عبث الحرب… ومطار الخرطوم شاهد جديد على مأساة الوطن

بقلم: أسامة صالح
في صباحٍ جديد تُثقل كاهل العاصمة، تعرّض مطار الخرطوم لهجوم نفذته قوات الدعم السريع باستخدام طائرات مسيّرة، في محاولة جديدة لاستهداف المرافق الحيوية التي تشكل شريان الحياة للسودانيين.
وقد تمكنت الدفاعات الأرضية للقوات المسلحة من التصدي للهجوم بكفاءة واقتدار، وأفلحت في إسقاط الطائرات المسيّرة، لتكون الخسائر محدودة مقارنة بما كان يمكن أن يحدث لو نجح الهجوم.
يأتي هذا الاعتداء بعد ساعات فقط من إعلان سلطة الطيران المدني استئناف الرحلات الداخلية من وإلى مطار الخرطوم، في خطوة أعادت بعض الأمل في عودة الحياة تدريجيًا إلى العاصمة التي أنهكتها الحرب. غير أن صوت الطائرات المسيّرة أعاد التذكير بأن السلام لا يزال بعيد المنال، وأن الحرب ما زالت تعبث بمقدرات الوطن.
لا شك أن هذا الحادث يجسد عبثية الحرب الدائرة منذ أبريل 2023، حربٌ لم تخلّف سوى الدمار والخراب، وتسببت في تهجير أكثر من 14 مليون سوداني داخل البلاد وخارجها، ثمانية ملايين منهم اضطروا إلى اللجوء لدول الجوار. وما زال طرفا الصراع مصرّين على العبث بالوطن دون وازعٍ ديني أو أخلاقي، غير آبهين بمعاناة شعبٍ فقد الأهل والمدخرات والأمل في غدٍ أفضل.
إن الصراع على السلطة فوق أنقاض الوطن هو ذروة الانحطاط السياسي، ودليل على غياب الحكمة الوطنية التي كان يمكن أن تضع حدًّا لهذه المأساة. في المقابل، نرى شعوبًا أخرى ـ مثل الفلسطينيين في غزة ـ قد وافقت قواها المتصارعة على وقف الحرب حفاظًا على أرواح مواطنيها، في حين يستمر نزيف الدم السوداني بلا توقف.
لقد آن الأوان لإيقاف هذه الحرب العبثية، وفتح صفحة جديدة عبر مؤتمر مائدة مستديرة يضم جميع الأطراف دون إقصاء، للاتفاق على فترة انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة، يختار فيها الشعب من يحكمه عبر صناديق الاقتراع لا فوهات البنادق.
فالسودان اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الرصاص، بل إلى شجاعة سياسية وضمير وطني حيّ يعيدان له حقه في الحياة والسلام.
هل تُسمع صرخة الوطن؟ أم أن الخرطوم ستظل تنادي في صمتٍ لا يجيب؟