قصة محسن مع الحوت المشؤوم كما يرويها ابن عمته
اقرأوا الرسالة لن تندموا..
ابن خال محسن فكري يكتب: قصة محسن تجيب على سؤال الملك.
هذا المقال مشروع جواب على سؤال الملك محمد السادس خلال افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة بالرباط: أين الخلل؟
توطئة:
أولا، باسمي و باسم عائلة محسن فكري لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل اخوتنا في ربوع الوطن العزيز وفي أرجاء العالم عن تضامنهم الإنساني اللامتناهي واللامشروط مع محسن فكري الإنسان والمواطن والبحار والتاجر والناخب، والذي يثبت مرة أخرى أن ما يجمعنا كإخوة متأصل في حمضنا النووي جميعا وليس مجرد اختيار لسبل تضامن مصطنع.
هذا المقال ليس رسالة مفتوحة ولا مغلقة، وليس تأسيسا لنظرية مؤامرة، وليس مؤامرة من الماسونية العالمية أو الصهيونية المتوحشة أو الجزائر أو البوليساريو أو الخمير الحمر أو الدالاي لاما، هو رسالة وفقط، إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس ملك كل المغاربة، وملك المغربين النافع وغير النافع، وإلى “مواطني” المملكة المغربية وجميع الضمائر الحية والغيورة على هذا الوطن والتي سئمت من الأوضاع التي نعيشها كيفما كانت تجلياتها وتمثلاتها ومسمياتها، والتي لا تريد بهذا الوطن إلا خيرا، ومتيقظة لحمايته كلما دعا الأمر إلى ذلك، وتنتقد سقطاته وهفوات سياساته كلما أخطأ الوثبة كل مرة، ليس تشفيا فيه بل غيرة عليه وعلى أبناءه ومستقبله، ولأننا نرفض بعد الآن أن نطحن ببرود وفي صمت، لا نريد أن نكون مصطفين في طابور طويل ننتظر دورنا على أعتاب المطحنة الكبرى التي وقودها التهميش والإقصاء والحكرة والتسلط والإبتزاز وزر تشغيلها في يد كل فرد هضم حقه في هذه الرقعة من العالم.
ثم لأننا بدون جلد أنفسنا ونقدنا الموضوعي والواعي لذاتنا الجماعية ولثقافتنا ولمجتمعنا ولمؤسساتنا ولسياساتنا، لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نتقدم خطوة إلى الأمام قيد أنملة، وستظل مصطلحات كالأوراش الكبرى والتنمية المستدامة والعدالة الإجتماعية والعيش الكريم ومحاربة الهشاشة وغيرها مجرد كلمات في الهواء لا تمس واقع المواطن المقهور فعليا، تهدئ آلامه لكن لا تنتج له علاجا مما هو فيه، إنها مجرد كلمات معزوفة على مقام الأمل، مجرد شحن يائس على طريقة سيزيف لوطن أشبه بكيس مثقوب على الدوام ومنذ ستين سنة تتسع ثقوبه، لا ندري حجمه ولا من ثقبه ولا من يحمله أو من سيدفع ثمن ما يتساقط منه.
من خلال ما يلي سأتجاوز كل ما قيل من أخبار وتحليلات وتعليقات ومواقف وبيانات وتنديدات واتهامات وتخوينات، فالقضية قضية مواطن مغربي، هو قبل كل شيء إنسان بالمفهوم الرحب للكلمة، لذا فكلامي الموجه إلى القراء اليوم عن المشمول برحمة الله محسن فكري، كلام عن الإنسان ومن الإنسان ولأجل الإنسان كما عرفته وعايشت تجاربه الناجحة والفاشلة بتفاصيلها المرحة والحزينة. والأكيد أن في قصة حياته سيجد الجميع الجواب الشافي الكافي على سؤال الملك وسؤال المغاربة قاطبة، أين الخلل؟
قصة مطحون مع وقف التنفيذ.
محسن فكري من مواليد مدينة امزورن يوم 21 شتنبر 1985، كان ذلك بعد ولادتي بثلاثة أيام بالضبط، أعزب، ترعرع وسط عائلة ريفية بسيطة ومحافظة، أمه خديجة كبرى عماتي، سيدة أمية لم تقرأ حرفا يوما حتى وإن حاولت بإصرار محو أميتها، زوجها الأستاذ علي فكري رجل تعليم بسيط من الجيل القديم للمعلمين، رجل فاضل هادئ محافظ يحضى باحترام الجميع دون استثناء، له من الأولاد عشرة اثنان منهم يتابعون علاجا مستمرا بسبب اضطرابات نفسية وعقلية خلفياتها اجتماعية بالأساس تكمن في الحرمان والقهر وانسداد الآفاق والتفكير في الحريك، محسن سادس أخوته وأكثرهم حماسا وأملا ومرحا.
المستوى الدراسي لمحسن فكري لا يتجاوز التاسع اعدادي، انقطع عن الدراسة مبكرا رغم ذكائه وحماسه الزائد ورفض والده، ولهذا الإنقطاع عدة أسباب لا يتسع المقام لشرحها، أولها بطالة اثنين من اخوته، الأول مجاز في الكيمياء، والثاني مجاز في الفيزياء، عمل والدهما المستحيل من أجل أن يتابعا دراستهما بجامعة محمد الأول بوجدة، حتى وإن تطلب ذلك أن يكون في بعض الأحيان مقترا في ما يخص أبنائه الآخرين.
اشتغل محسن في مجال بيع التوابل كمساعد للتجار في الأسواق، ثم كبائع للأواني البلاستيكية بمسقط رأسه، ثم اختار أن يتابع دراسته في معهد تكنولوجيا الصيد البحري بالحسيمة، لكن بعد مدينة امزورن عن الحسيمة بثمانية عشر كيلومتر، جعلته يقرر أن ينتقل إلى مدينة الحسيمة ويقطن بمنزل جده لأمه بصفة نهائية، مما خوله أن يتقاسم معي غرفتي لمدة تجاوزت السبع سنوات، ويكون أخا وصديقا بالاضافة إلى كونه ابن عمة لي بالأساس.
حصل على شهادته من معهد الصيد البحري وقرر أن يلج ميناء الحسيمة كبحار حديث التخرج، واشتغل بالميناء الرئيسي لمدة لم تتجاوز السنة على الأكثر، لكنه انقطع عن العمل كبحار، بسبب الظروف القاسية والمزرية التي كان يشتغل فيها البحارة، ولكونه أصيب بمرض البواسير الذي كان يجعله يصرخ بقوة وهو يقضي حاجته في الحمام الذي كان في ركن الغرفة التي تقاسمناها معا.
انقطاعه عن العمل وقساوة ظروفه الأسرية التي يعيلها الأب المتقاعد البسيط ذو العشرة أبناء بتقاعد هزيل، جعله يفكر في اقتراض مبلغ من المال قدره 17 مليون سنتيم من عائلته الكبيرة، لشراء سيارة مرسيديس 310 لنقل البضائع وبالأخص نقل السمك بحكم خبرته المهنية، فاشتغل في مجال نقل السمك، والخضار، والحلويات، والأكباش، والأشخاص، ربما نقل كل شيء إلا المخدرات والقنابل العنقودية، لكن المرحوم اصطدم بمعيقات كثيرة، يصطدم بها جميع شرفاء الوطن الذين يسعون وراء لقمة العيش، هذه المعيقات عايشت بعضها شخصيا بحكم مرافقتي للفقيد خلال أسفار كثيرة إلى مدن مجاورة لتوزيع السمك مثل كتامة وتازة وتاونات والمضيق… إلخ..
قانوني ولا ماشي قانوني… فيها فيها.
سواء نقلت سمكا بطريقة قانونية أو غير قانونية، أو كانت هناك راحة بيولوجية أو جيولوجية، أو نقلت رؤوسا نووية، أو مصاحف شريفة، أو نسخا للدستور المغربي، ستجد عشرات من رجال السلطة بانتظارك على طول طرقات المملكة، سواء كانوا دركيين أو شرطة أو حتى قوات مساعدة في بعض الأحيان (حالة مخازني في سوق سبت متيوة نواحي تاونات أصر على إعطائه عشرة دراهم ليسمح لنا بولوج السوق، وعندما اعترضت عليه شخصيا بدعوى أن الرسم غير قانوني وطالبته بتوصيل يثبت دفعي للمبلغ المطلوب سمح لنا بالدخول مجانا ونحن شاكرين) وهي قصة تتكرر حد الملل وفي كل الطرقات وفي جل مداخل المدن، مع احترامنا الشديد لرجال الأمن الشرفاء وأصحاب الأيادي النظيفة والضمائر الحية النبيلة وهم عملة نادرة تستحق التقدير.
هاكم سيناريو القصة المملة في أغلب صوره السخيفة:
– السلام عليكم.
– عليكم السلام أ الشاف.
– لوريقات ديال السيارة الله يخليك.
– هاهما.
– هممم، نزل فتح ليا الباب الخلفي نشوف شنو هاز هنا.
– وغير السردين أ الشاف.
تنتهي هذه المحادثات الإعتيادية بإحدى الأجوبة التالية عموما:
– إما هاك وريقاتك سير الله يهنيك.
– إما السردين ديال الحسيمة هذا، إيوة إذن غاتعشينا.
– إما هاد البرد ما خصو إلا شي كأس ديال القهوة يكون سخون.
ولا زلت أتذكر يوما ونحن في طريقنا إلى كتامة لتوزيع السمك في سوقها الأسبوعي جوابا طريفا من أحد ممثلي السلطة بقوله: “وا سي محسن، قهرتينا بالسردين، واش كاين غير السردين في الحسيمة؟”
ماذا بعد؟ إن ذهنت السير وسيسير، وإن فعلت فطوبى لك, فقد أجدت فوجدت، ستختصر الكثير من الوقت والجهد، وإن رفضت أو تظاهرت بأن السمك ليس في ملكيتك وأنك مجرد ناقل ونتا براسك والله ما معشي، وأنك لا تملك حتى ثمن سندويتش تسد به رمقك، فستسمع أحد الأجوبة الرائعة التالية، جلها أو كلها:
– إما سير الله يهنيك في حالات نادرة.
– إما ماعندكش ثلاجة وظروف نقل السمك غير صحية.
– إما الروايض تمحاو وخصك تبدلهوم.
– إما واحد السينيال عندك خاسر سير صلحو دابا.
– إما جيتيني ولد الناس واتقيت فيك الله، يالله أرى غير شي عشرة دراهم وسير فحالك.
هذا واقع محسن اليومي الممل والمتعب والمستفز، وضع قرر معه الإستغناء عن شاحنته الصغيرة (من بين دوافع كثيرة) لأخيه الأكبر للعمل فيها، ولجأ إلى استدانة مبلغ آخر هو 6 ملايين سنتيم لشراء سيارة يتخذها تاكسي صغير بمدينة الحسيمة، لكن الأخ الأكبر لن ينقل سمكا هذه المرة، بل حلوى الميلفاي والمادلين من صنع مصنع محلي هو الوحيد في المدينة، يشغل سائقين بعمولات لتوزيع منتوجات المصنع، وسيقع الأخ الأكبر بدوره ضحية نفس السيناريوهات على محور الحسيمة وجدة, وهذه المرة بسلبه بعض قطع الميلفاي تطورت لتصبح علبا للميلفاي سواء ارتكبت مخالفة أو لم ترتكب، فوجبات السردين التي تحصلوا عليها من طرف محسن مرغما وعلى مضض فيما سبق يلزمها الحلوى بالقشدة هذه المرة لتكون وجبات فاخرة على الطريقة الفندقية، كل هذه التحرشات السلطوية جعلته يكره توزيع الحلويات لأن صاحب المصنع ليس مطالبا بتفهم الوضع بالتأكيد ولأن السائق من يتحمل مسؤولية ما يؤكل تحت ناظريه، ولأن هامش الربح أصغر من هامش الصبر على الإستفزازات، كل هذا الاحتقار اليومي لهذا المواطن المغربي والحديث هنا عن الأخ الأكبر لمحسن طبعا، جعله يفكر في الإقتراض هو الآخر لفتح محل صغير لبيع المواد الغذائية أسفل منزل والديه بمدينة امزورن.
وكانت العودة إلى عالم المطاحن..
جمع محسن قدرا آخر من المال، وعوض أن يستعمله في رد ديونه المتراكمة بشكل مهول، قرر تكليف صديق مقرب، مؤهل لقيادة التاكسي الصغير، وفكر في أن يتاجر في السمك وينقله في نفس الوقت، يعني بدل أن يشتغل لحساب تجار السمك كمجرد موزع أو ناقل سيصبح هو “مول الحوت”، فاشترى ما يعادل 3 ملايين سنتيم من السمك موزعة بين الكروفيت والكلامار والشطون والميرنة، ليتفق مع أحد التجار في مدينة فاس ممن سبق أن تعامل معهم ليشتري منه هذه الكمية المهمة من السمك.
لكن لوبيات الفساد وكل أخطبوطات تجارة السمك بالحسيمة علموا بالأمر، لأنهم لا يريدون لعبيد الأمس أن يتحولوا إلى سادة اليوم، وبكل نذالة وخسة، قاموا بالإتصال بكل التجار خارج المدينة وحثهم على عدم شراء أي كمية من أسماك محسن.
وصل محسن إلى فاس واتصل بالتاجر الذي اتفق معه أول وهلة ولم يجبه رغم محاولاته المتكررة طوال اليوم، فقرر العودة إلى تازة لتبوء محاولته بالفشل في تسويق سلعته، ثم عاد إلى فاس، ثم مكناس، حتى بلغ المهدية بمدينة القنيطرة دون جدوى، وخلال كل جولاته هذه كان لا يتوانى عن التخلص من سمكه تدريجيا بسبب نضوب كميات الثلج التي كانت بحوزته، حتى ألقى بمجموع الكمية مأسوفا عليها وقد خسر 3 ملايين سنتيم من عرق جبينه وبكل حرقة.
عاد محسن إلى مدينة الحسيمة كسيرا مهزوما يتجرع مرارة الفشل، وقرر أن يعود إلى التاكسي الصغير مرة أخرى وانتظار فرصة اخرى، فركن شاحنته الصغيرة لمدة تزيد عن الشهرين أو أكثر في أحد أزقة الحي حتى علاها الغبار.
اشتغل مرة أخرى بالتاكسي ليل نهار، وكان يعمل دون توقف من الصباح الباكر إلى آخر الليل ولا ينام إلا النزر اليسير، وجمع مبلغ مليوني سنتيم مرة أخرى، وقرر خوض التجربة مرة أخرى، واشترى أسماكا أخرى لحسابه من نفس العينة، وقصد مدينة أخرى لم أعد أذكرها بالضبط للأمانة، ولاقى نفس مصير الشحنة الأولى، لكنه هذه المرة لم يلقي بالكمية كلها بل استطاع بيعها بالتقسيط وبنفسه وقد صاحبه أحد أصدقاءه المقربين للتمكن من بيع السمك بسرعة قبل أن يفقد طراوته، فكان كل ما خسره آنذاك كان ألفي درهم تقريبا وقد عاد فرحا إلى المنزل وكله مرح وكأنه انتصر على الحصار، فقال لي بالحرف: لا أحد يستطيع تحطيمي، وسأنجح رغم أنف جميع لصوص الميناء.
بعد ذلك، مر وقت طويل جدا لم تصلني أخبار عن محسن إلا نادرا بحكم انهماكي في حياتي العملية والشخصية وانتقالي إلى مدينة أخرى، حتى فوجئت وقد اتصل بي يوما من أيام ربيع 2015 على الساعة الثالثة صباحا، ليخبرني بتشنج أن الدرك الملكي أوقفوا شاحنته بسبب نقله غير القانوني لسمك التونة التي لا يسمح باصطيادها إلا في شهر يوليوز حصريا، وهم يهددونه الآن بالحجز على سلعته والشاحنة في آن واحد، وطلب مني أن أفعل شيئا لإنقاذ مستقبله الذي يتحدد في 23 مليون سنتيم باحتساب قيمة الشاحنة الصغيرة وثمن السمك، لكنني في تلك الأثناء كنت عاجزا تماما ومنفعلا وقد عاملته بفظاظة وغضب، وطلب مني أن اتصل بأحد أفراد عائلتي النافذين لكنني لم أفعل، بل بعثت برسالة نصية إلى خال لي استشيره في الأمر لكنني لم أتلقى جوابا من هذا الأخير.
ثم إن المضحك المبكي هو أنه تم ايقاف محسن على الساعة الثالثة صباحا، وسيتم الإفراج عنه على الساعة السادسة مساءا، يعني بعد خمسة عشر ساعة من الإنتظار في سرية الدرك الملكي، فكيف حصل الإفراج؟
المسألة أسهل مما تتصورون، مسؤول بالجهاز المذكور طالبه بمبلغ 5000 درهم لإيجاد حل له، ولكونه لا يتوفر على المبلغ، اتصل بي وطلب مني أن أقرضه، لكنني لم أستطع تدبر هذا المبلغ صراحة، ليعاود الإتصال بي ويقول أن أحد أصدقاءه تمكن من اقراضه هذه المرة، وقد منح للمسؤول الأمني 5000 درهم، والمسؤول طلب منه أن يأخذ مفاتيح السيارة والأوراق وينسحب بهدوء ويذهب لتشغيل محرك سيارته دون إثارة إنتباه زملائه.
سيتصل بي محسن بعد أسبوع تقريبا ليعتذر مني على ما بدر منه من ازعاجه لي في تلك الليلة المجنونة وليقول إنه علم من عاملين بمجال الصيد في ميناء الحسيمة أن توقيفه كان بسبب وشاية بارون “سمك تونة” له صولات وجولات بالمرسى وذو علاقات واسعة، رأى في محسن خطرا داهما يتهدد أسواقه وعملائه وزبائنه فقرر تحطيمه بهذه الوشاية، لكن مبلغ 5000 درهم أقوى من الحيتان البرية الكبرى في بعض الأحيان.
ستتحسن حياة محسن بعد ذلك، بعد لقاءه بأحد تجار السمك بالشمال المغربي من الذين يوردون السمك الفاخر لأغلب مطاعم وفنادق الشمال المصنفة، خصوصا أن أسماك الحسيمة ذات جودة عالية ومواصفات عالمية، وسمعتها تملأ الأفاق. وسيبدأ محسن بالإضافة إلى مساعدة والديه وإخوته بالتفكير في تكوين أسرة كما أسر لي منذ مدة، فقد عرف كيف يغزو أسواقا خاصة لا تصلها مكالمات لوبيات الفساد البحري وبدأت تظهر له معالم مستقبل مشرق.
أشهر قبل الكارثة…
لم يعد محسن قابلا للتحطيم، فقد تغيرت أحواله نحو الأفضل، لكنه ربما أصبح قابلا للطحن هذه المرة، وفي اليوم المشؤوم الذي خسرنا فيه أخا وصديقا عزيزا كمحسن فكري، تدخل مندوب الصيد البحري باتخاذه مبادرة الإتصال بالشرطة في تجاوز لاختصاصاته وهو الذي يكرهه جميع بحارة الحسيمة لتجبره وغطرسته وتسلطه وخدمته للوبيات المرسى وأصحاب السفن الكبرى على حساب البحارة البسطاء، تدخل وأمر باتلاف أسماك أبو سيف التي تساوي قيمتها الإجمالية 6 ملايين سنتيم، في خرق واضح ومفضوح وإجمالي وتعسفي لمقتضيات القانون رقم 14.08 المنظم لمجال تجارة السمك بالجملة والذي يجيزه تعريض المخالف لمسطرة التغريم و اتخاذ قرار الصلح باسم الدولة عبر أداء المخالف لغرامة جزافية صلحية (المادة 27).
لم يتمكن لا مندوب الصيد البحري، ولا المشرف عن المكتب الوطني للصيد، ولا رجال البحرية الملكية، من ملاحظة كميات السمك غير القانونية على ظهر المراكب التي في ملكية اللوبيات إياهم كل يوم، وكل حين، ومنذ عقود، ولا في نقط تفريغ الأسماك العامة والعلنية، ولم يعرفوا أن التجار الكبار يشترون هذا السمك الممنوع صيده خارج فترات صيده القانونية لبيعه للتجار الصغار المغلوبين على أمرهم، ولم يروا أن الحمالة كانوا بصدد ملئ شاحنة محسن فكري، لم يروا شيئا من هذا وذاك غير أن محسن بصدد التوجه بالسمك خارج المدينة فيتم توقيفه على بعد ثمان مئة متر تقريبا من باب الميناء…
ربما أخطأ المرحوم من الناحية القانونية، لكن لماذا تهضم حقوقه هو وفقط، لماذا لا يحاسب صاحب المركب وتاجر الجملة وكل المتواطئين؟ ببساطة لأنه أضعف حلقة في هذه السلسلة السوداء، يبيعون القرد ويطحنون من اشتراه.
قصة حياة محسن فكري، تجسد صورة صغيرة من المعاناة شبه اليومية لكل المطحونين، والمقهورين والمسحوقين والفراشة وبائعي السجائر وبائعي الليمون وبائعي الحلزون وبائعي الفشار وبائعي الجوارب وملمعي الأحذية والمتسولين وبائعات الورد على الأرصفة والكلينيكس وبنات “أبي مريط” وبائعات الهوى والبزناسة، ابتزاز يومي من كل من يملك ذرة سلطة لكل من يملك ذرة هواء يتنفس من خلالها قوته اليومي لكي لا يموت.
أتمنى أن يكون جواب محسن فكري على سؤال الملك محمد السادس لا يحتمل التوضيح أكثر، والملك بحرصه المعهود وذكائه المتقد ومعه كل شرفاء هذا الوطن وتخبه ومثقفيه لا يمكن أن يلتبس عليهم الأمر، أو تكون قصة حياة محسن فكري بهذا التعقيد، لأن سؤال الملك واضح، والجواب أوضح، فمن خلال ذكرى محسن فكري وفي سبيل كل دمعة أريقت على جبين كل مقهور في كل فج عميق أحس بالحكرة والإقصاء، وفي سبيل كل من بكى بقلب نقي في كل المدن المغربية حتى وإن لم يعرف محسن يوما، لنساهم جميعا في صياغة جواب أوحد معا لسؤال الملك، ربما دون الحاجة إلى إعادة البلاد إلى الوراء سنوات أخرى أكثر مما نحن متأخرين وجعلها لقمة سائغة في فم المتربصين وهم كثر ولا ننكر ذلك، وإنما لوضع الوطن في سكته التاريخية الصحيحة، فمما لا شك فيه أن ثورة ملك وشعب ثانية في الطريق آتية، ضد كل اللصوص والزبانية. ضد الحيتان البرية الضخمة التي لا تعيش أي راحة بيولوجية منذ ما يزيد عن ستين سنة، فهي هنا جاثمة على قلوبنا تلتهم كل شيء وفقط وتتكاثر بسرعة جنونية دون أن تنام أو تمرض أو تشيخ. فهل حان الوقت لثورة ملك وشعب ثانية يا صاحب الجلالة؟
ــــــــــــ
علاء الدين الشمس / فاعل مدني / ابن خال المشمول برحمة الله وعفوه محسن فكري.