مقالات و آراء

 رسالة إلى أصحاب الأسماء المستعارة وموزعي الشتائم وراء الشاشات..!

ليس كل من يرفع صوته يحسن القول، ولا كل من يكتب مقالا يصيب الحقيقة، فالكلمة، حين تفرغ من نبل مقصدها وتلبس لباس التهكم والتجريح، تفقد قيمتها وتتحول من أداة نقد إلى أداة تشويه.
إن ما نقرأه اليوم من تعبيرات حاقدة ولغة متوترة، لا ينتمي إلى النقد الرصين، ولا إلى النقاش العمومي المسؤول، بل هو انحدار في مستوى الخطاب، يراد به الإثارة لا الإصلاح، والتشويه لا البناء.
لقد نسي هؤلاء -الأشباح والمتنكرون- أن النقد شرف، لا فوضى، وأن حرية التعبير ليست ترخيصا للإهانة أو تصفية للحسابات، فالانتقاد حين يتحول إلى مهاترة، يصبح مرآة تعكس خواء صاحبه، لا ضعف من ينتقده.
أما بخصوص حديثهم عن صمت المجالس والمؤسسات، فهو تبسيط مخل لواقع مركب، لأن التواصل لا يقاس بالضجيج، كما لا تقاس المسؤولية بعدد التصريحات أو المهرجانات الكلامية، بل تقاس بالعمل المتراكم، وبالإنصات العميق لا بالمزايدة السطحية.
لقد اختار بعض هؤلاء المعدودون على رؤوس الأصابع، أن يشوهوا العمل المؤسساتي بلغة السخرية والتخوين، بينما يجهل – أو يتجاهل – هؤلاء أن البناء يحتاج إلى صبر لا إلى صراخ، وإلى رؤية لا إلى شعارات.
من السهل أن تكتب جملة جارحة، لكن من الصعب أن تصنع مشروعا، أو تجمع كلمة، أو تتحمل أعباء التسيير ومسؤولية القرار.
المسؤول الحقيقي لا يرد على كل صخب بصرخة، بل يختار أن يواصل العمل في صمت، لأن الأفعال وحدها من تكذب الادعاءات.
وإذا كانت بعض الأقلام الرخيصة قد وجدت في السخرية والتجريح وسيلة للظهور، فإن المؤسسات لا تدار بالرغبات ولا تقاس بالضجيج.
فتيزنيت – بما تحمله من رصيد حضاري وثقافي– أرفع من أن تتحول إلى ساحة للسباب والتجريح.
ليعلم هؤلاء أن الشأن المحلي والشأن العام ليس مسرحا للمزايدات، بل ميدانا للجد والإنجاز.
ومن أراد أن ينتقد فليخرج بوجه مكشوف، وليقدم البديل، ومن أراد أن يتحدث باسم فئة معينة، فليقترب منها بالفعل لا بالكلام، وفي الواقع لا في المواقع.
فالمجالس والمؤسسات التي تتهم اليوم، تعمل بصبر وفي صمت، وتتحمل أعباء المرحلة في ظل ظروف معقدة، أما الذين يوزعون الشتائم من خلف الشاشات، فلن يكتب لهم التاريخ سوى سطور من الوهم الممزوج بالغبار.
إن تيزنيت لا تحتاج إلى ضجيج، بل إلى صوت العقل، وإلى نقد يضيء ولا يطفئ، وإلى قلم يكتب بالمسؤولية لا بالحقد والغل.
فبين الكلمة الهادفة والمهاترة الساقط والرخيصة مسافة من النبل لا يقطعها إلا من يعرف وزن الكلمة وقدر الناس.
وإلى موزعي الشتائم خلف الشاشات، وإلى الذين يختبئون خلف الأسماء المستعارة، بعد أن وجدوا في ظلام الشاشة ملجأ لسهام كلماتهم.. أقول:
أتعلمون؟
◾ أن البطولة ليست في أن تكتبوا ما لا تجرؤون على قوله وجها لوجه،
◾ أن القوة ليست في لسان يقطر سما زعافا حين يختبئ القائل/ الكاتب خلف قناع لا وجه له.
◾ لو علمتم، الكلمة التي تكتبونها في لحظة تنمر، قد ترجع الى دهاليز البؤس، وأنتم صاغرون.
◾ لو علمتم، أن ما تزرعونه يعود إليكم،
وأن كل حرف تكتبونه بغضب،
إنما يرسم ملامح ما في داخلكم – لا فيمن توجهونه إليه –
لأمسكتم عن الكتابة حتى تتطهر قلوبكم.
اختبئوا إن شئتم وراء الأسماء،
لكن لا تختبئوا وراء الكراهية.
فالاسم المستعار لا يخفي الإنسان،
بل يكشفه أكثر مما يظن.
أيّها المختبئون خلف الأسماء المشبوهة، عفوا المستعارة، يا من اتّخذتم من الظلام سترا وحجابا، ومن الحروف سلاحا، أما مللتم من مطاردة الآخرين بسموم الكلمات؟
أما سئمتم أن تكونوا صدى لصراخ لا يسمعه أحد سواكم.
تظنون أن الشاشات تبتلع آثاركم، وأن الأقنعة تخفي الوجوه، لكنها لا تخفي النوايا ولا تطمس الرائحة التي تفوح من الحقد.
ما أبشع أن يعتاد المرء رمي الحجارة وهو يسكن بيتا من زجاج، وما أبشع أن يظن المختبئ القسوة المقنعة شجاعة والوقاحة صدقا، والجهل رأيا.
إن الكلمة، وإن بدت عابرة في سيل التعليقات، قد تسقط روحا كانت تتشبث بالأمل، وقد تطفئ ضوءا كان آخر ما تبقى في ليل أحدهم.
تذكروا أن ما تزرعونه في الآخرين،
ينبت فيكم قبلهم، وأن السم الذي تنفثونه على الناس، ما هو إلا دخان حريق  يشتعل في دواخلكم.. وهو الذي سيحرقكم غدا أو بعد غد.
فالأسماء المستعارة لا تنقذ من حساب الضمير، كما لا يستر الظلام قبح ما تكتبون.
ختاما.. أقول لكم.. اكتبوا ما شئتم، لكن أكتبوا كما لو أن الله يقرأ ما تخطون، وتحدثوا كما لو أن وجوهكم مكشوفة للعالم… حينها سنحترمكم. عمتم مساء..
✍️ محمد الشيخ بلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
ر

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock