لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين…

عبدالحق عندليب
يحاول بن كيران وأتباعه وما تبقى من شتات حزبه العودة إلى الواجهة السياسية بعد السقوط المدوي في انتخابات 8 شتنبر 2021. وهو بالمناسبة سقوط لم يسبق له نظير في التاريخ المعاصر لحزب تربع على سدة تدبير الشأن الحكومي لولايتين متتاليتين من سنة 2011 إلى سنة 2021 ، حيث انتقل رصيده من المقاعد البرلمانية بمجلس النواب من 125 مقعدا إلى 13 مقعدا وهو ما لم يمكنه حتى من تشكيل فريق نيابي !!!
إنه عقاب شعبي لحكومتي بنكيران والعثماني اللتان منحهما الشعب المغربي تفويض لتدبير شؤونه لفترة 10 سنوات كانت بمثابة صاعقة نزلت على رؤوس المغاربة الذين عضوا على أنامل الندم بمنحهم الثقة لحزب أوصل البلاد إلى أكبر الأزمات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وحقوقيا. إننا لا نحتاج العودة إلى الأرقام الناطقة والتحاليل الأكاديمية الموثوقة و الموثقة لحصيلة حكومتي بن كيران والعثماني والمتمثلة أساسا في التراجع الخطير للاستثمارات الاقتصادية وفي ارتفاع المديونية وفي تحرير أسعار المحروقات وإلغاء صندوق المقاصة وفي زرع بذور التوثرات الاجتماعية التي انفجرت في منطقة الريف وفي جرادة وفي عدد من الجهات والأقاليم وعلى مستوى قطاع التعليم بسبب أزمة التعاقد والتوثر الكبير الذي حدث مع المركزيات النقابية إثر تجميد الأجور وتجميد الحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى ازدراء المعارضة السياسية والضرب بعرض الحائط للديمقراطية التشاركية والتراجع الخطير الذي شهدته حقوق الإنسان سواء على مستوى حرية التعبير أو على مستوى الحريات السياسية والنقابية.
إن سقوط بي. جي. دي المدوي في انتخابات 8 شتنبر 2021 له أسباب موضوعية لا يمكن لبنكيران ومريده إخفاءها أو التحايل في تفسيرها. فقد أظهر هذا الحزب الذي تشكل في ظروف نعلمها جميعا وذلك بتوجيه ودعم من “الصدر الأعظم” إدريس البصري مهندس الخرائط السياسية إبان عهد الاستبداد، وذلك على إثر الرسالة الاستعطافية المشهورة التي وجهها بن كيران إلى وزير الداخلية المخلوع والتي ترتب عليها توجيه بن كيران إلى الانخراط في صفوف حزب أحد خدام الاستبداد الراحل عبد الكريم الخطيب وهو الحزب الذي أعطى شهادة الميلاد لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي لا يمكن أمام هذه الواقعة التاريخية إلا أن نعتبر بأن حزب العدالة والتنمية حزب كسائر الأحزاب التي كنا ننعتها بالأحزاب الإدارية التي صنعت في مطبخ “أم الوزارات” سابقا.
فبعد ركوب حزب العدالة والتنمية على موجة “الربيع العربي” وعلى مطالب حركة 20 فبراير وبالتالي وصوله إلى الحكومة إثر انتخابات 2011 و 2016، ها هو يحاول اليوم إعادة الكرة في الانتخابات القادمة لسنة 2026.
بن كيران الذي استفاد من ربع 7 ملايين ومن امتيازات السكن والحراس الشخصيين وغيرها من الامتيازات التي ترفع عنها زعماء اتحاديين كبار من طينة الفقيد عبد الله إبراهيم والمجاهد عبد الرحمان اليوسفي، أقول بن كيران الذي استفاد من هذا الريع وهذه الامتيازات غير المشروعة يكثف الظهور عبر وسائل الإعلام الاجتماعي من خلال العودة إلى استعمال الخطاب الشعبوي الذي يتميز بافتقاده لمقومات التحليل السياسي وغياب البعد والتصور البرنامجي لمعالجة الأوضاع التي خلفها التدبير الفاشل لحكومة أخنوش، حيث لا يتورع في استعمال السب والقذف والتجريح ولغة الحلقة والفرجة في مواجهة خصومه سواء في الحكومة أو في المعارضة.
ومن حيل بن كيران التي لا تنطلي على أحد محاولته الركوب على المد العاطفي للشعب المغربي تجاه القضية الفلسطينية إثر العدوان الهمجي الذي يتعرض له سكان غزة والضفة الغربية على يد الاحتلال الإسرائيلي، إذا حاول بن كيران وحزبه الاندماج في المظاهرات المنددة بالإبادة ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن جماعة العدل والإحسان قد فطنت للأهداف المبيتة لبنكيران في محاولة الاستيلاء على المتعاطفين مع العدل والإحسان قصد استعمالهم كأصوات انتخابية خلال الانتخابات القادمة لسنة 2026، مما أدى إلى الرفض القاطع لمشاركة حزب العدالة والتنمية في هذه المظاهرات الداعمة لفلسطين. ونعلم أن حكومة بي.جي.دي برئاسة العثماني الأمين العام السابق للحزب هو من وقع على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل بدعم من الحزب عكس ما يدعيه حاليا بن كيران الذي يحاول بشكل انتهازي وتضليل التنصل من مسؤوليته السياسية والأخلاقية تجاه هذا الحدث.
ومن بين المواضيع التي تستحق الوقوف عندها ما جرى مؤخرا حول موضوع ملتمس الرقابة، حيث وضع بن كيران كل العراقيل لإفشال الملتمس من خلال محاولة إبعاد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن تقديم الملتمس وهو، كما صرح الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأستاذ ادريس لشكر، صاحب المبادرة ومن عمل على إقناع أطراف المعارضة بأهميتها منذ سنتين والذي يتصدر أحزاب المعارضة ب 35 مقعدا في مجلس النواب بينما يوجد حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأخيرة من أحزاب المعارضة التي قررت في السابق التنسيق لتقديم الملتمس وذلك ب 13 مقعدا.
إننا اليوم أمام سباق محموم نحو انتخابات 2026 من طرف الذين يتحملون مسؤولية التدهور الذي وصلت إليه بلادنا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال الولاية الجارية وكذلك من طرف الذين تحملوا مسؤولية التدهور الذي عاشته بلادنا بين سنة 2011 و 2021 والذين يعتبرون بأن ذاكرة الشعب المغربي ذاكرة مثقوبة مما يجعلهم يعتقدون بأنه بالإمكان إعادة الكرة مرة أخرى كما حدث في 2011 و 2015 و 2016 من خلال توظيف الخطاب الشعبوي البعيد كل البعد عن الواقع وعن الحلول الممكنة للأزمة التي تعيشها بلادنا والتي تتطلب كفاءات وطنية حقيقية تتوفر على القدرات اللازمة لاجتياز المرحلة بنجاح.



