استغلال الموارد العامة ، تحديات اقتصادية وتراجع الثقة في المؤسسات.
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها العديد من الدول، تبرز ممارسات تساهم في تفاقم الأزمات بدلا من حلها. ومن بين هذه الممارسات، الاستخدام غير المشروع للموارد العامة، مثل المركبات الحكومية، لأغراض شخصية. هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات لسنوات من الإهمال وضعف الرقابة، مما أدى إلى استشرائها في بعض المؤسسات.
تتجاوز هذه الممارسات مجرد الاستخدام الشخصي للمركبات الحكومية، إذ تشمل أيضا سوء إدارة المعدات والموارد الأخرى. على سبيل المثال، تم تسجيل حالات تم فيها تسليم معدات حكومية لجهات خارجية دون الالتزام بالإجراءات القانونية أو دفع التعويضات المقررة. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ تدخل أفراد من عائلات المسؤولين في شؤون العمل، مما يعكس غيابا واضحا للضوابط الإدارية والرقابية.
هذه التصرفات لا تقتصر آثارها على الهدر المالي فحسب، بل تمتد لتؤثر سلبا على ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. عندما يرى المواطنون أن الموارد العامة تستغل لخدمة مصالح شخصية، يتراجع إيمانهم بقدرة هذه المؤسسات على تحقيق الصالح العام. وهذا بدوره يضعف الشرعية التي تقوم عليها هذه المؤسسات، ويعيق جهود الإصلاح والتنمية.
للتغلب على هذه المشكلة، لا بد من تفعيل آليات رقابية صارمة وفعالة. يجب أن تشمل هذه الآليات تدقيقا دقيقا في جميع العمليات المالية والإدارية، بما في ذلك مراجعة سندات الطلب وسياسات استخدام المركبات الحكومية. كما يتعين تعزيز الشفافية من خلال نشر تقارير دورية تظهر كيفية استخدام الموارد العامة، وإخضاع المسؤولين للمساءلة في حال ثبوت أي تجاوزات.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز الثقافة المؤسسية التي ترسخ قيم النزاهة والمسؤولية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تدريب الموظفين على أهمية الحفاظ على المال العام، ووضع قواعد واضحة وصارمة تحكم استخدام الموارد الحكومية. كما أن تفعيل دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام في كشف التجاوزات يعد خطوة مهمة نحو تعزيز الرقابة المجتمعية.
في النهاية، إن معالجة هذه القضية تتطلب إرادة سياسية حقيقية جاد من قبل جميع الأطراف المعنية. فقط من خلال تعزيز الرقابة والشفافية وترسيخ قيم النزاهة، يمكن أن تتحول الموارد العامة من أداة للهدر إلى رافعة للتنمية والاستقرار.