ثقافة وفن

13 فبراير 1933..عندما قهرت قبائل آيت عطا المستعمر الفرنسي في معركة بوكافر

أيوب الهداجي

في مثل هذا اليوم 13 فبراير من 1933 ضرب الجيش الفرنسي حصار خانق على المقاومين المغاربة وكان رأسهم المقاوم المعروف عسو أوبسلام، الذين لجؤوا إلى قمة جبل بوكافر بمنطقة آيت عطا بجنوب شرق المغرب، باعتبارها منطقة استراتيجية وعرة التضاريس، تساعدهم على المواجهة.

مع خضوع أغلب المناطق المغربية للاحتلال الفرنسي، حاولت القوات الاستعمارية فرض حضورها في الجنوب الشرقي للمغرب وخاصة منطقة صاغرو التي تتمركز بها قبائل آيت عطا، غير أن هذه القبائل شكلت سدا منيعا أما التوسع الفرنسي، خصوصا بعد لجوئها إلى الأطلس الصغير باعتباره منطقة آمنة، وقد كبد عسو أوبسلام قوات الاحتلال في مواجهتهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
ونهجت قبائل آيت عطا في مقاومته أسلوب حرب العصابات، وذلك عن طريق الهجوم المباغت واقتحام مواقع القوات الفرنسية ومراكز الضباط وقطع طرق التموين عن الجيش الفرنسي .

مع تزايد الهجمات النوعية للمقاومة، اضطر الجنرال “كاتورو” حاكم منطقة صاغرو، إلى الاستعانة بقوات الجنرال “جيرو” التي كانت ترابط على الحدود المغربية الجزائرية، وبحسب ما جاء في سلسلة “مذكرات من التراث المغربي” في مجلدها الخامس، فقد حضر القبطان “سبيلمان” هذه الحرب وقال عنها “لقد قاتل هؤلاء الأبطال قتالا شديدا، وبعزم وشجاعة، وكبدونا خسارات جسيمة”.

حاولت القوات الفرنسية لغة الترغيب من أجل وضع حد لهذه الحرب، فقد جاء في برقية إلى الحامية الفرنسية في أرفود “و أخيرا عندما قامت طائراتنا بقنبلة المتمردين بأحد قصور إيلمشان الذين كبدت قواتهم خسائر فادحة لأتباعنا، وجهت مراسلة لهؤلاء المتمردين (أيت عطا)، نشرح لهم أننا لم نكن نريد المبالغة في الصراع، وأننا كنا على استعداد للظهور بمظهر التسامح إذا أوقفوا الهجمات من جانبهم. وقد اكتفى عسو أوبسلام بأن أرسل إلينا البلاغ الذي يقول فيه : عليكم بالمجيء إلى هنا للبحث عن الجواب.”
في 13 فبراير 1933 حشد الفرنسيون تحت قيادة الجنرال “كاترو” قواتهم من الجهة الغربية فيما حشد الجنرال “جيرو” قواته من الجهة الشرقية.
وكان المقاومون قد لجأوا إلى بوكافر وهي قمة من قمم جبل صاغرو، تبعد عن مدينة ورزازات بحوالي 200كلم ، ويبلغ ارتفاعها حوالي 2275 متر، واختار العطاويون هذا المكان نظرا لأهميته الإستراتيجية العسكرية ومناعته وحصانته وصعوبة الوصول اليه .

وروى القبطان سبيلمان عن معركة بوكافر قائلا: “ثم قصف بوگافر بوابل من النار ليل نهار…وكنت أنظر إلى هذا الجبل المشؤوم نظرة الرجل المتأتر. أنظر إليه وهو آخر ملجأ اعتصم به أولئك الجنود الكرام الذي فضلوا أن يسحقوا سحقا على أن يستسلموا. وكان معهم نساءهم وأطفالهم ودوابهم. فكيف السبيل إلى وقف هذه المذبحة؟ لقد كنا نفكر في وسائل وقفها. لكنهم كانوا مثل المجانين وقد قتلوا كثيرا من رسلنا، ومن ضمنهم أحد المرابطين. وكانوا يسبوننا ليلا من أعلى الجبل مثلهم في ذلك كمثل أبطال هميروس. وكانوا يقولون : يانصارى ياكلاب، أخرجو من وراء الصخور، وقابلونا إن كنتم رجالا. فلولا مدافعكم وطياراتكم لكنتم نساء”.
واستمر المستعمر في محاولاته المتكررة للتغلب على المقاومين، حيث جاء في سلسلة “مذكرات من تاريخ المغرب” واستمر العدو يقنبل ليل نهار، وبدون انقطاع، وشدد الحصار، وكان يلقى وابلا من النار عند أدنى حركة للمجاهدين. وقد انتشر التفوس في صفوفهم، نقلته إليهم جثث الحيوانات والأطفال، واشتد خوفهم من المرض. لكن نساءهم أردن المقاومة حتى النهاية”.
وفي شهادة على ضراوة الحرب قال هنري بوردو، عضو الأكاديمية الفرنسية الذي زار المنطقة بعد مرور سنة على هذه الأحداث “لقد أرسلت عليهم القنابل ليل نهار من السماء والأرض لمدة 42 يوما! اثنان وأربعون يوما من الحرمان والأرق والعطش! إثنان وأربعون يوما قضوها مع الحيوانات، وقد جنت وأخذت تصرخ حتى الموت، وقضوها مع الجثث المتعفنة…فلنقس بذلك قدرتهم على تحمل ما قاسوه من المحن تحملا يسمو بهم إلى أعلى الدرجات”.
بعد 42 يوما من المقاومة والحصار، قرر عسو أوبسلام النزول من قمة الجبل، لا مستسلما، لكن ليتفاوض مع المستعمر حقنا لدماء من تبقى حيا من أفراد قبيلته، فتم توقيع اتفاقية أنهت الحرب بين الطرفين.
وبحسب سلسلة “مذكرات من التاريخ المغربي” فقد حقن عسو أوبسلام باستسلامه دماء ثلاثة آلاف ممن نجوا من أصحابه، وقد روي أن الفرنسيين فقدوا 3500 رجل، في حين أنه لم يقتل من آيت عطا إلا 1300 رجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock