مقالات و آراء

حين يتحوّل الحلم الشعبي إلى “دوارة”

بقلم_عبد الحميد علوشاعندما تصبح أمنية شريحة واسعة من المواطنين الظفر بقطعة من أحشاء حيوان تُطهى على نار هادئة، فاعلم أن المشهد أكبر من مجرد رغبة غذائية، بل هو علامة على انهيار مقلق في سلّم القيم والأولويات.

ليست هناك غضاضة، إذًا، في أن تذوب الكرامة تحت وطأة الحاجة، ما دامت الموائد العامرة تسد الجوع وتخدر الوعي.
ولا يبدو الفساد والاستبداد معضلة كبرى، إذا كانت العقول قد استمرأت التبعية، ورضيت بما يمنحها إياه “الكبار” من فتات.
ولا يثير الهلع أن يترنح التعليم في هوة الرداءة، ما دام الأفق ضيقًا، لا يتجاوز حدود المائدة.
ولا يستفز أحدًا غياب عدالة مجالية تُنصف المناطق وتوزع فرص التنمية بإنصاف.
ولا تثير الاستغراب إدارةٌ بيروقراطية، ترى في الحقوق منّة، وفي المواطن عبئًا يجب تحمله.
ولا تهم ديمقراطية صورية، ما دامت الوجوه نفسها تتصدر المشهد، وتوهم العامة بأن الوطن لا يكون إلا بهم، وأن المواطن لا يُرى إلا تابعًا في زحام الطوابير.

لكن “الدوارة”، و”التقلية”، و”الكرشة”… تلك هي المعركة!
رائحة الأمعاء المطهوة بالثوم و”ورق الحانوت”، المنبعثة من الأزقة، صارت حلمًا يتسابق عليه الناس كما لو أنه تاج شرف أو رمز انتصار.

ليست المشكلة في الطعام ذاته، بل في عقلٍ جُرِّد من الحلم، وقُزِّمت طموحاته، وأُغلق عليه في دائرة الحاجة الغريزية.
هوس “الدوارة” ليس سوى انعكاس لمأساة ثقافية، ومرآة لذهنية أُدمنت التفاهة، وقبلت بأن تُختزل الحياة في لقمة، ولو كانت من بقايا البهائم.

فليفرح مهندسو التفاهة، فمشروعهم قد نجح.
فما دام سقف المطالب هو “وجبة شهية”، فالوطن، بالنسبة للكثيرين، لم يعد أرضًا للنهوض والكرامة، بل مطبخًا يُتقن
إغراء البطون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
ر

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock