منوعات

مشاهد من معسكر الدبة شمال السودان بعيون صحافية

 

الدبة / محيي الدين شجر / مدثر رابح
من قلب معسكر العفاض الدبة التي تقع شمال السودان تتكشف حكايات موجعة لنازحين عبروا الصحراء حفاةً نحو الأمان، فوجدوا في الشمال صدورًا رحبة وقلوبًا مفتوحة.

في معسكر العفاض بمدينة الدبة بالولاية الشمالية، تتقاطع الدموع مع الأمل، وتتكشف قصص يندى لها الجبين عن رحلة النجاة من جحيم الحرب إلى دفء الشمال.
الناجون القادمون من الفاشر عبر طرقٍ موحشة، ساروا على الأقدام لأيام، تحملهم الإرادة حين خذلهم الجسد، بعد أن مُنع كثير من الشباب من الخروج، فاختاروا وجهة الشمال لا الجنوب، مؤمنين أن هناك فيضًا من الرحمة ينتظرهم.

وفي الشمال، لم يخيب الأهالي الظن. فتحوا بيوتهم قبل مخازنهم، واستقبلوا الضيوف بالعطاء قبل الكلمات.
من بين الوجوه التي صنعت الفرق، يبرز السيد أزهري المبارك، الذي يعمل في صمت ويتهرب من الإعلام، لكنه قال لنا بتواضعٍ صادق:“من يستحقون التكريم هم البسطاء الذين اقتطعوا من قوت يومهم لتقديم السند لإخوانهم.. هؤلاء هم أبطال السودان الحقيقيون.”

يضيف المبارك

“لم يحدث أن رفض لي أحد أي طلب أقدمه من أجل المعسكر، الناس في الشمال يتسابقون في الخير. اتصلت بالسيد مبارك عباس، رجل الخير المعروف من أبوحمد، فاستجاب فورًا وأرسل مائة سرير ومائة دفاية لدعم المعسكر.”

 

وأوضح أزهري أن عددًا من الأسر تم استيعابهم داخل المنازل في المنطقة، وأصبحوا الآن جزءًا من النسيج الاجتماعي، مضيفًا أن كثيرين منهم انخرطوا في الزراعة ضمن مشروع تبلغ مساحته خمسة عشر ألف فدان، كما التحق آخرون بأعمال مختلفة، بل إن إحدى الصيدلانيات النازحات عادت الآن إلى ممارسة مهنتها داخل المنطقة.

ورغم ما تحقق، تبقى الحاجة قائمة، كما يقول الدكتور مصطفى عبد الله، المسؤول الصحي بالمعسكر، الذي أوضح أن أبرز الأمراض المنتشرة تشمل: “أمراض العيون والعشى الليلي، والتهابات المسالك البولية، والكسور الناتجة عن السقوط أثناء النزوح، وأمراض الكلى، وفقر الدم (الأنيميا)، والتيفويد والملاريا، بالإضافة إلى النزلات المعوية الناتجة عن المياه غير النظيفة وسوء التغذية خصوصًا وسط الأطفال.”

 

وأضاف د. مصطفى أن العيادة تستقبل يوميًا نحو 25 حالة، وأن هناك نقصًا واضحًا في الفحوصات، خاصة فحص الدم الشامل (CBC)، داعيًا إلى دعم المعمل بالأجهزة والمواد الضرورية، وتوفير الأدوية والمكملات الغذائية والفيتامينات للأطفال والحوامل.

في معسكر العفاض، تختلط المأساة بالمعجزة، والدموع بالكرامة.
هنا، وسط الرمال والحرمان، يكتب السودانيون فصلًا جديدًا من الإنسانية.. فصلًا يؤكد أن هذا الشعب، رغم الوجع، لا يزال قادرًا على النهوض بذاته.

لكن الرسالة التي تخرج من “العفاض” اليوم ليست مجرد حكاية نزوح، بل نداء مفتوح إلى الضمير الإنساني والمنظمات الدولية التي غابت عن هذا المكان، لتعود وتشارك في سدّ الثغرات الصحية واللوجستية.
فإن كان أهل الشمال قد أثبتوا أن الكرم يمكن أن ينقذ الأرواح، فإن العالم مدعو اليوم لأن يُثبت أن الإنسانية لا تعرف الحدود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
ر

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock