السياسة لا تُختزل في الأحقاد الشخصية .

الدكتورة إيمان الرازي.
(أستاذة بكلية علوم التربية جامعة محمد الخامس بالرباط).
من المثير للدهشة أن يخرج رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ورئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحزب، ليبرر عدم توجيه الدعوة للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بدعوى وجود خلافات شخصية بين هذا الأخير والأمين العام للحزب عبد الإله ابن كيران. فهذا التبرير لا يعكس فقط اختزالاً مريعاً للفعل السياسي في الأشخاص وأمزجتهم، بل يكشف أيضاً عن تآكل في ثقافة العمل الحزبي ومحدودية في تصور طبيعة العلاقات بين المكونات السياسية داخل المشهد الوطني. فالمؤتمرات الحزبية، خاصة تلك التي ترفع شعار إعادة البناء والتجديد، لا تُعقد لتصفية الحسابات أو تكريس العزلة، بل تُقام كمحطات للحوار والانفتاح والتفاعل مع مختلف الفاعلين، سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا.
عدم دعوة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر لحضور جلسة افتتاح مؤتمر حزب العدالة والتنمية، ليس لأن لحزبه موقعاً هامشياً في الساحة السياسية، بل لأن مزاج ابن كيران لا يسمح بذلك، هو مؤشر خطير على تغليب الشخصنة على المؤسسية، والهوى على العقل، والضغينة على المصلحة الوطنية. فهل يُعقل أن تتحكم الخلافات الذاتية في علاقات بين حزبين يفترض أنهما اشتغلا معا ضمن ولاية حكومية سابقة، وهل صار من المقبول أن تُغيب الأعراف الحزبية لصالح نزعات فردية، وكأننا أمام تنظيم شخصي لا مؤسسة حزبية؟
السياسة تُمارَس بين الهيئات، لا بين الأفراد، ومتى ما تحولت إلى صراعات شخصية، فإنها تفقد جوهرها وتتحول إلى عبث، وهذا ما جسّده هذا السلوك السياسي الضيق. وحتى إذا صحّ ما قاله إدريس لشكر من أنه لم يكن على علم بانعقاد المؤتمر، أو أنه حتى لو دُعي لما حضر، فإن ذلك لا يُعفي حزب العدالة والتنمية من مسؤوليته الأخلاقية والسياسية في إرسال الدعوة. لأن الرهان في مثل هذه المبادرات لا يكمن في الرد بالمثل أو انتظار المقابل، بل في ترسيخ ثقافة مؤسساتية راقية تفصل بين الخلاف السياسي وبين أدبيات العمل الحزبي.
حين تُربكنا الخلافات إلى هذا الحد، ونتحول إلى سجناء تصوراتنا الذاتية، فإننا لا نبني ديمقراطية، بل نعيد إنتاج ما هو أسوأ. والمفارقة أن الحزب الذي لم يفتأ يتغنى بالمؤسسات وبقيم الاختلاف، يُمعن اليوم في سلوك يضرب في العمق كل هذه الشعارات. إن الفعل السياسي لا يُقاس بحجم الشعارات المرفوعة، بل بالقدرة على تجاوز الذات والتعالي عن منطق الثأر السياسي لصالح منطق بناء المؤسسات، ومنطق التنظيم، ومنطق الاحترام المتبادل بين الفاعلين مهما كبرت هوة الاختلاف بينهم، وإلا فإننا سنجد أنفسنا أمام طوائف سياسية لا أحزاب ديموقراطية، وأمام أهواء شخصية لا مشاريع سياسية، وأمام زعامات تعاني تضخم الذات والبارانويا لا قيادات مؤطرة بثقافة الحوار و تدبير الاختلاف.
في النهاية، إن غياب إدريس لشكر عن المؤتمر لا يسيء إليه أبدا بقدر ما يسيء لحزب العدالة والتنمية نفسه، الذي أعطى انطباعاً بأنه عاجز عن تدبير أبسط مقتضيات العلاقة السياسية مع محيطه، وأن خطابه حول الديمقراطية الداخلية والانفتاح ليس سوى غطاء هشّ لعلاقات سلطوية وشخصانية متجذرة.