مجتمع

الندوة الصحفية الدولية للملتقى العالمي للتصوف

مداغ:03/11/2020

أقامت مؤسسة الملتقى ندوة صحفية دولية افتراضية موازاة مع أشغال الدورة الخامسة عشر للملتقى العالمي للتصوف، الذي تنظمه الطريقة القادرية البودشيشية ومشيختها بشراكة مع مؤسسة الملتقى والمركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم تحت شعار “التصوف وتدبير الأزمات: دور البعد الروحي والأخلاقي في الحكامة الناجعة”، وﺫلك في الفترة من 12 الى 19 ربيع الأول 1442 الموافق ل 29 إلى 05 نونبر 2020، وفي إطار الإجراءات الاحترازية من وباء كورونا كوفيد 19، فقد تم تنظيم هذه الندوة عن بعد، يوم السبت 31 أكتوبر الجاري، وبثت على المنصات الرقمية لمؤسسة الملتقى، وشارك فيها إعلاميون وإعلاميات من المغرب ومصر ودول أوروبية، وتولى الإجابة على أسئلة هذه الندوة الدكتور منير القادري، مدير الملتقى العالمي للتصوف، ورئيس مؤسسة الملتقى، إلى جانب ثلة من علماء الطريقة القادرية البودشيشية.

افتتحت الندوة الصحفية التي أدارها الأستاذ يونس الناصري، المسؤول الإعلامي لمؤسسة الملتقى، بآيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها المقرئ المغربي سعيد مسلم، تلتها كلمة لمدير الملتقى الدكتور منير القادري بودشيش، ذكر فيها بأن هذا الشهر (ربيع الأول)، هو شهر الاحتفال بمولد خير البرية، مبينا أن البعثة النبوية جاءت لإتمام مكارم الأخلاق، ورحب نيابة عن شيخ الطريقة القادرية البودشيشية وعن مشيختها وعن مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال وعن سائر المريدين، بالإعلاميين المشاركين في هذه الندوة، وشكرهم على مجهوداتهم من أجل تنوير العقول، منوها بدورهم الفاعل باعتبارهم السلطة الرابعة، كما شكرهم على تغطيتهم لأشغال الملتقى في دورته الخامسة عشر التي تعقد في ظل الظرفية الوبائية التي يرضخ تحتها العالم أجمع.

وبين أن الملتقى العالمي للتصوف الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله، أضحى محطة أكاديمية وازنة نظرا للمكانة العلمية للعلماء الذين يشاركون فيه، والذين يتوزعون على تخصصات متعددة، كالفكر الإسلامي والشأن الصوفي، والفلسفة والعلوم الإنسانية، من مختلف القارات ومختلف الثقافات واللغات والجامعات والمؤسسات الدولية، وأوضح أن الأهمية العلمية للملتقى تكمن في الدور الذي يلعبه من أجل تجويد العمل الصوفي، وإغناء الفكر بالمداخلات البحثية الرصينة لمقاربات منهجية متعددة ومتكاملة من أجل تيسير وتقريب التصوف الذي هو ثابت من ثوابت هويتنا الدينية، الذي هو مقام الإحسان.

وتابع القادري بأن التصوف يمثل البعد الأخلاقي لديننا الحنيف، مبينا أن عالمنا الذي يعرف مجموعة من الأزمات كأزمة الهوية وأزمة الأخلاق وأزمة الفراغ الروحي في حاجة إلى هذا البعد الروحي، وأبرز أهمية التواصل بشتى أنواعه، الشفوي أو الكتابي أو الرقمي، بغية تقاسم هذا الموروث الروحي ومشاركته مع الجميع.

وأضاف أن البعد الروحي أصبح مواكبا للعصر ومتفاعلا مع السياقات المستجدة من أجل تنزيله، مشيرا إلى أن اختيار موضوع هذه الدورة أتى نتيجة للظرفية الراهنة المتمثلة في وباء كورونا، وما ترتب عنه من أزمة صحية عالمية، وأن تنظيم نسخة هذه السنة رقميا عن بعد، كان استجابة لهذا السياق.

