مقالات و آراء

خيبات الأمل.. الصفعات التي توقظنا من الأوهام.

عادل بن الحبيب

«من بين كل ما يعذبنا لا شيء مثل الخيبة»، الكلام للفيلسوف الروماني أميل سيوران، و«اذا كنت تخشى الخيبة، تجنب الثقة من البداية» والكلام لألبرت أينشتاين، و«أفضل طريقة لتجنب خيبات الأمل فهي ألا تتوقع شيئاً من أحد» وهذا الكلام لجبران خليل جبران.

ليس سهلا على الإطلاق أن تتعرض لخيبة أمل.. أن تضيع مشاعرك وتوقعاتك على شيء أو شخص لا يستحق، وكأن المشاعر والجهود والآمال التي رميتها تعود إليك سهاما تترصد قتلك! إنه لشعور قاتل للحيوية مُحبط للهمة مجمّدٌ للطاقة.. أن تسير آلاف الأميال في طريق ما، ثم إذا أوشكت على الوصول إلى نهايته علمت أنه الطريق الخطأ وأن خطواتك كلها ذهبت سدى.. يا لها من حسرة عظيمة!

لخيبات الأمل ألف مثال ومثال، فقد تجيء على شكل زواج فاشل او علاقة صداقة مخيبة ، او طعنات من اقارب، او تنكر الأخ او الاخت، أو على هيئة ثقة عمياء في شخص ترتدّ إلى خنجر مسموم يجتاح الضلوع، وقد تكون فشلا علميا أو أكاديميا أو اجتماعيا.. إلى آخر أنواع الفشل التي قد تحل على المرء، لكن الإنسان الذي يعرف حق نفسه عليه حتى وإن أبدا مشاعر الحزن والهم والتعب والانعزال (وهذا حقه الطبيعي) فيجب عليه أن يلتقط إشارات وأن يُدرك أنه اقترف خطأً ما، خطأٌ لا عودة عنه ولا مفر من تحمل نتائجه. خطأ وإن تسبب بألم كبير، إلا أنه كتب النهاية لمسيرة في اتجاه مظلم، وكما قلنا.. لا بد من خيبات الأمل لأنها صفعات القدر التي توقظنا من الأوهام.

إن استقامة خط الحياة أمرٌ مستحيل، وإن تعرجاته أمرٌ محتوم بين المد والجزر.. بين الفرح والحزن.. بين الرضا والسخط.. بين الغنى والفقر وبين كل شيء ونقيضه.. ولا بد أن هذا التباين الشديد أحيانا له حكمة وهدف، ومن هذه القاعدة يستطيع المرء مراجعة أمور دينه و دنياه بحيادية بعيدا عن مشاعر المظلومية التي لا فائدة منها.

إن خيبة الأمل ترسّخ فينا مبادئ الحياة العميقة ودورها وعظمتها وضرورتها، تعلّمنا قوة الاحتمال واتقان الصبر واحتراف الانتظار، نفهم معنى الرجوع إلى الله ونستشعره، نمارس الرضى بالمعنى الحقيقي ونتقبّل أمورا كنّا لا نستسيغها ونعزف عن التّذمر، كما أنّنا نعيد ضبط وصياغة العديد من الأمور، مشاعرنا وتعابيرنا ومعاني الحياة المختلفة. إن الخيبات قد تكون حوادث لم نشأ أن نعيشها، ولكن الأكيد أنّها مرّت كما شاء الخالق والتفكير الزائد فيها مفسدة لحياتنا، يكفي أن نطردها بكل ما أوتيت قلوبنا من قوة ولا نعيش متحسّرين على أيّام مضت ولن تعود، وأنّها لا تتعدّى كونَها دروس تعلّمْنا منها ما يجب أن نتعلّمه، ولا خيبات نحملها على عاتق حاضرنا نتوشحها رداء أسود عند كلّ ألم.

لا تعطي الأشياء أكبر من حجمها وتوقّف عن كونَك مخذولا، فالشجعان فقط من يخوضون معارك الحياة، ومساكين من لا يملكون حكايات موجعة، فبقدرما حملتْه من ألم بقدر ما يتأتّى منها نضج كبير، فالحياة لا تنتهي مع خيبة أمل يمكن أن نعيشها، يكفي أن ندعس عليها بأقصى نضج نملكه ونضحك على خيباتنا، بل ونخيب ظن من خذلونا.

بقي مهما القول، أن ليس كل الخيبات بداية للفشل، او الإحباط، ربما يكون بعضها البوصلة التي توجه الى طريق النجاح، المهم هو كيف يمكننا أن نفعل ذلك وأن نتجنب المزيد من الخيبات..؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock