الجماعات الترابية : الريع و الربح السريع و مصالح الساكنة تضيع ……
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين .
حري بنا بعد مرور ثلاث سنوات على الانتخابات المغربية ان نقف لجرد حصاد المؤسسات المنتخبة ومردودية النواب البرلمانيين ،
وكان من الممكن ان يكون هذا الجرد مبنيا على تتبع برنامج عمل كل جماعة ،والحال ان وزارة الداخلية و المصالح الولائية تغض الطرف عن الجماعات التي لم تنجز اصلا مشروع البرنامج كما تنص على ذلك التشريعات ،اما من وضعت البرنامج وبقي حبرا على ورق فتلك قصة اخرى ،ناهيك عن جماعات اخرى هللت لبرامجها لكنها عجزت عن تنزيل جزء كبير منه لاسباب متعددة .
منذ الولاية السابقة 2015 – 2021 فإن مجالس الجماعات ملزمة بالتوفر على برنامج عمل من ست سنوات، يتضمن سياسة كل مجلس في ما يتعلق بالتنمية المحلية وقد صدرت نصوص قانونية تحدد الخطوات والإجراءات الواجب اتباعها قصد بناء كل برنامج حسب خصوصية كل جماعة حضرية كانت أم قروية غنية الموارد أم تعاني ضعف الإمكانات.
في هذه الولاية لا نتوفر على ارقام دقيقة تبين مدى التزام المؤسسات المنتخبة بوضع هذه البرامج ، و وزارة الداخلية ترجع اسباب ذلك الى عدم توفر الجماعات خاصة القروية منها على العنصر البشري والامكانيات المالية لانجازه ، فيما جماعات اخرى وجدت في هذا البرنامج وسيلة لصرف مبالغ على مكاتب الدراسات التي قدمت مشاريع برنامج عمل للإستهلاك الإداري دون ان تقوم بتنزيله .
يمثل برنامج عمل الجماعة الوثيقة المرجعية لبرمجة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية التي تهدف إلى توفير خدمات القرب للمواطنات والمواطنين. وبحكم كونه أداة للتنمية، يحدد برنامج عمل الجماعة الحاجيات والأولويات التنموية، ويتضمن تقييما للموارد والنفقات.
مع الاسف ، فقد منح المشرع للمنتخبين آلية واضحة للعمل ،بل و جعل من المقاربة التشاركية مرجعا لصياغتها ، ولكم ان تتخيلوا جماعة تعمل طيلة ثلاث سنوات بدون برنامج عمل ،وتعقد دوراتها بشكل دوري ، وتنجز اوراشا ومشاريع حسب ميزاجية الرئيس و المكتب المسير .
مع ان هذا البرنامج هو حلقة هامة واساسية في عمل المؤسسات المنتخبة ، فلا الداخلية تراقب ولا الاحزاب مهتمة .
برنامج عمل الجماعة هو عمل سياسي مؤسس فيحتاج إلى نشاط تواصلي وتفاعلي داخل فرقاء المجالس أغلبية ومعارضة قصد التوصل إلى برنامج متوافق عليه يستجيب لطموحات الساكنة آخذا بعين الاعتبار قدرات الجماعة.
يرتكز برنامج عمل الجماعة على مرجعية قانونية و حقوقية ذات أبعاد وطنية و دولية، كالتوجيهات الملكية السامية و التصريحات الحكومية و الاستراتيجيات الوطنية: منها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها الملك في سنة 2005، و الإستراتيجية الوطنية لإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في برامج التنمية، و الميثاق الوطني للبيئة و التنمية المستدامة الذي أعدته الحكومة بعد الخطاب الملكي لسنة 2009، و وزعته على الجماعات من أجل مناقشته و تقديم مقترحات جديدة بشأنه، و الخلاصات حول الجهوية المتقدمة و تعميق مسلسل اللامركزية، و الالتزامات الدولية للمغرب، و خاصة الاتفاقات الدولية الموقعة من طرف المغرب في مجالات التنمية وحقوق الإنسان و البيئة و حقوق المرأة و الطفل و ذوي الاحتياجات الخاصة.
جل الجماعات متخبطة، ولم تنجز برنامج عملها، سواء تعلق الأمر بمجالس الجهات أو العمالات والأقاليم أو الجماعات الترابية، في مخالفة صريحة للقانون الذي يلزمها بإعداد هذا البرنامج في غضون سنة بعد تشكيلها.
حتى الذين قاموا بإعداد هذا البرنامج، لم تؤشر عليه سلطة المراقبة، لما فيه من اختلالات ومخالفات قانونية ومسطرية، أي أنه تم إعداده بطريقة غير لائقة، مشيرا إلى أن هذا وقع في الكثير من المجالس الجماعية، وعلى الصعيد الوطني.
ويبقى السؤال : لماذا تصلح هذه المجالس وفيما تصرف ميزانياتها ؟ وكيف يممننا الحديث عن تجربة تنموية والمؤسسات المنتخبة عاجزة حتى عن وضع برنامج يحدد حاجيات الساكنة ومتطلباتهم .
الحقيقة المرة في هذا البلد ،ان الاحزاب ” تخربش” ما تسميه برامج انتخابية لا يعيرها احد اي اهتمام ، وفور تشكيل المكاتب و التحالفات يصبح البرنامج الوحيد المفعل هو صرف الميزانيات ، و بلا اثر كبير على التنمية والمجال .
ومع الاسف لا وجود لعقوبات على المجالس التي لم تلتزم بصياغة برنامج عملها ، ولا احد يتحرك في الداخلية لمحاسبة المصالح الولائية و العمالات والاقاليم التي توصلت بمشاريع برامج من الجماعات و لم تؤشر عليها ،ولم تعدها للمجالس .
يبدو ان الحكم على التجربة الديموقراطية في هذا الحانب على انها محرد وسيلة لإلهاء و ارشاء النخب لم يعد مجرد حكم قيمة ، لان الممارسة ابانت اننا فعلا امام مؤسسات جوفاء آلاف من المنتخبين ومئات من الرؤساء وملايين من التعويضات تشمل كل شيئ من سكن وسيارة و تعويضات تنقل وتعويض عن المهام و امتيازات ريعية … وكل هذا و لا برامح مسطرة ،ولا التزام بالتشريعات و القوانين ، ولا تحالفات واضحة ولا معارضة فاعلة و لا اغلبية عاملة .
وناتي بعدها ونقول إن البلاد في مأخرة لائحة الدول في مؤشر التنمية ،ونحمل المسؤولية للدولة ونحن نخبنا عاجزة حتى عن إنجاز برامج عمل ،وعاجزة عن صيانة المؤسسات الدستورية المنتخبة من الارتجالية و الفساد و غياب اي تصور لتدبير جزء كبير من التراب الوطني .
الكائنات الإنتخابية فيروس ينخر التجربة الديموقراطية ،وفي غياب المراقبة و المصاحبة ، تتحول كل جماعة الى مديونية “كريمة” يستغلها صاحبها لخمس سنوات فإما يجددها لنفسه او يسلمها لغيره ، فاصبحت غالبية الجماعات خاصة القروية مجرد ريع لا اقل ولا اكثر .
فهل تعتبرون ؟