بعد ﺫلك تم فتح باب الأسئلة أمام الإعلاميين المشاركين في هذه الندوة، وكان أول سؤال للصحفية شيماء عبد الهادي من جريدة الأهرام المصرية كالتالي:” مع تصاعد النبرة العدائية ضد الإسلام والمسلمين في العالم والتي تترافق مع العمليات الإرهابية التي ينفذها المتطرفون، كيف يمكن للطرق الصوفية:

أولا: المساهمة في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في الغرب.

ثانيا: تصحيح الخلل العقائدي الذي يزرعه المتطرفون والجماعات الإرهابية في الغرب وتحديدا في مخيمات اللاجئين باستخدام منابر المراكز الإسلامية”.

في جوابه على هذا السؤال أشار الدكتور منير القادري إلى أن النبرة العدائية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب هي صادرة عن أقلية لا تعطي للقيم الإنسانية أي اعتبار، بما في ذلك قيم ومبادئ الحداثة التي ترفعها، فهي تحارب كل ما له علاقة بالدين وبالأخلاق، مضيفا أن هذه الأقلية لا تمثل الأغلبية في الغرب الذي يكن في عمومه الاحترام للإسلام، وأوضح أن هده الأقلية تنتمي إلى التيار اليميني المتطرف، وهو تيار شاﺫ يسعى لافتعال الأزمات ويصطاد في الماء العكر، ويحارب الأديان وخصوصا الدين الإسلامي تحت ذريعة محاربة الرجعية والتخلف، وآخر هذه الأزمات التصريحات المتطرفة والرسوم المسيئة لنبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأكد بوضوح أنه لا يمكن القبول بهذه الإساءات، في أي حال من الأحوال، وﺫكر بأن القيم العلمانية مبنية على الأخوة والمساواة والحرية، موضحا أنه لا يمكن لحرية الإنسان أن تمتد إلى غاية انتهاك حرية الآخر في معتقداته وفي حرية تدينه، فمن مبادئ العلمانية في حد ذاتها حرية التدين، ودعا هؤلاء المسيئين والمتطرفين إلى احترام مبادئ العلمانية في هذا الصدد.

وأضاف أنه في المقابل “توجد أقلية من المسلمين تشوه الإسلام، وترتكب أفعالا تخالف المبادئ الإسلامية وذلك راجع إلى سوء فهمها للدين الإسلامي، هكذا نجد فئتين متطرفتين فئة من الغرب وفئة من المسلمين، تجهل حقيقة وعمق الدين لكونهم لم يتلقوا التربية الإسلامية الصحيحة، إنما انجروا وراء شعارات إيديولوجية لا علاقة لها بحقيقة الإسلام وقيمه”، مستدلا بقوله تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، موضحا أن الرسالة المحمدية جاءت رحمة للعالمين كانوا مسلمين أو غير مسلمين متدينين أو غير متدينين.

وأشار إلى أن المتطرفين من المسلمين يجهلون مقاصد الشريعة ويفتقدون إلى التربية الإسلامية الصحيحة، وتابع بأنه لا يمكننا فرض الدين على الناس مستشهدا بقوله تعالى “لا إكراه في الدين” وبقوله جل وعز: “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، والحل حسب القادري، يكمن في إعادة تأهيل هؤلاء المتطرفين على يد العلماء ومشايخ التربية من خلال تربيتهم على الأخلاق والقيم السمحة، لافتا الانتباه إلى ضرورة تظافر جهود الجميع، بداية بالأسرة والمدرسة والمسجد والجامعة، كما أكد الدور الكبير للإعلام في المساهمة في الجهود المبذولة في هذا الباب، كالزوايا والمؤسسات التعليمية والمساجد.

وفي جوابه على نفس السؤال قال الدكتور عبد الرزاق التورابي، أستاذ التعليم العالي بالرباط، أن التصوف ضد التطرف، وذكر بمقولة منسوبة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فيها “ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه “.

وتولى الدكتور رشيد حميمز الإجابة على نفس السؤال باللغة الفرنسية، مشيرا إلى أن بعض الردود على الإساءات القادمة من الغرب يغذيها الجهل، وذكر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم تعرض في حياته للإساءة متسائلا: هل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بقتل المسيئين والمستهزئين به؟ طبعا لا، هل طلب منا القرآن الكريم أن ننتفض أمام الإساءات؟ أكيد لا، وأضاف أن ما نستنتجه من طريقة معاملة القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم للمستهزئين هي الصبر والرحمة وذكر بما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم في الطائف حين ناداه ملك الجبال يوم الطائف: «إن شئتَ أن أُطبقَ عليهم الأخشبَينِ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: بل أرجو أن يخرجَ اللهُ من أصلابهم من يعبد اللهَ وحده لا يشركُ به شيئًا» (البخاري).

وفي جوابه على نفس السؤال أكد الأستاذ ابراهيم بلمقدم أنه لا يستطيع أحد الإساءة الى رسول الله وإنما الإساءة استهدفت مشاعر المسلمين، مبرزا خطأ المسيئين.

وطرح الصحفي باهر القاضي، من جريدة روز اليوسف المصرية السؤال التالي في هذه الندوة: كيف ساهمت الطريقة كونها نسيجا وطنيا في حماية الشعب المغربي وكل مريديها في كل العالم في نشر التوعية بمخاطر كورونا؟

وأكد الدكتور منير القادري في رده على هذا السؤال، أن الطريقة القادرية البودشيشية تسعى لزرع قيم المواطنة الصادقة في مريديها، من خلال الحب والتلاحم بين الراعي والرعية، والمشاركة في خدمة المجتمع من خلال البناء والإنجاز والتفاعل، وتوفير بيئة مبنية على التسامح والمحبة، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة من أجل الحفاظ على سفينة الوطن.

وأضاف أن الطريقة القادرية البودشيشية، قد ساهمت زمن كورونا بشكل كبير في حث مريديها وجميع المغاربة على ضرورة القيام بالواجب الديني والوطني وأن يكونوا على قدر كبير من الالتزام بالمسؤولية، ومراعاة حق الله وحق العباد في وطنهم من أجل تجاوز هذه المحنة بفضل الله.

وتابع أن المريد يساهم من مكان تواجده في تأطير وتوعية المواطنين بمخاطر كورونا، ويحثهم على التعامل بشكل إيجابي مع التدابير الوقائية المتخذة من طرف الدولة، لأن خرقها يتنافى مع المواطنة الصادقة.

وأشار إلى أن الطريقة ينتمي إليها عدد كبير من المريدين داخل المغرب وخارجه من مختلف الشرائح الاجتماعية، وزراء، أطباء، مهندسين، جامعيين، طلبة، فنانين، عمال، حرفيين، وتجار، وتعرف إشعاعا وطنيا وعالميا، وحضورا في الميدان، وانفتاحا على الاخر وتقبله وفق نهج اسلامي معتدل منفتح مبني على التقارب والتسامح والابتعاد عن الكراهية.
وﺫكر بتفاعل الطريقة مع مستجدات العصر، وذلك باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي في التحسيس والتوعية بمخاطر كورونا، توظيف التكنولوجيا الحديثة للاجتماع على الأذكار، إذ ساهم هذا الأسلوب في لم شمل مريدي الطريقة وتوحيدهم في اجتماعات ذكر مصغرة وكبرى زمن الجائحة، لا يحول البعد الجغرافي دون تحقيقها.
وﺫكر بأن الطريقة عقدت في زمن كورونا، العديد من الليالي والندوات والملتقيات المحلية والدولية كليالي الوصال التي بلغت دورتها السادسة والعشرين، وتنظيم مخيم صيفي افتراضي للناشئة لترسيخ القيم الروحية في الجيل الصاعد، وإقامة الجامعة الصيفية التي جمعت بين العلوم الشرعية والعصرية، مضيفا أن بيت كل مريد من مريدي الطريقة القادرية البودشيشية تحول الى زاوية لذكر الله زمن الجائحة، إذ أﺬن شيخ الطريقة الدكتور مولاي جمال الدين القادري بودشيش حفظه الله، في مجموعة من أذكار الحفظ والوظيفة وسلك القرآن الكريم واللطيف، بهدف تقوية الباطن والتضرع للبارئ سبحانه وتعالى أن يرفع عنا هذا الوباء وأن يحفظ أمير المؤمنين ويحفظ المسلمين والبشرية جمعاء.

السؤال الموالي كان للصحفي عمرو رشدي من جريدة الدستور المصرية كالآتي: “التصوف وتدبير الأزمات: دور البعد الروحي والأخلاقي في الحكامة الجيدة”، ما السر في اختياركم لهذا الموضوع ليكون عنوان ملتقى هذا العام؟

خلال جوابه على هدا السؤال بين الدكتور منير القادري أن السر في اختيار الملتقى موضوع ” التصوف وتدبير الأزمات: دور البعد الروحي والأخلاقي في الحكامة الناجعة”، راجع إلى صميم الحاجة التي يفرضها السياق المعاصر الذي يعيش فيه الإنسان تداعيات الأزمة الصحية التي خلفها انتشار جائحة كوفيد 19، والتي كشفت عن كثير من الاختلالات التي يعاني منها المجتمع الإنساني، كأزمة القيم وأزمة السلوك وأزمة المعنى والفراغ الروحي.

وأضاف أنه نظرا لمركزية البعد القيمي والأخلاقي والروحي والإنساني في المكون الصوفي، الذي يعتبر مكونا دينيا وحضاريا يسهم في بناء الفرد والمجتمع ويساهم في الخروج من الأزمات، اختارت الدورة 15 من الملتقى العالمي إتاحة الفرصة أمام الباحثين والمتخصصين لمدارسة مختلف الإشكالات وملامسة جوانب هذا الموضوع، وإبراز إسهامات الزوايا والطرق الصوفية في خلق مرجعية قيمية من شأنها أن تشكل حكامة ناجعة لتدبير الأزمات الطارئة، بفضل القيم الإحسانية التي تبثها في النفوس.

وتابع القادري أن السر يرجع أيضا إلى ما يزخر به تراثنا الإسلامي من نماذج للحكامة الناجعة في تدبير الأزمات والتخفيف من تداعياتها المهلكة، استدعت الحاجة اليوم إلى ضرورة استلهامها إن على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

كما أن العالم المعاصر، يضيف القادري، بحاجة ماسة إلى من يعيد له التوازن بين الرأسمال المادي واللامادي، وذلك ببعث الجانب الروحي والقيمي والأخلاقي في الإنسان، في ظل تنامي توجه ذو بعد أحادي يغلب المصلحة الذاتية الضيقة والاستهلاك المادي الجشع.

وتقدم الاعلامي عبد الله مشنون من موقع إيطاليا تلغراف من ايطاليا بالسؤال التالي: المغرب بلد السلم والامن الروحي والتعايش وهو مثال يحتذى به، أين يتجلى ﺫلك وكيف للمغاربة أن يروجوا تلك الأخلاق عبر العالم؟

أكد الدكتور منير القادري عند تناوله لهدا السؤال أن المغرب ولله الحمد يعتبر بلد السلم والأمن والأمان والتعايش، يتجلى ذلك حسب مدير الملتقى العالمي للتصوف في مجموعة من المعطيات منها أنه بلد التنوع الثقافي من خلال تعايش العديد من مكونات المجتمع على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وثقافتهم تحت ظل إمارة المؤمنين التي تعتبر أحد مكونات الهوية المغربية العريقة، وكذلك الثوابت الدينية التي اختارها علماء المغرب منذ عصور والمتمثلة في المذهب المالكي في الفقه والعقيدة الأشعرية في الاعتقاد ومنهج الجنيد في التصوف، حيث وحدت المغاربة جميعا وجنبت المغرب الوقوع في الصراعات المذهبية والطائفية التي نشاهدها اليوم في بعض الدول، وللأسف تدفع فاتورتها الشعوب.

وأضاف القادري أن المغرب كان قبلة القاصدين ومنبع الخير والصلاح عبر العصور، والكل يشهد بأنه بلد يخرج من تربته الطيبة علماء أفذاذ وصلحاء أوفياء يعتبرون سفراء الخير كأبي الحسن الشاذلي الذي عم خيره المشرق قبل المغرب، والتجاني الذي له فضل كبير في نشر الإسلام في تخوم إفريقيا ومولاي علي الشريف وفضله الكبير في الدفاع عن بيضة الإسلام وغيرهم كثير.

وأشار إلى بروز الطريقة القادرية البودشيشية في عصرنا الحالي، وحملها مشعل الخير والصلاح والدعوة إلى حب الخير للجميع ونشر قيم السلام، مضيفا بأن هدي الطريقة قد انتشر في ربوع القارات ووفد الناس إلى قرية مداغ للتعرف على الجانب الروحي المفقود في هذا العصر والارتواء من معينه.

وجه الاعلامي أشرف من موقع “يا وطني” من فرنسا السؤال التالي:
باعتيار السياق الحالي في فرنسا، وباعتباركم أحد الخبراء في الاسلام بالغرب، ما هي نصيحتكم حول الموقف الدي ينبغي أن يتخده المسلمون في فرنسا أو غيرها من الدول الغربية؟ وكيف سيحمون أنفسهم في ظل هده الظرفية الدقيقة؟

استغل الدكتور منير القادري فرصة الجواب على هذا السؤال ليعبر عن متمنياته بأن يعم الأمان والسلام في فرنسا، مشيرا الى السياق الحالي المتسم بالاضطراب، بفعل الأزمة الصحية الحالية، التي انضافت اليها ازمة الرسوم الكاريكاتورية التي تسببت في العديد من المشاكل لمسلمي فرنسا .

ونصح كل المسلمين بمواجهة هذه الأزمة بقيم ديننا الحنيف، بروحانية الاسلام التي تجلت في قدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما وصلتنا منه عبر أجيال وأجيال من شيوخ التصوف الذين حافظوا عبر قرون على هذه القيم الكونية، وقال ” نصيحتي لكم بأن تحبوا الاخرين، ولن أقول لكم كما يقول الجهلاء الذين يحرفون معاني الاحاديث النبوية ويخرجونها عن سياقها ومقاصد ديننا الحنيف، فالفهم الصحيح للإسلام يثمر محبة الخلائق، ومساعدة الآخرين كما ورد في الحديث بأن “أحب الناس الى الله هم أنفعهم لعياله”.

وأشار إلى الدور الذي لعبه رجال ونساء التصوف من أجل نشر قيم المحبة واحترام المخالف والعيش المشترك، مؤكدا أن التصوف بصفة عامة هو علم الاخلاق الحميدة، معرفا التصوف بأنه التعامل الجيد مع الغير وﺬكر بمقولة “الصوفي ابن وقته”، في فرنسا وفي أي مكان، ونبه الى أهمية العمل لإصلاح وتطهير القلب، بذكر الله.

ودعا إلى التركيز على العمل على تزكية أنفسنا وتطهير قلوبنا، لأن ﺫلك سيمكننا من التعامل مع الآخرين بقيم ديننا الحنيف، منبها إلى أن الصوفية لا مشكل لديهم في الاندماج حيث ما كانوا في العالم، فالصوفي كالماء يأخذ شكل الإناء الدي يوضع فيه، وطلب من المسلمين اعتبار جيرانهم الملحدين أو غير المسلمين كإخوة لهم، وأكد أن الكلمة الطيبة صدقة، وملاقاة الناس بالسرور صدقة، وخلص إلى إمكانية تحقيق العيش المشترك مع الغير بهذه القيم النبيلة.

وأضاف بأنه ينبغي الاهتمام بهذا البعد الروحي للتصوف وإدماجه في تدين المسلمين في فرنسا وأوروبا لأن التصوف يلعب دورا هاما في توحيد المسلمين لاعتماده على نشر المحبة، وقال “ينبغي ان نرى الجمال في الخلائق ولا ينبغي فرض ديننا على الاخرين، فبمعاملاتنا الحسنة يمكن تعريف الناس بالإسلام “.

وتابع القادري في معرض رده على هدا السؤال “أقول للغربيين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عظيم، علمنا القيم الكونية كالرحمة والاخلاق الحميدة بخلق الله”، وﺬكر بعالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون الدي قال بأن محمدا هو أعظم إنسان عرفه التاريخ . كما أورد مقولة لمحرر الهند غاندي صاحب منهج الاعنف ، قال فيها “محمد كان دائما رجل سلام”.
ومن جانبه رد الدكتور سمير الحلوي على نفس السؤال باللغة الفرنسية، مطالبا المسلمين في الغرب بتقديم النموذج بطريقة حضارية ومسؤولة. ودعاهم الى إشاعة القيم السمحة لديننا الحنيف بين المواطنين الاوروبيين، من خلال المعاملة الحسنة والمحبة ونسج علاقات قوية، والخروج من إطار التهميش والمساهمة الإيجابية في مجتمعات الغرب، والحضور في وسائل الاعلام.

سؤال الاعلامي المصري وائل الدمنهوري من إذاعة صوت العرب : “إلى أي حد يسهم البعد الروحي للتصوف في الارتقاء بالجانب العلمي بداية من عالمنا الاسلامي والاهتمام بهذا الجانب المهم جدا لتجنب الآثار المادية والمعنوية والروحية لهذه الجائحة وغيرها من الأزمات التي نتعرض؟”

أكد الدكتور منير القادري في رده على هذا السؤال أن العالم يشهد تطورات مذهلة ومتسارعة، وثورات تكنولوجية ورقمية مساعدة ومفيدة، مضيفا أن القيم المادية والنفعية والتهافت المهول على طلب المال والجاه والشهوة أوقع البشرية في أزمات مستعصية على جميع المستويات، النفسية والسلوكية، والقيمية، والروحية والأخلاقية بصفة عامة، زادت هذا الوضع الوبائي تأزما وأعطته عمقا وتعقيدا، مما ضحد أطروحة العولمة المادية التي كانت تراهن على بناء واستهداف الانسان ذي البعد الواحد المحكوم بمنطق أولوية المصلحة الذاتية الضيقة والاستهلاك المادي الجشع، وتغييب وإقصاء البعد الروحي والأخلاقي الذي يعطي للإنسان توازنه واستقراره وسعادته.
وسلط الضوء على الفراغ الروحي والأزمات التي يعاني منها الغربيون، حيث يعيشون أزمة المعنى والهوية والروح حتى في الدول الاسكندنافية، التي ارتفع فيها مستوى المعيشة.
وتطرق إلى الوضع الذي تعيشه البشرية اليوم، الذي فرضه “هذا الكائن الفيروسي المتناهي في الصغر (حجمه صغير مكروسكوبي) المتسارع في الانتشار البالغ الخطورة، والذي عرّى وكشف عن خلل كبير في المنظومة الاقتصادية، وأنتم تلاحظون أن دولا عظمى مثل أمريكا وإيطاليا في بداية الجائحة أعطوا الأهمية للاقتصاد قبل الإنسان”.

ونوه بالتدابير التي اتخذها المغرب في مواجهة جائحة كورونا، حيث اهتم بالانسان قبل البنيان، وهذا عمق الاسلام إذ أعطى الأهمية للساجد قبل المسجد، وهنا يظهر تغليب البعد الأخلاقي على البعد الاقتصادي والجشع وتحقيق الربح، فبالرغم من كون المغرب دولة صغيرة إلا أنه ظهر فيه هذا البعد السالف الذكر إلى جانب المقومات الأخلاقية والروحية بفضل رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.

وأضاف أن هذا الوباء أجبر العالم على الشعور بالحاجة الماسة إلى المقومات الروحية، إذ غير العالم، مبرزا تراجع بعض الدول الغربية عن قناعاتها السابقة وإقرارها بخطأ توجهاتها التي كانت تولي الأولوية للاقتصاد، عوض الاهتمام بالإنسان، ووقوفهم على ضرورة الالتفاف حول ما يربط بين الناس كافة من قواسم مشتركة قيمية في تضامن عالمي، وتفعيلها، وأجرأتها، للتصدي والحد من العواقب الوخيمة لهذه الحاجة.

وبدوره ساهم الدكتور عبد الرحيم السوني في الإجابة على سؤال إذاعة صوت العرب، حيث أكد أن التصوف كان خادما للعلوم الشرعية كما أن كبار علماء الأمة الإسلامية هم صوفية، وأضاف أن الطريقة القادرية البودشيشية وغيرها من الطرق الصوفية الأصيلة يزاوجون بين العلوم الشرعية والعلوم العصرية والتقنية، كالطب والهندسة والاعلاميات وغيرها، كما أوضح أن الطريقة القادرية البودشيشية تدعو مريديها إلى التكوين ومواكبة هذه المجالات مذكرا بالأنشطة التي قامت بها الطريقة في شهر أغسطس الماضي من خلال الجامعة الصيفية التي كانت حافلة بمجموعة من الانشطة العلمية التي همت عدد من المعارف والعلوم الشرعية العصرية والتقنية، اضافة الى المخيم الصيفي الموجه للبراعم والفتيان.

سؤال الصحفي محمد الشلاي من الموقع المغربي Le360 : “ما هي أبرز الوجوه الفكرية والعلمية المشاركة في هذه السنة؟ سواء المغربية أو العربية أو الإسلامية؟”

وقد تولى الدكتور عبد الرزاق التورابي الجواب على هذا السؤال مشيرا الى مشاركة عدد مهم من العلماء والباحثين من القارات الخمس، فمن المغرب يشارك الأمين العام للرابطة المحمدية لعلماء المغرب الدكتور أحمد عبادي، والدكتور اسماعيل راضي، عميد كلية العلوم بوجدة، ورئيس مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية، والدكتور فوزي الصقلي، مدير مهرجان الثقافة الصوفية بفاس وآخرون، وأضاف بأنه يشارك من خارج المغرب مفتي أستراليا الدكتور سليم علوان الحسيني، ووزير الأمن الغذائي المالي السابق ابراهيما توري، ورئيس مركز التفكير بهيئة الأمم المتحدة الدكتور ميشال طاو شان، والدكتورة صفية فرانسيا ، أستاذة جامعية من المكسيك، والسيد ابراهيم سلامة سفير ومستشار لدى هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، والدكتور علي عبد الله الصيني المدير العام التنفيذية للشركة الثقافية الصوفية والتنموية بمدينة شيان بالصين، والمونسنيور نيكولاس رئيس اساقفة باريس، إضافة إلى السيد شهاب زاده احمد علي رئيس المركز الإسلامي بإسلام اباد باكستان، وآخرون.

سؤال الصحفية اميرة العناني من جريدة الدستور المصرية : ما هي الأولويات التي وضعها «الصوفية» منذ بداية الأزمة؟

أشار الأستاذ ابراهيم بلمقدم، في معرض رده على سؤال الصحفية أميرة العناني، إلى أن الجائحة وضعت البشر أمام تحدي كبير وارتباك لأنهم لم يألفوا هذا الاستثناء، موضحا أن المقاربة الأمنية والتعليمية والرسمية وغيرها لا تكفي للخروج من الأزمة، وهنا يأتي دور التربية الصوفية كمقاربة أبانت عن نجاعتها في هذه الأزمة الصحية، لما لها من دور في تقوية الجانب المعنوي والنفسي، وقد أكد الأطباء أن الجانب النفسي له دور كبير في ارتفاع أو انخفاض منسوب المناعة، كما بين أن التصوف يساعد على الاستقرار النفسي بل هو الحاسة السادسة للإنسان حاسة البصيرة، حاسة الشهود القلبي التي تجعله يرى الفعل الإلهي في كل شيء.
وقد أورد شهادة شيخ الطريقة القادرية البودشيشية فضيلة الدكتور مولاي جمال الدين القادري، حين قال “على المؤمن أن يتيقن أن كل ما يأتي من المليح فهو مليح”، وتابع بلمقدم أن التصوف بذلك قادر أن يصنع إنسانا من حيث الوجدان والروح والاستعداد، أي بناء إنسان متوازن يساهم في حل الأزمات بدل صنعها وافتعالها.

وفي ختام هده الندوة أكد الدكتور حكيم الإدريسي أن اختيار الملتقى لدور البعد الروحي والأخلاقي في الحكامة الناجعة كان موفقا، مبينا دور أجدادنا في تبليغ الدين القويم وروح الدين حتى أوصلوه إلينا كأمانة تدعونا أن نكون في صورة ترضى الله ورسوله.
وأضاف أن الصوفية كانت لهم مبادرات في حل الأزمات، انطلاقا من مبدأ الفتوة، إذ نجدهم يتدخلون بحكمة وعقلانية للخروج من الشدائد، وقد نبه إلى دور مؤسسة الزاوية كشريك حقيقي في بناء المجتمع والتعاون مع كل الأطراف، موضحا أن الطريقة البودشيشية – كما قال الدكتور جمال الدين القادري بودشيش والدكتور منير القادري- ليست وصية على التصوف ولا تدعي ذلك، وإنما تمد يدها لكل من أراد خدمة الوطن.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله فيكم على كل المجهودات التي تبذلونها لنصرة الدين، ولاعلاء راية التوحيد راية الإسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock