ثقافة وفن

الكويت.. الأمسية الشعرية الثانية تُشعل وجدان الحضور وتكرم ذكرى الراحل عبدالعزيز البابطين

شعراء من الوطن العربي ينسجون قصائدهم بين الحنين والرثاء والجمال

في إطار فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، شهدت الأمسية الشعرية الثانية مشاركة نخبة من الشعراء العرب الذين ألقوا قصائد تنوعت بين الرثاء والغزل والنداءات والرسائل الإنسانية ، وسط تفاعل كبير من الحضور.

شارك في الأمسية كلٌّ من:

  • أحمد شلبي (مصر)
  • جاسر البزور (الأردن)
  • خالد الحسن (العراق)
  • روضة الحاج (السودان)
  • سمية محنش (الجزائر)
  • د. فالح بن طفلة (الكويت)
  • محمد الجلواح (السعودية)
  • نبيلة حماني (المغرب)
  • هبة الفقي (مصر)
  • مدير الأمسية: د. عبدالله السرحان (الكويت)

 

تميزت القصائد بأجواء مؤثرة، وحلّقت في فضاء الغزل وشاعرية الأماكن ومخاطبة الإنسانية وملامسة القلوب.

وفي المستهل قدم الشاعر أحمد شلبي (مصر) قصيدتان الأولى بعنوان “الريح لا تأتي بهند “، والأخرى بعنوان”العابر” يقول في مطلع الأولى :

إنها ما أنجَزتْه ما تعدْ

هكذا تمضي مع الأيام هندْ

قال للريح التي مرَّت به:

بلِّغي: أنْ ليس للأشواق حد

أدمعُ الليل، ونيرانُ الهوى

ظمأ الروح، وآلام الجسد

تعبٌ حُمِّلتُه من أجلها

فاذكري يا ريح ما بي من كمد

وصِفي حالي لديها.. علَّها

إن تَعِ الأحزان في قلبي تَعُد

ولها ما تشتهي… إنَّ لها

قبضةَ العمْرِ إذا كنت تود

ولها الرحلة والشِّعرُ.. لها الـ

ـعطرُ.. تفاحُ الأماني للأبد

ولهندٍ إن تشأْ أشدو، وإنْ

تشأِ الدمع فما من ذاك بُد

وأبدع الشاعر جاسم البروز من الأردن بمفردات الشعر واللغة وعذوبة المعنى  بثلاث قصائد ، الأولى بعنوان “لأحياء على صفحة الموتى” والثانية بعنوان “مجازات مقطرة” ، أما الثالثة فكانت على “موعد في الغيب” يقول في مطلعها :

في المطارات يُعلن الوقتُ ضيقَهْ

بين سَهوٍ وحيرَةٍ ووثيقَةْ

 

يَسقُطُ الدَّمعُ في الممراتِ خَوفًا

من عُيونِ المُسافِراتِ الرَّقيقةْ

 

وعلى المقعدِ الأخيرِ مَجازًا

يَلبسُ الظِّلُّ ضوءَهُ وبَريقَهْ

 

شَكَّلَ الحُزنُ مِنهُما أقحُوانًا

وأَتَمَّ انبِجاسُهُ تَنميقَهْ

 

مَن رَأى المَشهَدَ الأَخيرَ سَينْسى

نَفْسَهُ في تَداخُلاتِ الحَديقَةْ

 

يَبدأُ العدُّ للصعودِ فَيُصغىٰ

للرَّجاءِ استعدادكم في دَقيقةْ

 

وَتَطيرُ القلوبُ شيئًا فَشيئًا

فوقَ نَسجِ الخَيالِ ، تَحتَ الحقيقَةْ

 

وَتَمُرُّ الغُيومُ عَبرَ المَعاني

في ثِيابٍ خَفيفَةٍ وَأَنيقَةْ

 

ثَمَّ تأتي قَصيدَةُ الشِّعرِ موجًا

فالنِّداءاتُ ذَبذَباتٌ رَشيقَةْ

 

في المَطاراتِ كلُّ شيءٍ مُجازٌ

بَيْدَ أنَّ المجازَ “شيخُ الطَّريقةْ”

 

كُلنا الآنَ في مَطارٍ كَبيرٍ

والمواعيدُ للذهابِ دَقيقَةْ

 

يَحمِلُ الغَيبُ في التَّذاكِرِ مَوتًا

فَإذا جاءَ فَجأَةً لَن نُعيقَهْ

 

 

وجاء دور الشاعر محمد الجلواح الذي أسر الإحساس والقلوب بأكثر من مرثية للشاعر الراحل عبدالعزيز البابطين الذي بقيت صورته في القلوب ويرثي في إحداها بعنوان “سؤال الأحبة المذهل”

 

تُخاطبُـني (المَعاجِـمُ)،  والقَـوافي        ويَـنْحَبُ  شاعِـرٌ حُـزْنًا، وفَـقْـدا

 

وتَسألُـني الحروفُ، وقد  تداعَـتْ        أيرجِعُ مَـنْ بنى للشِّـعْـرِ مَجْـدا؟

 

وأسفارٌ  حَـوَتْ   أدَبـًا،    وعِـلمًا        وأيامٌ   قَـضتْ   بِـرًّا،   وجُهْـدا

 

ويسألني    الأحبةُ   في   ذُهُــولٍ         أهَــلْ  ماتَ الذي للخَـير أسْـدى؟

 

هُـو  الموتُ  المُغَـيِّـبُ   يا فؤادي         فـزِدْ غَـمًّا، وتَـبْريحًا، وسُهْـدا

 

**********

أيا (عبدَ العزيزِ)، وحَـسْـبُ  ذِكْـرٍ          إلى (البابطَـيْنِ) إطْـراءً، ومَـدّا

 

مَـلَأتَ   الأرضَ   آثارًا،   ونُـبْـلًا          فهل  بَـلَغ الحِـمامُ.. إليك قَـصْـدا؟

 

سَـبَقْـتَ بفعـلِـك  الماضينَ  شـأنًا          وكنتَ ـ بِكلِّ ما قَـدَّمْتَ ـ .. فَـرْدا

 

إذا   ما غـبْـت   عنا.. أنتَ   فينا           حُـضُورٌ دائمٌ..  يَـزْدادُ  وَجْـدا

 

سَـتَـقْصُـرُ   كلُّ   أبْـيـاتي   رثاءً          أيُـرْثـَى مَنْ يَـراهُ القلبُ طَـوْدا ؟!

 

ويأتي شاعر الإحساس والكلمة د/ فالح بن طفلة العجمي  ليأسر القلوب بمرثية أخرى في الشاعر الراحل عبدالعزيز البابطين بعنوان “بكائية لفارسٍ عربي أصيل” مهداة لروح الشاعرالراحل عبدالعزيز سعود البابطين رحمه الله ، ومخاطباً فيها نجله رئيس مجلس أمناء المؤسسة  سعود البابطين بدعاء صدق، يقول فيها :

 

حَثَّ المسيرَ..لرحمةِ الرحمنِ

مُتَرَجِّـلاً كتـرَجُّـلِ الفُـرسـانِ..

 

لمَّا أتانا من بعيدٍ نعيهُ

أدمى القلوبَ وعاثَ في الأجفانِ

 

كنا نريد له الحياة طويلةً

لكنها انطفأت بلا استئذانِ

 

في ساعةٍ كتبَ الأسى عنوانَها

والدمع فاض بمقصد العنوانِ

 

فالناس حولي لو نظرت وجوههم

لقرأت فيها لوعةَ الفقدانِ

 

وكأنما -من فرط ما فجعوا به

في كل وجهٍ..للبكا نهرانِ

 

إن قيل هذا نعشه عصفتْ بنا

حسراتنا بالوجد والتحنانِ

 

ما جال في بال الجموع وَدَاعَها

علمَ الرجال..وسابقَ الأقرانِ

 

قد غاب لكنَّ المواقفَ حيةٌ

تأبى الرضوخ لسلطةِ النسيانِ

 

كم..حدثتنا عنه كل فضيلةٍ

فتنهدت لفداحة الخسرانِ

 

والذكريات الماضيات بقربه

تذكي شجانا الآن..كالنيرانِ

 

ليتَ..المنيةَ أخطأته فلم نذق

بأبي سعودٍ غصة الأشجانِ

 

أو ليتَ حاديها ألمَّ بغيرَهُ

فأصاب كل منافقٍ وجبانِ

 

لكنها نحو اللئام بطيئةٌ

وعلى الكرام سريعةُ الجريانِ!

 

لله حُرٌّ..كان يعدِلُ أمةً

فيما أقام بجهده المتفاني

 

عاش الحياة مكافحاً ومضى وقد

تَرَكَ الذي يبـقى مع الأزمـانِ..

 

جُودٌ، وشعرٌ ناصعٌ، وصنائعٌ

بيضٌ تفيض برحمة الإنسانِ

 

ورؤًى وآدابٌ ومكتبةٌ لها

صرحٌ ثقافيٌّ عظيمُ الشانِ

 

عبدالعزيز البابطينِ بكَتْ له

عينُ الكويت بمدمعٍ هتانِ

 

والشرق والغربُ استبدَّ به الأسى

فنعى سليل المجد من قحطانِ

 

من كان للضاد الفصيحة حارساً

يحمي حماها من يد العدوانِ

 

ومن ارتقى بالشعر والشعراء في

هذي البلاد..وسائرِ البُلدانِ

 

الناذِرُ النفسَ الكريمةَ للعُلا

والمستقيمُ على خطى الإيمانِ

 

والباذلُ الأموال في سبُلِ الندى

والمستحقُ الذِكر َبالعرفانِ

 

والشاعر الفذ الذي من نبضه

صاغ المشاعر عذبة الألحانِ

 

أبكيه بالدمع الغزير..فلم أجِدْ

دمعاً يعبِّرُ عن مدى أحـزاني.!

 

وأذوب من شوقي إلى أيامه

حيثُ المروءةُ منه طَوْعُ بنانِ

 

أين الذي ملأَ الحياةَ كأنهُ

بدرٌ يضيءُ سناهُ كلَّ مكانِ

 

أَعْزِزْ عليَّ بأن أراه وقد غدَتْ

تلكَ الخصالُ وديعةَ الأكفانِ

 

لكنَّهُ قَدَرُ المنون وما لنا

في دفع أقدار المنونِ يدانِ

 

وعزاؤنا في مِثْلِهِ..أفعالُهُ

فهي التي تُحييهِ في الوجدانِ

 

وكأنما في شَخْصِهِ تصوير ما

أهدى لنا “شوقي” بسحرِ بيانِ :

 

فَاِرفَعْ لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكْرَها

‏فَالـذِكْـرُ لِلإِنسـانِ عُـمْـرٌ ثانـي

 

قولٌ به نهضَ الفقيدُ..وسُنَّةٌ

في المحسنين توارثُ الإحسانِ

 

فإلى سعودٍ من أبيه تحولت

خُطَطُ النجاح..فبُشِّرت بأمانِ

 

إن البناء إذا رعاه خبيرُهُ

حفظ الأساس..وزاد في البنيانِ

 

لا شكَ أني واثقٌ بجهودهِ

ثقةَ القريضِ بما يقول لساني

 

فعلى سعودٍ من أبيه ملامحٌ..

وهما على درب العلا سيانِ

 

وكأنما عبدالعزيز ونجلُهُ

روحٌ تقاسم نبلَها جسدانِ

 

فلإن مضى الشيخ الجليل فلم يزل

نجم السعودِ..يضيءُ دون تواني

 

حمل الأمانة عن أبيه وصانها

وحمى الصروح عظيمة الأركانِ

 

يا ربِّ وفقْ للمعالي سعيَهُ

وارزقْ أباه..بجنة الرضوانِ

 

ونثرت الشاعرة سمية محنش من الجزائر عطرية أنثوية خاصة حفلت باللغة الباذخة ومفردات تحمل عبقاً شعرياً يحمل حساً جمالياً مختلفاً في قصيدتها ”   أسئلة في العشق” متسائلةً فيها:

 

لماذا..

وفي كُلِّ حُبٍ تُعَادُ الحَكَايَا

نُعيدُ الحَكَايَا..

ونَصْبُو إلى المُسْتَحيل

الذي لا يَرُوحُ

الذي لا يجيءُ

الذي كشهابٍ

يُغِيرُ الحَنَايَا

ونَلْتَذُّ بالآهِ

نلتاعُ بالشَّوْقِ

نَبْنِي قُصُوراً مِنَ الوَهْمِ فوقَ السَّحابِ

عَلَيْها نُقِيمُ الخَطَايَا

ونقلبُ كُنْهَ الأُمُورِ على ضِفَّةٍ لِلْخَيَالِ المُخَدَّرْ

فَذا الوَهْم يغدو عبيراً وسُكَّرْ

وتَغْدُو الكَمَنْجَاتُ

في الرُّوحِ نايَا..

وإنَّا لَنَغْرَقُ في الحُبِّ غَرْقَا

كَمِثْلِ السّكارى..

كَدُوقٍ قَديمٍ..

سنختارُ موتاً بِصَحْنِ النَّبِيذِ

ونَفْرَحُ أنَّا بذا المَوْتِ عِشْنَا

وأنَّا نَدِينُ لهُ كَالرَّعايَا

وإنَّا الرَّعايا.

سَنَكْذِبُ حَتْماً

ومِنْ فَرْطِ صِدقٍ

نُقَدِّسُ كِذْبَتَنَا مُغرَمِينَ..

بِحُسْنِ النَّوَايَا

ونَصْدُقُ طَبْعاً..

إذا أجهشَ الحُبُّ فينَا

وفُرْنَا بِتَنُّورِهِ كالشَّظايا

كَأنَّ الذي بينَ هذي المشاعرِ..

دِينٌ ودَينٌ

وإنَّ الذِي بَيْنَهَا في الثَّنَايَا..

***

الشاعرة نبيلة حماني من المغرب ، بدأت بلغة إنسانية أنيقة وهي تخاطب حروفها وظلال معانيها من خلال قصيدة ” أحرار كالأسود”، وتأخذ الحضور لملامسة أوضاع غزة وأطفالها ، ومن قصيدتها:

ماذا جني هذا  الفتى لتقاضيه

والى متى تبقى المواجع ضافيهْ

 

سئم الخلائق من خنوع آثم

وسكوت أمتنا المقيت علانيه

 

من للطفولة يستعيد أريجها

من للقلوب بأرض غزة باكيه

 

صمت مريب زلزل العدل الذي

يحيا الأنام به حياة  ساميه

 

أحرار غزة كالأسود ، زئيرها

دوى ليقتلع الأفاعي الباغيه

 

ما كان يرهبهم دمار ساحق

فحقارة الأعداء ليست خافيه

 

وجنود محتل الديار شعارهم

اقتل” بأفئدةٍ غلاظ قاسيه

 

لكنما أرض الوغى شهدت على

خزي وموت للذئاب الغازيه

 

وصبي غزة صاح لن أنسى دمي

مهما تمادى في الضلال زبانيه

 

سأعيش في علياء نصر، قالها

وخطايَ للأمجاد دوما ماضيه

 

وتألقت الشاعرة هبة الفقي  من مصر بجمال الكلمة وألق الإبداع من خلال قصيدتها بعنوان ”   ســـيرَةٌ لِغُصــونِ الـرّوح    ” وتقول فيها:

 

حَظِّـي مِـنَ الشِّعْـرِ لا يَكْفي لِمُعْجِـزَةِ

حَتَّى أُجَــدِّدَ عُـمْـرَ الصًّبْــرَ فـي رِئَتـي

 

حَتَّـى أُبَــدِّدَ مـــا بالْكَــوْنِ مِــنْ ظَمَــأٍ

وأُطْعِـمَ الْأَرْضَ عِنْدَ الْجــوعِ أُغْنِيَتي

 

حَظِّـي مِــنَ الشِّعْـــرِ أوْراقٌ وذاكِــرَةٌ

مــا ذاقَ مَبْسَمُهــا شيئًــا مــن الدَّعَـةِ

 

أنـا الْغَريبــةُ بَيْــنَ النّـــاسِ يَسْجُنُنـي

طــولُ الْمَسـافَــةِ بَيْــنَ الْآهِ والشَّفَــةِ

 

لا الْخِضْـرُ أوَّلَ لي الدُّنْيـا ولا ظَهَـرَتْ

زَرْقـاءُ كَيْ تُبْصِرَ الْأَوْجـاعَ مِنْ جِهَتي

 

كَريشَــةٍ فـي أَكُـفِّ الرّيـحِ يَرْحـلُ بي

عُـمْــري الْـعَـلـيــلُ بِـــلا زادٍ وأمْتِعَـــةِ

 

ما عُــدْتُ أُدْرِكُ فـي الْأَيّـــامِ فَلْسَفَــةً

أوْ عُـدْتُ أُبْصِـرُ ما في الصُّبْحِ مِن ثِقَةِ

 

هَـذي الْحَيـاةُ أَضَاعَـتْ طُهـرَ فِكْـرَتِهـا

فَصِــرْتُ أَعْـبُــرُ مَعْنــاهــا بِــلا صِفَــةِ

 

الأمسية عكست تنوعًا فنيًّا وجماليًّا، وأكدت مرة أخرى أن الشعر ما زال يحافظ على مكانته كأداة تعبيرية قادرة على ملامسة القلوب وإحياء القيم الفنية والإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock