العالم

المواجهات المسلحة بين أرمينيا وأذربيجان وتداعياتها

– روسيف حسينوف*
– الحسين خبيد*

إشتعل وبشكل مفاجئ يوم 12 تموز/ يوليوز من السنة الجارية، النزاع بين أرمينيا وأذربيجان و الذي لا يزال مستمراُ منذ سنوات طويلة إذ أدت العمليات القتالية بإستخدام المدفعية الثقيلة وطائرات بدون طيار إلى وقوع خسائر بشرية بين العسكريين والمدنيين ما أدى إلى دمار البنية التحتية في المناطق الحدودية.
ويرجع الصراع بين كلا الدولتين إلى نشوب نزاع منذ ثلاثين سنة وسبب ذلك شن أرمينيا عدوان على قراباغ الجبلي وعدد من المحافظات حولها التي تعتبر قانونيا الأراضي الأذربيجانية. لقد تحول النزاع الذي نشأ نتيجة الاشتباكات ما بين القوميات في الاتحاد السوفييتي عام 1988، إلى إحدى الحروب الدموية لتسعينات القرن الماضي والتي أسفرت عن مقتل عشرين ألف شخص من كلا الجانبين. وعندما إنتهت المرحلة الرئيسية للحرب عام 1994، كانت القوات المسلحة الأرمنية قد إحتلت عشرين بالمائة من الأراضي الأذربيجانية من ضمنها منطقة (ناغورني قراباغ) ذات الحكم الذاتي وسبع محافظات إدارية حولها حيث شردت منها أكثر من سبعمائة ألف اذربيجاني. وتحول نظام وقف إطلاق النيران الذي يستهدف أصلا إلى وضع حد للحروب إلى شيء غير مستقر وغير ثابت لأن الاوضاع المتعلقة بالنزاع لم تتطابق مع مصطلح (النزاع المتجمد) الذي يستعمل لوصف عدد من المنازعات القومية في ساحة الإتحاد السوفييتي السابق. وأصبحت أيام مطلع نيسان عام 2016، آخر نشوب حدة التوتر في المنطقة عندما تمكنت القوات المسلحة الأذربيجانية من تحرير عدة كيلومتر مربع من حكم القوات العدوانية خلال ما يسمى (بحرب أربعة أيام).
وبكلمة أخرى فإن قاراباغ الجبلي هو مثل (اوسيتيا الجنوبية) بالنسبة لأذربيجان أي الثقب الأسود في قلب أروبا وأسيا الذي خرج من تحت دائرة نفاذ القانون الدولي والذي يمكن إستخدامه للأغراض غير المشروعة والجريمة الدولية.
غير أن المواجهة الحالية اندلعت لا في قاراباغ بل وفي الحدود المباشرة بين أرمينيا وأذربيجان حيث بدأت العمليات القتالية يوم 12 تموز، وتواصلت يومين متتاليين مع انقطاعات قصيرة، ورغم أن تفاصيل العمليات القتالية غير معلومة لحد الآن تذكر التقارير إلى إستخدام الطائرات بدون الطيار والمدفعية الثقيلة مما أسفر عن مقتل عدة أشخاص من الجانب الأذربيجاني من ضمنهم شخص مدني تعرضت قريته على القصف الأرمني.
هناك أكثر من سبب للإستفزازات الأرمنية في الحدود مع أذربيجان أذ أرمينيا هي الدولة التي تضررت من الوباء العالمي لعدوى الفيروس التاجي (COVID19) أكثر من الدول الأخرى في المنطقة حيث بلغ عدد المصابين بعدوى الفيروس التاجي أكير من ثلاثين ألف شخص وعدد المتوفين أكثر من خمسمائة شخص حينما يشكل عدد سكان البلد ثلاثة ملايين نسمة فقط، علاوة على أن إقتصاد أرمينيا الذي كان ضعيفاً جداً لحد ذاته حتى قبل الوباء العالمي لا يزال في الأزمة ويزداد عدد غير المرتاحين من زيادة نسبة البطالة فيها ولذا فإن حكومة البلد حاولت رص صفوف الشعب وصرف إهتمام الناس عن الأزمة الإقتصادية والمشاكل الموجودة عن طريق قيامها بإستفزاز الحادث الحدودي.
ومن أسباب هذه العملية الإستفزازية أن الحزب العسكري في الدوائر الأرمنية الحاكمة تسعى بذلك إلى تعزيز مواقفها وكانت بحاجة ماسة إلى هذا الحادث القاصي والدموي لتبرير التحديات الخارجية.
وكانت الدوائر العسكرية تعتمد على دعم روسيا التي هي حليف عسكري لأرمينيا التي تعتبر عضواً في منظمة معاهدة الأمن الجماعي وهي نوع من الناتو الروسي رغم أنها ما إستطاعت أن تستحصل على دعم ما من قبل روسيا أو هذه المنظمة وبالعكس هناك عضوان مهمان في هذه المنظمة العسكرية هما كازاخستان وبيلوروسيا اللتين تؤيدان عادة موقف أذربيجان.
لا يزال تصعيد حدة التوتر في الحدود الأرمنية الأذربيجانية ومن غير الممكن الآن أن نقول بشكل مضبوط إلى أين تصل الأحداث. والأحداث في تطور وكلا الجانبين في حالة غير معينة جدية ويبدو كأن الضامنين الدوليين التقليديين للأوضاع الحالية لا يعرفون لحد الآن كيف يمكن إطفاء هذا الحريق الحالي في النزاع. لكن الدرس الأساسي الذي علينا أن نتعلمه هو أن مثل هذا النشوب الخطر سوف يستمر إلى أن يسود الموقف السطحي والمحايد الكاذب من تسوية قضية قاراباغ الجبلي. ورغم زيادة الأصوات الحذرة في السنوات الأخيرة من قبل المنظمات الدولية بشأن إعتراف الجانب الأرميني بدولة معتدية فأن الأوهام بخصوص الموقف البناء والقابل للحلول الوسط من قبل الحكومة الأرمنية قوية جدا. ولا بد أن يعترف المجتمع الدولي بحقيقة العدوان الأصولي الذي تشنه أرمينيا على أذربيجان بكل جدية وبالتالي لا تزال التحديات للسلام في المنطقة تبقى إلى أن يتم بذل الجهود الدولية الحقيقية لأجل إسترجاع حقوق أكثر من سبعمائة نازح اذربيجاني والحيلولة دون إدعاءات أرمينيا على الأراضي الأذربيجانية.

*روسيف حسينوف، مدير مركز توبتشوباشوف
* الحسين خبيد، مدير مركز أطلس للدراسات الدبلوماسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock