مقالات و آراء

مقال للباحث رضوان سند في قضية الهجرة الدولية

يرتــبط تــاريخ المجتمعــات البــشرية بالتــدفقات الهجريــة عبر الفتوحات وتكوين الدول والاستعمار, وقد أحدث كـل هـذا عـلى مر العصور مدارات وشبكات هجراتية تطورت على إيقاع التحولات الظرفية. وقد تمخـض كل هذا عن “عولمة الهجرات”, وازدياد عددالـدول الموفـدة والمـستقبلة ودول العبورليصل عددالمهاجرين في العالم حاليا ما يناهز 214 مليون شـخص;
و معناه، تلاثة في المائة من سكان العالم، وتشكل البلدان العربية مجالا خصبا للحركات الهجراتية.
وبسبب الأهمية التـي عرفتهـا هـذه الظـاهرة خـلال العقـود الأخـيرة والتوقعات المستقبلية, يمكن القول إن الهجرة والماء يشكلان أهم التحـديات
التي ستواجهها الإنسانية خلال القـرن الواحـد والعـشرين, مـع مـا لهـذين
الموضوعين من ارتباط في إطارما أصبح يـسمى بـالهجرة البيئيـة, إضـافة إلى كون البعض يعرف الثورة الحالية للرأسمالية بثورة الحركية البـشرية. في هـذه الظروف, أصبحت الهجرة ً موضوعا يحظى باهتمام سياسي بالغ, ويكاد يكون يوميًا محط تعليق لوسائل الإعلام الدوليـة تتنـاول جميـع حيثياتهـا الـسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذاكله حفزالأمم المتحدة بـدورها إلى الاهتمام بهذا الموضوع, وقامت في اجتماعها خـلال الـدورة 61 لـسنة 2006 ، باعتماد قراريدعو إلى عقد منتدى دولي سنوي
يعالج قضايا الهجرة الدولية.
و لما كانت الهجرة الدولية تهم جميع القارات و البلدان فإن المغرب العربي يعد محطة مهمة للقيام بالهجرة غير الشرعية التي تعد نتيجة عكسية لتقييد الهجرة القانونية أو منعها او جعلها عملية صعبة من حيث
اجراءاتها و تكاليفها، مما جعل المملكة المغربية في شخصها الهمام يشرف على مبادرات الاحتواء الهجراتي بالاسلوب الإنساني لا الأمني و العسكري .
لهذا أود ان أناقش هاته النقطة من زاويتين اثنتين : و هما:

• زاوية عوامل الهجرة و محفزاتها
• زاوية تدخلات جلالة الملك الانسانية للتعامل الايجابي مع المهاجرين الغير القانونيين.

• أولا: زاوية أهم عوامل الهجرة الدولية الشرعية و غير الشرعية و محفزاتها

يظل الحوض المتوسطي محفزا مهما لكونه قبلة لتـدفقات هجريـة مـن إفريقيـا جنـوب الصحراء تسعى إلى العبورمن شمال القارة, وبخاصة من المغـرب إلى المجـال الأوربي، باعتبار المغرب العربي ًمجالا و منتعشا للعبور، إذ دأب الشباب الإفريقي من جنوب الـصحراء ومـن الجنـسين عـلى اجتياح الصحراء بشتى الوسائل بهدف الوصول إلى دول شمال القـارة آملـين أن ينتهي بهم المطاف في إحدى دول الاتحادالأوربي.
وقد أصبح توافر هؤلاء الشباب لافتـا للنظـر في المغـرب. لكـن ً نظـرا لطبيعة هذه الهجرة، فإنه يصعب تقويم حجمها. واما المعطيات المتـوافرة المعززة في هذا الباب فتتعلـق بالإحصاءات الأمنية المتعلقة بتوقيف المهـاجرين الـسريين
و التي يمكن أن تعطينا فكرة عن حجم التدفقات.
ومن جملة ما يلاحظ هو الانخفاض للتوقيف خاصة بعد سنوات 2003، و الذي لا يتسنى لنا شرحه إلا بتكثيـف
المراقبة على الحدود المغربية, وبتفكيك السلطات المغربية 381 شبكة لتهريـب المهاجرين عام 2006 وأكثرمن 417 شبكة عام 2007 في عمليات قامـت بهـا الأجهزة الأمنية داخل المغرب. هذا الانخفاض واكبه تحويل طـرق التهريـب
إلى دول أخرى جنوبي المغرب مثل موريتانيا والسنغال.
وفيما يخص أصل هـؤلاء المهـاجرين: فحـسب البحـث الميـداني الـذي قامت به الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حـول الهجـرة في سـت مـدن مغربية، فإن الدول العشر الأولى المـصدرة للهجـرة في اتجـاه المغرب هي: نيجيريا ومالي والـسنغال وسـاحل العـاج وغينيـا والكـاميرون والكونغو الديمقراطية وغينيا وجمهورية الكونغو وغانا.
وهي كلها دول مـن غرب إفريقيا, على أن هناك وجهات أخرى، تهـم دول وسـط وشرق إفريقيـا : مثل ليبيا ومصر.
و نضيف الى ان العوامل كثيرة وراء الهجرة بحيث الى جانب ماذكرنا فهناك عوامل حافزية او المحفزة و نذكر أهمها أساسا في ثلاثة عوامل:
• صورة النجاح الاجتماعي الـذي يظهـره المهـاجر عنـد عودتـه إلى بلـده لقضاء العطلة, حيث يتفـانى في إبـراز مظـاهر الغنـى: سـيارة, هـدايا, استثمار في العقار…الخ. وكلهامظاهرتغذيها وسائل الإعلامالمرئية.
• آثار الإعلام المرئي: فالثورة الإعلامية التي يعرفها العالم جعلت السكان حتى الفقراء منهم يستطيعون اقتناء الهوائيات التي تمكـنهم مـن العـيش عبر مئات القنوات في عالم سحري يزرع فيهم الرغبة في الهجـرة, إضـافة إلى التواصل بوساطة الإنترنت التي قربت المسافات ومكنت من تعارف البشر عن بعد.
• القرب الجغرافي: فالمغرب مثلا و العالم العربي له ارتباط شديد تقريبا مع حـدود التراب الأوربي .
ويمكن القول أن أوربا لها حدود ًشرقا مع تركيا, ً وغربا لا تبعد عن الـشاطئ المغـربي إلا 14 كيلومتر , والشاطئ الإسباني تمكن رؤيته في جو صحو من الـشاطئ المغربي الممتد من طنجة إلى سبتة المحتلة. ولكن حتى عامل البعـد أو القرب ليبقى بحق معيارا لكون القرب يسهم في تخفيض كلفة التنقل ، إضافة إلى هذه العوامل الاقتـصادية والحـافزة, هنـاك عوامـل أخرى مصدرها دول الاستقبال.
و رغم كل هذا و ذاك فإن حلم الهجرة الذي هو نتاج الممنوع, يعتبر عاملا حافزيا باعتبار الهجرة الغير الشرعية مثلا التي تقع من البلدان بما فيها البلد المغربي نحو اروبا تعد رد فعل أمام غلق الأبواب أمـام الهجرة الشرعية.
إن السياسة التي تبنتهـا الولايـات المتحـدة وأوربـا في هـذا المجال كانت لها آثار عكسية, حيث أججت من وتيرة الهجرة السرية وجعلت كلفتها باهظة بالنسبة للمرشح للهجرة.
وهكذا أصبحت الهجرة ً مشروعا ً مكلفا ً واستثمارا يقتضي تعبئة مـصادرللتمويل من أجل تحقيقه:ديون, بيـع الأرض والقطيـع, رهـن… وهـذا مـا يشرح كيف أن المهاجرالسري عندما يصل إلى دولة الاستقبال لا يفكـر ً بتاتـاً في جميع الأحوال في الرجوع, ويقبل أي عمل مهما كان مذلا ولا يقبل أن يرجع خاوي الوفاض.
وتجدرالإشارة هنا إلى وجود طلب على عمل نوعي في دول الاسـتقبال يستجيب بسبب كلفته ومرونته إلى حاجـات سـوق العمـل الموازيـة, والتـي تتميزبأشغال مضنية ً غالباما تكون مؤقتة ومنبـوذة ً اجتماعيـا. وهـذا الطلـب يصدر ً أساسا عن قطاعات كالفلاحة والبناء والخـدمات. ويـوفرالمهـاجرون
كذلك ما يحتاجه القطاع غير المهيكل من يد عاملة حيث يمثل هذا القطاع مـا بين 20 و25 %من الناتج المحلي الإجمـالي في دول القـوس اللاتينيـة. وتحـصل هذه القطاعات على امتيازات مالية واجتماعية بتوظيف هذه اليد العاملة التـي
تتميزبكونها طيعة وغير مكلفة.
وقد أدت جدلية الرفض القانوني والطلب الاقتـصادي إلى إنعـاش مـا تمكن تسميته “تجارة الأوهام”. وقد تكونت شبكات منظمة في مختلف مناطق مرورالمهاجرين السريين في العالم لتقدم خدماتها إلى هؤلاء. وقد يدفع المرشح للهجرة السرية ما بين 600 و6000 دولار في مضيق جبل طارق. وتفوق هذه
الكلفة بكثير هـذه القيمـة بالنـسبة للـشبكات العاملـة بـين آسـيا وأوربـا أو الولايات المتحدة.
والخلاصة أن محددات الهجرة كثيرة ومتباينة, وأن الإجراءات القانونية لدول الاستقبال لا يمكن أن تكون فاعلة إلا إذا واكبتها إجـراءات مـصاحبة للتأثير في هذه العوامل في إطارمقاربة شاملة تجمع بين الأمني و الحقوقي في بعدها الإنساني العام .
تانيا : زاوية تدخلات جلالة الملك الانسانية للتعامل الايجابي مع المهاجرين الغير القانونيين.
معلوم أن الهجرة السرية أو غير القانونيـة أو غـير الـشرعية أو غـير النظاميـة ظاهرة عالمية, سواء في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوربي أو في الدول النامية: في آسيا كدول الخليج العربية ودول المشرق العـربي.
أمريكــا اللاتينيــة حيــث أصــبحت بعــضالــدول كــالأرجنتين وفنــزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة, وفي إفريقيـا حيـث الحدودالموروثة عن الاستعمار لا تشكل ً بتاتا بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز
عازلـة, وبخاصـة في بعـضالـدول مثـل سـاحل العـاج وإفريقيـا الجنوبيـة ونيجيريا, ولكن هـذه الظـاهرة اكتـست أهميـة بالغـة في الحـدودالمكـسيكية ا مـن طـرف وسـائل
الأمريكية والحوض المتوسطي, واسترعت اهتمامًاكبـيرً
لدى الإعلام.
والجديربالذكرأن هذا النوع من الهجرة ليس حديث العهد, فقـد كـان موجودا في أوربا في الستينيات, وكان أصـل هـؤلاء المهـاجرين مـن إسـبانيا والبرتغال والمغرب العـربي. وكـان هنـاك سـيناريو شـبيه بـما يجـري الآن في المضيق, ولكنه بحجم أقل حيث كان يجري في جبـال الـبرانس, فقـد أفـادت
بعض الدراسات أن ً أعدادا من المهاجرين الإسبان والبرتغاليين لقوا حـتفهم في الثلوج وهم يحاولون تخطي هذا الحاجزالطبيعي ً بحثا عـن ظـروف عـيش أفضل.
ويصعب تحديد حجـم الهجـرة الـسرية ً نظـرا لطبيعـة هـذه الظـاهرة, وكذلك لكون وضع المهاجرالسري يشمل ً أصنافامتباينة من المهاجرين مثل :
➢ الأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير قانونيـة إلى دول الاسـتقبال ولا يسوون وضعيتهم.
➢ الأشخاص الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقـة قانونيـة ويمكثـون هناك بعد انقضاءمدة الإقامة القانونية.
➢ الأشخاصالذين يشتغلون بطريقة غير قانونيـة خـلال إقامـة مـسموح بها.
➢ الأشخاص الذين يـشغلون ً منـصبا دون ذاك المنـصوص عليـه في عقـد العمل.
➢ الأفـراد غـير النـشيطين الـذين يـصاحبون الأشـخاص الموجـودين في الوضعيات السابقة.
ولعل هذا ما يشرح كيف أن التقديرات التي تقدمها هذه الجهة أو تلك تظل متضاربة.
ويقرالخبراء الذين وضعوا تقريرالتنمية الإنسانية لسنة 2009 مـن جهـة, 13 أن عددهم يمكن أن يصل إلى ثلث مجموع المهاجرين المحـصى.
تقدرمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية نسبة هؤلاء في البلدان التـي تـدخل ضمن مجالها بنسبة 4 %من الـسكان أي حـوالي 30 %مـن مجمـوع المهـاجرين .
ويظل الحوض المتوسطي قبلة لتـدفقات هجريـة مـن إفريقيـا جنـوب الصحراء تسعى إلى العبورمن شمال القارة, وبخاصة من المغـرب إلى المجـال الأوربي. و لعل هذا او ذاك – لكل ما ذكرنا سابقا- جعل جلالة الملك و مؤسسات الدولة المغربية تسير بنهج اخر جديد للتعامل مها هؤلاء المهاجرين سيما في ظل اتفاقية جنوب جنوب التي سهر عليها جلالة الملك محمد السادس ليتم التأسيس لتفكير ايجابي يحتضن هؤلاء المهاجرين ز يتم التعامل معهم بمقاربة ملكية انسانية و حقوقية أكثر منها أمنية ، و هو ما سنشير اليه في حينه.

1- رؤية نقدية للوضعية القانونية القديمة للمهاجرين غير الشرعيين:
لطالما يقدم القانون المغربي الحماية والضمانات المنصوص عليها في القانون الدولي، سيما في ما يتعلق بحقوق الأطفال واللاجئين والحماية من التعذيب. بيد أن بعض هذه الأحكام القانونية تتعارض مع القانون الدولي نفسه، خاصة بالنسبة لإصدار تصاريح إقامة لاجئين استناداً إلى دخولهم البلد بطريقة مشروعة.
ناهيكم عن أنه لا تطبق الأحكام الحمائية في هذا القانون المتمثلة مثلا لا حصرا في وضع إطار قانوني للإعتقال الإداري، والضمانات أثناء إجراءات الترحيل، وإجراءات الطعن….
ولم توضع أحكام من شأنها أن تسمح بتطبيق أحكام مراقبة الهجرة أكثر كرامة وإنسانية سواء في مراكز الاعتقال ومناطق االنتظار.
وتركز هذه النصوص بشكل عام على مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى خارج البلا وداخلها أكثر مما تركز على حماية حقوق المهاجرين.
وتنص العديد من األحكام على فرض عقوبات مغلظة تستهدف الكثير من مرتكبي الجرائم والعديد من المخالفات باعتبارها أحكام تنطوي على توطيد البعد الأمني للغاية ضد الأجانب من المهاجرين غير الشرعيين.
2- الرؤية الملكية الإنسانية المغربية الجديدة كرهان مستقبلي تنموي للمهاجرين
اذا كان المغرب قاسيا سابقا مع ملف الهجرة و طلبات اللجوء، فإنه مع تزايد أعداد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في المغرب، انتهج السياسة المغربية اسلوبا جديدا خاصا تجاه طالبي اللجوء واللاجئين المعترف بهم و تحسنت صورتها كثيراً في الاونة الأخيرة.
و قبل عدة سنوات لم يكن من الممكن التعامل مع طلبات اللجوء هذه، ولكن في الوقت الراهن بات ذلك ممكناً”. كما أن المغرب، بحسب ليمان، أكثر تقدماً في ملف مكافحة الهجرة مقارنة ببقية دول شمال أفريقيا، على حد تعبير يوليان ليمان من معهد السياسات العامة في برلين.

لكن حتى يتم احتواء وضع المهاجرين غير الشرعيين المتزايد فإنه ينبغي الاخذ بعين الاعتبار أن المشاكل الاجتماعية في المغرب، مثل التعليم والبطالة والهوة بين الغني والفقير، تؤثر على المواطنين واللاجئين على حد سواء، داعياً إلى تغيير جذري للعلاقات فيما هو اقتصادي واجتماعي، وإعادة هيكلة النظم الصحية والتعليم لمواكبة هذه الظاهرة.
هنا نتوقف لحظة فاحصة مشيرين ان جلالة الملك محمد السادس يمتلك رؤية ثاقبة لملف الهجرة، تجمع بين الانساني و الاقتصادي و السياسي و التاريخي، و ان كان مكلفا ماديا في بدايات هذا المنحى الجديد، حسب تقرير عن المغرب سنة2017 ، بعنوان “بعيد عن العين، بعيد عن القلب: اللاجئون والمهاجرون على أطراف أوروبا. التبعات”، الذي صدر عن مكتب منظمة هاينريش بول الألمانية، القريبة من حزب الخضر، تحدث فيه عن فقاعة هجرة داخل مملكتنا المغربية بسبب الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي أقرتها الحكومة، والتي أدت إلى عودة هذا الموضوع إلى دائرة الضوء وارتفاع كبير في المبالغ الممنوحة لمشاريع إدماج اللاجئين والمهاجرين.
علما أن التقرير توصل إلى أنه ثمة هناك تراجعاً لعمل المنظمات الدولية في هذا المجال على حساب تحويل قضية اللجوء والهجرة في المغرب إلى شأن سياسي داخلي لا تعمل فيه إلا المنظمات غير الحكومية المحلية، خاصة في شمال بلاد مملكتنا .
و بالفعل نحن نثمن هذا الاسلوب الجديد في المعاملة الملكية و الحكومية المغربية مع ملف المهاجرين من حيث اعتباره أسلوبا انسانيا متميزا فريدا تميزت به السياسة المغربية، ولكن يعتبر مكلفا ايما تكلفة و قد تكون حصيلته فيما بعد ضعيفة، إن هو ذا المغرب بقي مشتغلا لوحده، مما يستلزم تقديم الدعم و المساعدات من دول المنشأ و دول الانطلاق، لاسيما أن الفائدة لا تعود للمغرب فقط و انما لكل الأطراف المغاربية و العربية و الأوروبية.
وسيظل السؤال قائما حول الحوافز التي يمكن أن تقدمها أوروبا للمغرب من أجل مكافحة الهجرة غير القانونية، فيما لا تزال الآراء متأرجحة بشأن فعالية الحلول في “دول الانطلاق” أم في “دول المنشأ”، هل تنطلق أوروبا لمحاربة أسباب الهجرة: البطالة، الفقر، عدم الاستقرار السياسي والتصحر، أم تلجأ إلى حلول شبه مؤقتة في الدول التي تنطلق منها قوارب المهاجرين، مثل المغرب.
و على كل حال فالملك المغربي حفظه الله لم يتوقف عند الرؤية النظرية الانسانية الجديدة كمقاربة احتوائية متميزة و إنما سوف يبادر الى وضع مخطط العمل و الأجرأة لان الوقت لم يبق كثيرا للمطارحات الفكرية و النظرية.
و بالفعل سوف تتجلى تعليمات جلالته بخصوص المهاجرين سيما الافارقة في ظل اتفاقية جنوب -جنوب أو حتى شمال- جنوب، في أبرز الإجراءات التالية:
• إطلاق المملكة المغربية لعمليتين للتسوية القانونية لوضعية المهاجرين سنة 2014 وأخرى سنة 2017، أسفرت عن :
– تسوية وضعية حوالي 50 ألف حالة.
– مع إيلاء اهتمام خاص بالنساء والأطفال.
– ووضع برنامج لتقوية القدرات للمهاجرين الذين قرروا الإقامة.
– الانطلاقة الفعلية لعملية تسوية الوضعية الإدارية للأجانب المقيمين بشكل غير قانوني بالمغرب، وبعدها تقديم الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء أمام مجلس الحكومة، مع التذكير في كل مناسبة بسياسة المغرب في ملف الهجرة، وإطلاق المرحلة الثانية لعملية تسوية الوضعية الإدارية وإدماج المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني بالمغرب.
– تمديد صلاحية بطاقات الإقامة إلى ثلاث سنوات عوض سنة واحدة، عقب مرور سنة على تسوية الإقامة في المغرب، تنفيذا لتعليمات ملكية سامية، باستثناء حالة ارتكاب المعنيين أفعالا يعاقب عليها القانون،
– وتبسيط مساطر منح وتجديد بطاقات الإقامة إلى أقصى حد.
– و فتح مجال تسجيل أطفال المهاجرين بالمؤسسات التعليمية العمومية والخاصة، والاستفادة من برامج التربية غير النظامية ومن دروس تعليم اللغات والثقافة المغربية.
– ودعم مبادرات العيش المشترك، والتعدد الثقافي على مستوى المؤسسات المدرسية.
– وتيسير ولوج الشباب المهاجرين واللاجئين لمختلف الأنشطة الترفيهية المتوفرة كالرحلات والمخيمات الصيفية والخدمات المقدمة من قبل المراكز الرياضية والبنيات القائمة، ودور الشباب وملاعب القرب.
– وإدماج المهاجرين في البرامج الوطنية للصحة العمومية.
– وإطلاق أوراش لإصلاح الترسانة القانونية المتعلقة بالهجرة، و التي تهم مكافحة الاتجار في البشر واللجوء والهجرة، فضلا عن ما يرتبط بتجريم التحريض على العنف والكراهية والتمييز، في اتساق مع مقتضيات القانون الدولي و حقوق الانسان و الالتزام بالدعامة الدستوية الأصيلة، بما له ارتباط بالهجرة، فضلا عن مسايرة ما يستجيب للسياسة العمومية المغربية الجديدة، و أيضا التكريس لسياسة جنائية معاصرة، متميزة و فعالة مرتقبة.

و في ختام هذا المقال نشير الى مايلي:
إن مكافحة الهجرة تضطرونا الى المزاوجة بين اسلوبين و هما :
• الاسلوب الزجري ضد الزعامات الاجرامية التسهيلية للهجرات غير الشرعية :
و ذلك بالضرب على ايدي المنظمين لعمليات الهجرة غير الشرعية و تخصيص عقوبات مشددة خاصة و ان هذا الامر يكون مسفرا عنه العديد من عمليات الاجرام الاخرى كالاتجار بالبشر و الاعضاء البشرية و الاستغلال الجنسي للاطفال و الاسترقاق للنساء مع منظمات اجرامية أخرى.
• الاسلوب الحقوقي الانساني :
وذلك باعتماد سياسات ناجحة للاندماج وتمتيع المهاجرين بكافة حقوقهم و هو تحدي كبير ، مما يستدعي تعزيز التعاون شمال-جنوب، وأيضا التعاون جنوب-جنوب، أي بين المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان المغربية وبين دول القارة الإفريقية، و ذلك على أساس تضامن فعال وغير مشروط، يقوم على إشراك كافة المتدخلين المعنيين دون إقصاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock