مكبلة بحلم”: تجريب بلغة القسوة للمرأة المقصية وأحلامها المحاصرة
بقلم: عبد الصمد الادريسي / في زمن تُكبل فيه الأحلام وتُصادر فيه الإرادة، تأتي مسرحية “مكبلة بحلم” كأنشودة إنسانية تعانق قضايا المرأة المهمشة في مجتمع يُمعن في تجريدها من كينونتها. عبر حكاية فاطمة، تجسد المسرحية صرخة مستترة ضد منظومة ذكورية قاسية، لكنها لا تتوقف عند حدود الحكي؛ بل تغوص في عوالم التجريب الفني، حيث تلتقي الكلمة بالصورة، والحركة بالمعنى. وإننا في قراءتنا لهذا المنجز الابداعي، الذي أمتعنا به المخرج عادل احسيسن، واتحفنا به الممثل عبد السلام أمجوظ والممثلة يسرى القسيل. نتناول العناصر الجمالية الاتية،الخطاب السردي: ما وراء الحكاية_تنسج المسرحية خيوطها السردية حول فاطمة، تلك المرأة التي تحولت إلى رمز للمعاناة في عالم ذكوري يُحيل جسدها وروحها إلى ساحة صراع يومي. لكن النص، برمزيته وعمقه، لا يقتصر على نقل المأساة؛ بل يُحيل المتلقي إلى تساؤلات أعمق حول العلاقة بين الفرد والسلطة، والجسد والقمع، والحلم والواقع.
إن السرد لا يسير بخط مستقيم، بل يعتمد على التشظي والانتقال بين الوعي واللاوعي، مما يتيح للمشاهد الغوص في عوالم نفسية شديدة التعقيد.التجريب كرهان جمالي _ اختارت فرقة محترف الفنيدق للمسرح والتنشيط الثقافي الاشتغال ضمن القالب التجريبي، حيث يصبح المسرح مختبرًا للتجديد الفني.
ففي الإخراج يتحول المخرج عادل احسيسن هنا إلى ناظم لجوقة فنية متعددة الأصوات، يعيد ترتيب الزمن والمكان وفق رؤية شديدة الذاتية. يتحرك الممثلون كما لو كانوا أدوات داخل آلة كونية، تضغط عليهم وتعيد تشكيلهم وفق مقتضيات السينوغرافيا.
كما في النصوص البصرية، لا سيما والمخرج هنا هو السينوغراف الذي أبدع سينوغرافيا ليست مجرد خلفية، بل نص بصري متكامل، حيث الديكور يتحرك، والإضاءة تتنفس مع الشخصيات، والموسيقى تقفز بين الرقة والعنف. كل عنصر يوظف لهدف واحد: توريط المتلقي في عمق المعاناة الإنسانية.الجسد كموقع للصراع_ تُظهر المسرحية اهتمامًا خاصًا بالجسد بوصفه مساحة للتعبير، لكنه أيضًا مساحة للتعذيب والإقصاء. حركات الممثلين جاءت مدروسة بعناية لتعبر عن التناقض بين الحلم الذي يسكن أعماق فاطمة والقيود التي تكبل جسدها وروحها. هذا الاشتغال على الجسد يعكس فهمًا معمقًا لأبعاده الرمزية، حيث يصبح كل حركة صرخة، وكل وقوف انتظارًا، وكل سقوط انكسارًا.إن عنوان المسرحية “مكبلة بحلم” يحمل في طياته ازدواجية دلالية، فمن جهة، يعبر عن التناقض بين الحلم الذي يملأ الروح بالحرية، وبين القيود التي تفرضها بنى اجتماعية صارمة. ومن جهة أخرى، يشير إلى الحلم كعبء، كتلك الرغبات التي لا تتحقق وتتحول إلى قيد نفسي يعوق الإنسان عن المضي قدمًا.
المسرحية لا تخاطب فقط قضية المرأة، بل تتجاوز ذلك لتلامس إشكالات إنسانية أعمق، مثل البحث عن الحرية، تحدي الظلم، ورغبة الإنسان في تحقيق ذاته وسط عالم يُحيله إلى كائن مغترب،لقد اتسمت الرؤية الإخراجية للمسرحية بالجرأة، حيث اعتمدت على توظيف التجريب كأداة لفك شيفرات النص المسرحي.
فضلا عن استخدام السينوغرافيا الحركية أضاف ديناميكية متواصلة للعروض، ما خلق انسجامًا بين الشكل والمضمون.
أما الموسيقى فكانت أكثر من مجرد عنصر زخرفي؛ بل لعبت دورًا حيويًا في خلق إيقاع داخلي يتماشى مع توترات النص.
أما الأداء التمثيلي جاء بين الواقعي والرمزي، مما أتاح للممثلين التعبير عن أبعاد مركبة لشخصياتهم،إلا أنه، رغم جماليات التجريب، عانى العمل في بعض اللحظات من بطء الإيقاع الدرامي، خاصة في مشاهد الاستبطان الداخلي للشخصيات. كان من الممكن أن تعزز المسرحية تماسكها بتخفيف بعض المشاهد الطويلة لصالح مشاهد أكثر كثافة في التعبير،إن “مكبلة بحلم” ليست مجرد عمل مسرحي؛ بل هي بيان فني وإنساني ضد الظلم بكل أشكاله. من خلال هذه المسرحية، تثبت فرقة محترف الفنيدق للمسرح أن المسرح المغربي قادر على التجديد الفني ومخاطبة القضايا الإنسانية برؤية عميقة وجمالية مبهرة.