة وصدق على أي سؤال موجه للمعني به، – وخاصة للطلبة المتدربين – لا يتطلب جوابا استراتيجيا منهم، ولا إيديولوجيا محملا بأسرار فن الاتصال والتواصل. فالتلقائية عند ردهم بصراحة هي سر الحقيقة، وصورة الواقع. وسيدة الموقف المعاش. وغيابها في الحوار هو الذي يخلق ازمة التواصل ويوسع دائرة تفشي النفاق والتملق ولغة ذو الوجهين. ولكن يبقى دائما لكل مجتهد نصيب.
بقلمي عائشة الشقوندي/ المغرب