كلمة السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير خلال اللقاء التواصلي بتيزنيت

كلمة السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في اللقاء التواصلي بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بتزنيت بمناسبةتخليدالذكرى54 لاسترجاع مدينةسيدي إفني
الجمعة 23 يونيو 2023
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
– السيد عامل إقليم تزنيت؛
– السادة ممثلو الأحزاب الوطنية والهيئات النقابية والحقوقية ومنظمات المجتمع المدني والعمل الجمعوي ومبعوثوا وسائل الإعلام والاتصال؛
-السيدات والسادة قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل وذوو حقوق الشهداء والمقاومين المتوفين؛
-السيد النائب الإقليمي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير؛
-الحضور الكريم،
تغمرني اليوم سعادة غامرة مملوءة بمشاعر الفخر والاعتزاز بتجدد لقاءنا في هذا اليوم الأغر المسبل بغمرة احتفالات الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالذكرى54 لاسترجاع مدينة سيدي إفني، التي تعتبر محطة تاريخية كبرى على درب النضال والكفاح الوطني من أجل الدفاع عن حوزة الوطن والذود عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية.
لقد دأبنا كل سنة على إحياء هذه المناسبة السعيدة في هذا اللقاء التواصلي المجسر للوصل الروحي، الذي نحيي فيه صلة الرحم ونتفقد أحوالكم،ونرسخ سنة محمودة وتقليدا موصولا للوفاء والبرور برجالات المغرب الأبرار الذين أخلصوا للوطن وأسدوا وضحوا ذودا عن حريته واستقلاله، وذلك من خلال تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وكذا توزيع إعانات مالية على المستحقين منهم للدعم المادي والرعاية الاجتماعية، مستحضرين في الآن نفسه ذكرى غالية ومفخرة من مفاخر الأجداد والآباء وصفحة من سجل أمجادنا الحافل بالمبرات والمكرمات والتضحية والفداء إعلاء لصروح الوطن ونهضته، ألا وهي ذكرى استرجاع مدينة سيدي إفني إلى حضن الوطن الأب.
بداية لا يسعنا، إلا أن نستحضر غيضا من فيض تاريخ هذا القطر من الوطن الزاخر بالأمجاد وروائع الكفاح الوطني دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية منذ أن وطأت أقدام المستعمر الغاشم ترى بلادنا.
أيتها السيدات والسادة، حري بالذكر أن تاريخ وطننا خط بالدماء الزكيات لأبنائه وبناته، منذ أن وطأت أقدام المستعمر تراه إما بشكل مباشر أو غير مباشر،ونقصد المرحلة الاستطلاعية والاستكشافية للمغرب التي أعقبتها مرحلة فرض المعاهدات والاتفاقيات الجائرة عليه، كمعاهدة للامغنية سنة 1845م، وأخرى اقتصادية (تجارية) سنة 1856م مع بريطانيا، وقد كانت هذه المعاهدات الإرهاصات الأولى لمخطط استعماري عسكري ستتضح معالمه مع بداية القرن العشرين، وبعد احتلال توات ووجدة سنة 1907، ثم اجتياح الشاوية ودخول مدينة الدار البيضاء مستغلة في ذلك مقتل الطبيب “موشان”، والأحداث التي عرفها ميناء مدينة الدار البيضاء.
ومباشرة بعد توقيع عقد الحماية سنة 1912، اندلعت الإنتفاضات الشعبية بكل جهات وربوع المملكة لتؤكد مطلبها الراسخ في الحفاظ على الكيان المغربي حرا ومستقلا. وهكذا، وكسائر مناطق المغرب قدمت منطقة آيت باعمران الأمثلة العديدة على روحها النضالية العريقة، واستطاع أبناءها أن يحققوا النصر ويصنعوا المعجزات رغم محدودية إمكانياتهم، ولقنوا المستعمر دروسا في التضحية والصبر ونكران الذات. وخاضوا عدة معارك جسدت أروع آيات الجهاد وأصدق صور البطولة والفداء صيانة لوحدة الوطن ودفاعا عن حوزته، قبل أن يضعوا السلاح مرغمين لا مستسلمين خانعين، حقنا للدماء وحفاظا على الأرواح والممتلكات، بموجب اتفاقية أمزدوغ الموقعة بين الطرفين في 06 أبريل من سنة 1934م.
