الرشيدية.. افتتاح المؤتمر الدولي حول الاجتهاد المقاصدي وتجديد الفقه الإسلامي

انطلقت يوم امس الأربعاء 3 دجنبر 2025، بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، فعاليات المؤتمر العلمي الدولي حول “الاجتهاد المقاصدي وتجديد الفقه الإسلامي في السياق المعاصر”، بمشاركة نخبة من الباحثين من داخل المغرب وخارجه، وحضور واسع من طلبة الجامعة والمهتمين. وهدف هذا الحدث العلمي إلى إبراز دور مقاصد الشريعة في تجديد العقل الفقهي ومواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي يعرفها العالم اليوم.
واستهلت الجلسة الافتتاحية بتلاوة آيات بينات بصوت الطالب زكريا الركوبي، تلاها أداء النشيد الوطني، ثم كلمة عميد الكلية الذي أكد أن المقاصد تمثل روح التشريع وأساساً لإحياء حركة الاجتهاد بما ينسجم مع تحديات العصر. وأبرز أن مشاركة باحثين من دول مختلفة تمنح المؤتمر بعداً علمياً رصيناً وفرصة لتبادل الأفكار بين المدارس الاجتهادية. بينما أشار نائب العميد المكلف بالبحث العلمي والتعاون، الدكتور أحمد البيبي، إلى الحاجة المتزايدة لاجتهاد متجدد يواجه تعقيدات الواقع، فيما شدد رئيس شعبة الدراسات الإسلامية الدكتور محمد الحفظاوي على أن الاجتهاد لا يستقيم إلا باستحضار حكمته ومقاصده، وأن العلماء مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعادة قراءة التراث الفقهي في ضوء حاجات الإنسان المعاصر. ومن جهته، أكد منسق ماستر المالية الإسلامية ومقاصد الشريعة الدكتور عبد الغني قزيبر أن اختيار موضوع المؤتمر لم يكن اعتباطياً، مستحضراً نموذج السيوطي الذي ألّف المئات من الكتب دون أن يُجزّ في الاجتهاد، مما يعكس صرامة هذا الباب العلمي وشروطه الدقيقة.
كما أوضح الدكتور رشيد ناصري، ممثلاً للجنة التنظيم، أن المؤتمر استقبل 300 ملخص بحثي من داخل المغرب وخارجه، اختير منها 41 بحثاً بعد دراسة دقيقة، مشيراً إلى أن من أبرز دوافع تنظيم هذه التظاهرة العلمية انتشار ظاهرة التجرؤ على الفتوى من غير المؤهلين وغياب المرجعية المقاصدية في كثير من الممارسات المعاصرة، ما يستدعي العودة إلى منهجية علمية راسخة.
وتوزعت أشغال المؤتمر على ستة محاور رئيسية همّت التأصيل المقاصدي والقضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمستجدات التكنولوجية والطبية، إضافة إلى الجوانب السياسية والقانونية والآفاق الحضارية للاجتهاد في زمن التحولات الكبرى. وفي الجلسة العلمية الأولى، التي ترأسها الدكتور عبد الغني قزيبر، قُدمت مداخلة من جامعة أم القرى بعنوان “استفصال النبي ﷺ في حكايا الأحوال وسيلة من وسائل الاجتهاد المقاصدي”، نيابة عن الدكتورة خضراء حمزة موسى عمرات، تبعتها عروض علمية أثرت النقاش، من بينها مداخلة الدكتور مصطفى حداني حول جهود ابن حزم في تحرير ضابط النص، والدكتور الحوسن فونونو حول مراعاة المقاصد القرآنية في تفسير ابن العربي، إضافة إلى مداخلة الأستاذ كمال أمساعد حول ضوابط الاجتهاد المصلحي عند ابن رشد الحفيد، ومداخلة الباحث يوسف وباموح حول مجالات الاجتهاد المقاصدي في الاستنباط.
أما الجلسة العلمية الثانية التي ترأسها الدكتور عبد الكبير حميدي، فركزت على قضايا ذات امتداد اجتماعي وثقافي، حيث تناول الدكتور حميد عابي عقوبة الردة في ضوء مقاصد الشريعة، وقدم الأستاذ محمد غزلاوي مقاربة حول تعزيز التعايش والحوار الحضاري، ثم ناقش الأستاذ محمد شرنان جهود علماء الغرب الإسلامي في ترسيخ ثقافة التعايش. كما عرض الدكتور عبد الحميد أزمير بحثاً حول شرط مراعاة السياق الثقافي في الاجتهاد التنزيلي، في حين قدمت الدكتورة عائشة الطويل دراسة حول ضوابط تطبيق الاجتهاد المقاصدي بين ضبط المنهج وحماية الثوابت، واختتمت الجلسة بمداخلة الدكتور عبد الحكيم الجوهري حول أثر الاجتهاد المقاصدي في معالجة قضايا الأقليات المسلمة في المهجر.
وشكلت الجلسة العلمية الثالثة، التي ترأسها الدكتور رشيد عمور من جامعة مولاي إسماعيل، محطة نقاش ثري حول “الاجتهاد المقاصدي والتحديات الاقتصادية والمالية المعاصرة”. وقدّمت خلالها أوراق بحثية مهمة، أبرزها مداخلة الأستاذ جواد مكين من جامعة القاضي عياض حول أثر الاجتهاد المقاصدي في صناعة الفتوى المعاصرة في المعاملات المالية، ومداخلة الدكتور عبد الله اصبيحي حول النوازل المالية من منظور مقاصدي. كما تناول الباحث عقلي عبد الحق تطبيق الاجتهاد المقاصدي في التجارة الإلكترونية، وقدمت الباحثة شيماء زعبك دراسة حول عقود الخيارات المالية بين الضبط الفقهي والتوجيه المقاصدي، بينما ناقش الدكتور إبراهيم ماكوري قاعدة الاحتياط وأثرها في توجيه الاجتهاد في نماذج من المعاملات المعاصرة. وقدّم الأستاذ عبد الواحد العبد اللوي بحثاً حول مقصد حفظ المال في البنوك التشاركية المغربية، قبل أن يختتم الدكتور طارق البوداني من جامعة القاضي عياض النقاش بعرض حول الذكاء الاصطناعي وتحديات الرقمنة في ضوء فقه الميزان، مضيفاً بعداً مستقبلياً لملف الاجتهاد.
وخلص المشاركون إلى أن تجديد الفقه الإسلامي لن يتحقق إلا باستئناف الاجتهاد وفق رؤية مقاصدية تستوعب المستجدات وتحافظ على ثوابت الأمة، معتبرين أن هذه التظاهرة العلمية تمثل خطوة رائدة لتعزيز حضور الدراسات المقاصدية داخل الجامعة المغربية وإغناء البحث العلمي في هذا المجال الحيوي.
وتجدر الإشارة إلى أن فعاليات المؤتمر تتواصل اليوم الخميس 4 دجنبر الجاري، حيث يُنتظر أن تُعقد ثلاث جلسات علمية إضافية تستكمل مناقشة محاور الاجتهاد المقاصدي وقضايا التجديد الفقهي، على أن تختتم هذه التظاهرة بجلسة ختامية يُرتقب أن تشهد تكريم الباحثين والمشاركين.




