اغتيال عمر بنجلون: الحقيقة التي لا تموت

مكتب القنيطرة/عزيز منوشي
بعد خمسين سنة على اغتيال الشهيد عمر بنجلون، ما تزال الأسئلة الجوهرية معلّقة، وما تزال الحقيقة الكاملة حبيسة الصمت والتأجيل. لم يكن اغتياله في 18 دجنبر 1975 حادثًا عابرًا، ولا فعلاً إجراميًا معزولًا، بل كان جريمة سياسية مكتملة الأركان استهدفت مشروعًا فكريًا وديمقراطيًا كان يقلق قوى الاستبداد والظلام معًا.
عمر بنجلون لم يكن مجرد مناضل حزبي، بل كان مثقفًا عضويًا آمن بأن الديمقراطية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الدفاع عن قضايا الشعب يتطلب الوضوح والشجاعة. هذا الالتزام هو ما جعله هدفًا مباشرًا للتصفية، في سياق سياسي اتسم بالقمع وتصفية الأصوات الحرة، ومحاولات إعادة تشكيل المشهد السياسي على مقاس السلطة.
إن اختزال جريمة اغتياله في منفذين ماديين، أو تحميلها بالكامل لتنظيمات متطرفة، هو تبسيط مخلّ بالحقيقة. فالتخطيط، والتوقيت، والسياق، كلها عناصر تؤكد أن الاغتيال كان ذا خلفية سياسية واضحة، وأن المستفيد الحقيقي كان هو إسكات صوت نقدي مزعج، لا مجرد تنفيذ فعل أيديولوجي معزول.
ما يزيد من خطورة هذا الملف هو التشابه المقلق مع اغتيال الشهيد المهدي بنبركة سنة 1965: جريمتان سياسيتان، حقيقتان منقوصتان، ومسؤوليات لم يُكشف عنها بالكامل. ورغم مرور الزمن، ورغم الحديث عن المصالحة، بقيت الحقيقة مجزأة، تخضع أحيانًا لمنطق التبرير أكثر مما تخضع لمنطق العدالة.
إن المصالحة مع الماضي لا تعني طيّ صفحاته دون قراءتها، ولا تعني تحويل الجرائم السياسية إلى مجرد أحداث تاريخية بلا محاسبة. الحقيقة، كما علّمتنا تجارب الشعوب، لا تسقط بالتقادم، ولا تُدار بمنطق الصفقات، بل تُنتزع بجرأة سياسية وأخلاقية.
اليوم، وبعد نصف قرن، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: ما الذي يمنع الكشف الكامل عن حقيقة اغتيال عمر بنجلون؟ ولماذا ما تزال بعض الملفات محصّنة ضد المعرفة؟ إن استمرار هذا الغموض لا يسيء فقط إلى ذاكرة الشهداء، بل يُضعف الثقة في مسار العدالة الانتقالية نفسه.
الوفاء الحقيقي لعمر بنجلون لا يكون بإحياء الذكرى، بل بإحياء الحقيقة. بفتح الأرشيف، وبكشف كل المسؤوليات، وبالاعتراف الصريح بأن الاغتيال كان جريمة سياسية هدفت إلى كسر مسار ديمقراطي ناشئ. فالديمقراطية لا تُبنى فوق النسيان، ولا تستقيم دون مواجهة شجاعة مع الماضي.
قد يُغتال الإنسان، لكن الفكرة لا تُغتال. وبعد خمسين سنة، ما تزال فكرة عمر بنجلون حيّة، تُذكّرنا بأن الحرية ثمنها غالٍ، وأن الحقيقة، مهما طال الزمن، لا تموت