لكن أنفة الباعمرانيين دفعتهم إلى مواجهة كل سياسة بغيضة للمحتل، وتحدوا عن جهيته وجبروته، ووقفوا ندا له عند محاولته تجنيس الأهالي وطمس هويتهم ودمج الإقليم في الميتوروبول الإسباني قسرا منذ سنة 1947م، بل انتفضوا معبرين عن رفضهم القاطع للقرار الجائر الذي اتخذته السلطات الاستعمارية الفرنسية بنفي السلطان الشرعي، جلالة المغفور له سيدي محمد بن يوسف طيب الله ثراه، برفع الأعلام والرايات الوطنية فوق المنازل والشاحنات والسيارات.
كما هو معلوم أيتها السيدات أيها السادة أن الذاكرة التاريخية الوطنية قد سجلت لقبائل آيت باعمران الأبية حضورها القوي ومساهمتها الفعالة في الانطلاقة المظفرة لجيش التحرير بالأقاليم الجنوبية للمملكة سنة 1956 لاستكمال الاستقلال الوطني وتحرير الأقاليم الجنوبية التي كانت ترزح تحت نير الاحتلال الاسباني، فضلا عن انغمارها في صنع أمجاد انتفاضة 23 نونبر 1957 الخالدة التي تناقلت أطوارها وسائل الإعلام العالمية، مشيدة باستماتة المقاومين وأعضاء جيش التحرير وصمودهم وروحهم القتالية العالية ووقوفهم في وجه المستعمر الغاشم.
تلكم الانتفاضة التي خاضها الباعمرانيون لتعد بحق ثورة مباركة استطاعت استرجاع قرابة تسعة أقسام من تراب إقليم آيت باعمران من أيدي الأعداء وتحقق بفضلها عودة منطقة طرفاية سنة 1958م، وضرب حصار شديد على مدينة سيدي افني إلى أن افتكها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في يوم 30 يونيو 1969م، وفي هذا المضمار نستحضر قولته عند زيارته لمدينة سيدي افني في يوم 18 يونيو 1972م، حيث قال: ”أرجو منكم أن تبلغوا تحياتنا إلى سكان الإقليم، وبهذه المناسبة أبلغ سكان المغرب قاطبة افتخاري واعتزازي وحمدي لله وتواضعي أمام جلاله لكونه أنعم علي بأن أكون ثاني الفاتحين لهذه لبقعة، أعاننا الله جميعا وسدد خطانا وأعانكم وألهمكم التوفيق والرشاد”. انتهى المقتطف من الخطاب الملكي السامي.
ولم يكن تحرير مدينة سيدي إفني إلا منطلقا لتقوية جهود المغرب في استعادة باقي أجزائه المحتلة.
وهكذا، توجت هذه الأعمال المتواصلة بمعجزة اندهش لها العالم أجمع تمثلت في إبداع الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه لمبادرة رائدة في ملاحم التحرير عندما قرر جلالته تنظيم مسيرة شعبية سلمية استقطبت آلاف المتطوعين وساندها أشقاء من العالم العربي والإسلامي ومن مختلف دول المعمور وساروا في طلائعها يوم 6 نونبر 1975م،فكان جلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية يوم 28 فبراير 1976،حيث رفرفت الراية المغربية خفاقة في سماء العيون تزف بشرى انتهاء عهد الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية وبزوغ فجر الوحدة الترابية للمغرب من الشمال إلى الجنوب. وفي 14 غشت 1979م سيتم استرجاع إقليم وادي الذهب وتحققت إرادة العرش والشعب، ورفرف العلم المغربي خفاقا بسماء الأقاليم الجنوبية وتحطمت الحدود الوهمية التي حاولت أن تفصل بين أبناء الوطن الواحد وطمس مغربية أبنائه الذين قاوموا وجاهدوا عقودا وعقودا دفاعا عن مغربيتهم وتأكيدا لهويتهم وتجسيدا لولائهم وبيعتهم وبيعة أجدادهم وآبائهم لملوك المغرب.
وها هو المغرب اليوم في ظلال عهد جديد بقيادة الملك محمد السادس نصره الله وأيده يسير بثقة وثبات على درب البناء والتشييد وصيانة وحدته الترابية، في تعبئة تامة للمغاربة لتثبيت الوحدة الراسخة في ظلال إجماع وطني، من طنجة إلى الكويرة للذود عن حوزة الوطن ومقدساته العليا.
أيتها السيدات أيها السادة، إن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تخلد بإكبار وإجلال الذكرى 54 لاسترجاع مدينة سيدي إفني لتجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية ، وتعلن استعداد أفرادها لاسترخاص الغالي والنفيس في سبيل تثبيت السيادة الوطنية بأقاليمنا الجنوبية المسترجعة ومواصلة المساعي والجهود لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لفائدة ساكنتها، وتعبئتهم المستمرة ويقظتهم الموصولة وتجندهم الدائم وراء عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، من أجل تثبيت المكاسب الوطنية والدفاع عن وحدتنا الترابية غير القابلة للتنازل أو المساومة.
الحضور الكريم.
وبهذه المناسبة، وترسيخا للسنة المحمودة والتقليد الموصول للوفاء والبرور والعرفان برجالات المغرب الأبرار الذين أخلصوا للوطن وأسدوا وضحوا ذودا عن حريته واستقلاله، سيتم تكريم 05 من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وهم من صفوة أبناء هذه الربوع المجاهدة، والذين يحق لنا اليوم أن نقف لهم وقفة إكبار واعتزاز بما برهنوا عنه من روح المسؤولية والتضحية وقيم الإيثار ونكران الذات، سيحفظها لهم التاريخ بمداد من الفخر والإعجاب وهم:
1.المقاوم المرحوم الحسن حلي
2.المقاوم المرحوم علي لاشكر
3.المقاوم المرحوم محمد أنجار
4.المقاوم المرحوم محمد بنعلي
5.المقاوم المرحوم امبارك العرفي
فإليهم جميعا عبارات الثناء والتقدير والامتنان والعرفان على ما بذلوه وما قدموه من أعمال جليلة للوطن، كما نبتهل بالمناسبة إلى الباري جلت قدرته، أن ينزلهم وكل شهداء الحرية والاستقلال والوحدة الترابية منازل الأبرار، بجوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، إنه سميع مجيب.
وإلى جانب التكريم المعنوي، فإن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تحرص على التكريم المادي، حيث خصصت إعانات مالية لعدد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل المتوفين منهم بهذه المناسبة الغالية عرفانا بما أسدوه خدمة للوطن، وتعدادها 30 إعانة بغلاف مالي إجمالي قدره60.000.00 درهم.
وإن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تحتفي بالقيم الخالدة التي تزخر بها ملحمة التحرير والوحدة الترابية، وضمنها الذكرى54لاسترجاع مدينة سيدي إفني إلى أرض الوطن، تتوخى تنوير أذهان الناشئة بالمعاني العميقة لهذه الملحمة المجيدة والتزود بعبرها ومعانيها ودلالاتها العميقة، وإذكاء لروح الوطنية الخالصة ومواقف المواطنة الفاعلة لتحصين الأجيال وتمنيعها وتقوية عزائمها في التصدي لكل العراقيل والعقبات ورص صفوفها دفاعا عن مقومات الوطن ومقدساته الخالدة.
فهنيئا وطوبى لأبناء هذه الربوع المجاهدة والأبية ولسائر المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير، وتحية تقدير وإكبار لضباط وضباط الصف وجنود القوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة والدرك الملكي والأمن الوطني وإدارة الجمارك والوقاية المدنية وللإدارة الترابية ولكل المرابطين على الحدود والثغور بأقاليمنا الجنوبية وبسائر التراب الوطني الذين يسهرون ليل نهار من أجل استتباب الآمن والطمأنينة والاستقرار والحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
رحم الله شهداءنا الأبرار، شهداء الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية والوحدة الترابية والواجب الوطني، شرفاء الوطن الغر الميامين وفي طليعتهم أب الوطنية وبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول، جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح والمنفى الملك الموحد مبدع المسيرة الخضراء المظفرة جلالة المغفور له الحسن الثاني، وحفظ بما حفظ به السبع المثاني والذكر الحكيم سليل الأكرمين وحامي حمى الوطن والدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ونصره نصراً عزيزاً مؤزراً وأسدل عليه أردية الصحة والعافية وأعانه بمدده حتى يحقق لشعبنَا ووطننَا كل ما يصبو إليه وينشده من مقاصد نبيلة وأهداف سامية، قرير العين بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب مولاي الحسن وشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة والشعب المغربي قاطبة.
إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وإنه نعم المولى ونعم النصير
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.