الأركان التكوينية لجريمة الابتزاز والجرائم ذات الارتباط بها

إدريس النوازلي
دكتور في القانون
الأركان التكوينية لجريمة الابتزاز والجرائم ذات الارتباط بها
تتميما لما سبق تناوله، سو ف نعمل على مناقشة الأركان التكوينية لجريمة الابتزاز كجريمة محورية وبعض الجرائم التي قد تلتقي او تتعارض معها من حيث الفعل والأساس القانوني.
➢ الركن المادي لجريمة الابتزاز
بالرجوع الى مقتضيات المادة 538 من ق ج ودراسته من الناحية القانونية، يتبين انها تهدف الى حماية ما يسمى بحرية الإرادة التي يقوم الجاني بسلبها، والملاحظ ان المشرع المغربي ادخل جريمة الابتزاز في باب السرقة مع ان جريمة الابتزاز تحصل بالمطالبة بفعل شيء او الحصول على المال بواسطة التهديد، الشيء الذي يجعلها تتكون من عنصرين مهمين، هما محل الاعتداء على حرية الإرادة والثاني وسيلة الاعتداء عليها.
✓ الاعتداء على حرية الإرادة
عمليا الابتزاز الالكتروني لا يخرج عن باقي الجرائم المعاقب عليها قانونا ولو تم تقديم شكاية في الموضوع، على اعتبار ان الحسابات الالكترونية اليوم كلها مراقبة بل ومسجلة بأسماء اشخاص معروفين ومعلومي الهوية لدى شبكة التواصل الاجتماعي وذلك من خلال الهواتف المسجلة بأسمائهم وكذا الحسابات البنكية التي تحول لها المبالغ المبتزة، بحيث يمكن اخذ المعلومات الشخصية من البنوك عن طريق السلطات المعنية المختصة بواسطة انابات قضائية مثلا.
وتعتبر جريمة الابتزاز جريمة مادية وليست شكلية بمعنى جريمة النتيجة، لقيامها لابد من توافر وقيام الركن المادي لها وهو قيام الفاعل بنشاط اجرامي ينتج عن هذا النشاط تحقيق نتيجة.
تطرق المشرع المغربي في الفصل 538 من ق ج الى عبارة المال أو الأوراق المالية او تسليم وثيقة مع الإحالة على المادة 537 من نفس القانون. فمحل الاعتداء على حرية الإرادة تنصرف الى المال نقدا او أوراق مالية او توقيع او تسليم ورقة، فالأوراق المالية يقصد بها السندات والأسهم سواء الصادرة عن الشركات او الدولة، فيما يقصد بالتوقيع او التسليم أي كل ما يمكن ان يكون مكتوبا من عقود واتفاقات سندات ويدخل فيها العقود الالكترونية او المعلوماتية.
✓ وسيلة الاعتداء على حرية الإرادة
بالرجوع الى الفصل المذكور أعلاه نجده يتطرق لمسألتين او لوسيلتين أولهما التهديد بإفشاء أمور شائنة وثانيهما نسبة أمور شائنة.
• التهديد بإفشاء أمور شائنة:
هذا العنصر يعتمد على التهديد كإكراه معنوي، اجبار الضحية وكسر حرية الإرادة كلما كان الامر في نظر الضحية مشين وهي مسألة نسبية من حيث تأثيرها على حياة الشخص اعتماد صفة الشخص ومركزه المهني او الاجتماعي سواء عليه او على غيره، ويستوي في ذلك ان يكون التهديد شفويا او كتابيا، وسواء انصب على الشخص نفسه او على غيره، فالفعل المشين يبقى الفعل الذي يرفض الضحية الاعتراف به داخل المجتمع وبشكل علني لظنه انه غير مقبول او مسببا للإحراج وان قبله المجتمع.
• نسبة أمور شائنة:
نعني بذلك نشر أمور غير حقيقية وتداولها داخل الارتباط الكترونيا مع نسبتها للضحية وان كانت ليست له ولا تربطه اية علاقة بها، وهنا لابد من توافر العلاقة السببية بين التهديد والتسليم وهي النتيجة الجرمية بحيث يجب ان يكون التسليم نتيجة الخوف الذي احدثه التهديد، وهنا يبقى التساؤل والنقاش مطروحا لماذا المشرع المغربي ادخل جريمة الابتزاز في باب السرقات وانتزاع الأموال وليس التهديد.
في نظرنا نرى ان المشرع ورفقا للتأويل، ارتأى ادخال هذه الجريمة في باب السرقات لكون الجاني يستعمل التهديد قصد الحصول على المال او عمل يضر بصاحبه تحت وطأة الاستجابة للطلبات الغير المشروعة او المشروعة بغية الحصول على المال، لكن قد يطلب الجاني شيئا آخر غير المال وقد يكون العرض او الجسد وهنا تختلف العناصر التكوينية للجريمتين بحيث يبقى التسليم وكيفيته كنتيجة إجرامية، وهي التي تميز جريمة الابتزاز عن جريمة السرقة.
وبالرجوع الى القانون المصري في المادة 326 عقوبات، جعل الركن المادي للجريمة يتمثل في الحصول بغير حق على مبلغ من النقود او أي شيء آخر، ويخرج من ذلك إذا كان الغرض من التهديد هو حمل من وجه اليه على عمل او امتناع عن عمل لأن ذلك لا يعتبر من قبيل الحصول على شيء، على اعتبار ان الحصول على شيء يكون بطريق التسليم عن طريق التهديد، فإن اخذ الجاني الشيء بالقوة فلا حديث عن الابتزاز بمفهوم الفصل 538 من ق ج بل يدخل في فعل السرقة بالإكراه، كذلك الشأن لمن يسترد حقا له من المهدد ويتحقق الفعل إذا اخذ أكثر مما يستحق.
ويراد بالتهديد كل ما من شأنه ان يؤثر على الضحية ليحاول اتقاء تخوفه منه بتسليم النقود او الشيء الذي طلب اليه اعطاءه، كأن يتوعد المجني عليه بالحاق ضرر على شخصه او ماله او بالإساءة الى سمعته او توعده بالحاق ضرر بشخص يهمه ولا يشترط ان يكون على درجة من الجسامة، أي لا يلزم ان يكون تهديدا بخطر بالغ فيكفي اذن لانطباقه مطلق التهديد بأي نوع من الأذى، كالتهديد بإفشاء السر او بتعطيل مصالح المجني عليه او التسبب في خسارته او حرمانه من أية فائدة له متوقعة، والمهم على كل حال ان يكون المهدد به من شأنه تخويف المجني عليه لحمله على تسليم ماله الذي طلب اليه تسليمه وتقدير ذلك يبقى متروكا لقاضي الموضوع .17
فيما المشرع الأردني اعتبر التهويل بمثابة الابتزاز والتي نص عليها في الفصل 415 عقوبات، واعتبر بأن يكون التهديد مجرد من القوة، ويكفي حدوث اكراه معنوي للتأثير على حرية اختيار المجني عليه، مما قد يحمله على تنفيذ مطلب الجاني، أي الحد من حرية المجني عليه في الاختيار، وقد يحمله مرغما على الاستجابة لمطلب الجاني، وعلى كل لا تقع الجريمة اذا انتفى التهديد كما لا تقع اذا انتفت العلاقة بين تهديد الجاني واستجابة المجني عليه وتنفيذ مطلب الجاني، وهو ما يتحقق في حالة جلب المنفعة بتأثير عامل سوى التهديد وتقدير وجود الرابطة بين التهديد وجلب المنفعة وانعدام هذه الرابطة متروك لمحكمة الموضوع. 18
➢ الركن المعنوي لجريمة الابتزاز
ان جرائم الابتزاز هي جرائم عمدية بحيث لابد من توافر قصد جنائي عام وخاص، فالعام يتمثل في علم الجاني بأن ما يصدر عنه من أفعال يشكل جريمة، وان محل الاعتداء ليس له الحق فيه، فيما الخاص يتمثل في نية تملك الجاني مال الضحية، ولا عبرة بالبواعث التي دفعت بهم للحصول على المال، لكن هذا ينطبق على الغاية من الابتزاز وهو الحصول على المال او قيمة مالية، ويبقى السؤال المطروح حينما يتعلق الأمر بالعرض او المتعة الجنسية؟
فهذه الجريمة تقع قصدية ولا تقع بوصف، وعليه يلزم لوجودها وجود القصد الجرمي العام بحيث يكون الجاني وقت مقارفة الفعل الجرمي عالما بانه يرغم المجني عليه بطريق التهديد الاكراه المعنوي ليحمله على جلب منفعة غير مشروعة له او لغيره، وهنا أشار بعض الفقه بأن غاية الجاني من وراء التهديد لا تعد من اركان الجريمة بل هي لا تعد قصدا خاصا ويصح وصفها بأنها الدافع الذي دفع الجاني الى ارتكاب جريمته بمعنى ان الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل او الغاية القصوى التي يتوخاها، بحيث لا يكون الدافع عنصرا من عناصر التجريم الا في الأحوال التي يعينها القانون.19
ويرى جانب آخر من الفقه، ان الركن المعنوي في هذه الجريمة يتخذ صورة القصد الخاص، ويفترض القصد الخاص قصدا عاما يستند اليه، يتطلب القصد العام علم المتهم ان الفعل الصادر عنه يمثل ضغطا على إرادة المجني عليه من شأنه حمله على تسليم المال، وان يعلم ان المال الذي يطالب بتسليمه مملوك لغيره او لا حق له فيه، وان تتجه إرادته الى الفعل الذي يقوم به الى التهديد والضغط على إرادة المجني عليه
17- معوض عبد الثواب، السرقة واغتصاب السندات والتهديد، منشاة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الثالثة، السنة 2007، ص283.
18- -فخري عبد الرزاق الحديثي وخالد حميدي الزعبي، شرح قانون العقوبات القسم الخاص الجرائم الواقعة على الأموال، دار الثقافة للنشر والتوزيع السنة 2009، ص 90.
وتسلم المال. كما يتطلب القصد الخاص في هذه الجريمة نية المتهم في ان يتملك المال الذي سلم اليه، أي نية التملك في ذات مدلولها في السرقة، وتطبيقا لذلك فان القصد لا يتوافر إذا اقتصرت نية المتهم على اكتساب الحيازة الناقصة او اليد العارضة على المال. 20
ارتباط جريمة الابتزاز ببعض الجرائم
سوف نتطرق في هذا الشق من الدراسة الى الجرائم المرتبطة بجريمة الابتزاز على مستويين، جرائم الأموال وجرائم العرض
• على مستوى جرائم الأموال
❖ جريمة النصب
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ملاذا لمن يمارس البغاء والدعارة في مقصد الإيقاع بالضحايا عبر تبادل الصور والحوارات الساخنة كأن يتم نشر الصور لفتيات عاريات وفيديوهات جنسية يهددون أصحابها بالنشر عبر المواقع الالكترونية الغرض منها الانتقام والابتزاز مما يخلق نوعا من الرعب في نفوس المعنيين بالأمر رجالا ونساء وتضعف قدراتهم على المواجهة فيستسلمون للأمر الواقع ولرغبات الجناة ومن امثلة ذلك تلك المرأة التي تعد منزلا للدعارة وتستقبل الجنسين معا بعد ان كانت تثبت كاميرات في غرف النوم لالتقاط المشاهد الساخنة تم تقوم بتحويلها عبر الهاتف النقال وتعمد بعد ذلك الى ارسالها الى المعنيين بالأمر تحت طائلة التهديد بالنشر ان لم يدفعوا المبالغ المطلوبة بقصد النصب لمرات متتالية. كما يتم فتح صفحات متضمنة لصفحات وعبارات تثير شهوة المتلقي ويتم استدراجه الى المتعة الجنسية خفية وبطريقة جد احترافية لتسهيل التواصل مع كل زبون يلج الموقع وبعدها تختفي تلك الصفحات ويكون من السهل العثور عليها، الا انها في الحقيقة ليست الا صفحة للدعارة الإلكترونية.
ولعل الارتباط الذي يظهر من خلال استقراء المادتين 538 و540 من ق ج، ان كان المشرع ادخل جريمة الابتزاز في دائرة جرائم الأموال، هي الاختيار لكل من ضحية الجريمتين. فجريمة النصب كما نص عليها المشرع المغربي هي ” من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في غلط بتأكيدات خادعة او إخفاء وقائع صحيحة او استغلال ماكر لخطا وقع فيه غيره ويدفعه بذلك الى اعمال تمس مصالحه او مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له او لشخص آخر..”
19- فخري عبد الرزاق الحديثي وخالد حميدي الزعبي، م س، ص 90.
20 – معوض عبد الثواب، م س، ص 290.
الفصل 538 من ق ج ” من حصل على مبلغ من المال او الأوراق المالية او على توقيع او على تسليم ورقة مالية تتضمن (تتضمن او تثبت التزاما او تصرفا او ابراء الفصل 537) وكان بذلك بواسطة التهديد بإفشاء او نسبة أمور شائنة سواء بالتهديد شفويا او كتابيا…”
فبالرجوع الى الفصل المتعلق بالنصب نجد المشرع حصر وسائل النصب في ثلاثة حالات الأولى إيقاع الشخص في الغلط بتأكيدات خادعة والثانية بإخفاء وقائع صحيحة والثالثة استغلال ماكر لخطا وقع فيه غيره. ورجوعا أيضا الى الفصل المتعلق بجنحة الابتزاز وجب ان يكون الحصول على المال او المنفعة المالية في حالتين الأولى التهديد بإفشاء أمور شائنة والثانية نسبة أمور شائنة.
ولابد من الإشارة ان النتيجة الجرمية تكون هي التسليم للمال الصادر من المجني عليه الى المحتال تحت تأثير الغلط الذي اوقعه فيه، ولا يجوز النظر الى التسليم على انه واقعة مادية ترد على شيء ينقله المجني عليه من سيطرته الى حوزة المحتال ولكن يتعين النظر اليه على انه عمل قانوني عنصره الجوهري إرادة المجني عليه المعيبة بالخداع، وليست المناولة المادية سوى المظهر المادي لهذا العمل او على الأقل أثره. فالتسليم كعمل قانوني يعني إرادة المجني عليه الى تمكين المحتال من السيطرة على مال سواء اتمت هذه السيطرة على الفور ام كان المجرى العادي للأمور، ان تتحقق بعد وقت يسير وهذه الإرادة تلتقي بها إرادة المحتال باعتباره الذي وجه إرادة المجني عليه على النحو وبالتقائهما يقوم العمل القانوني الذي هو جوهر التسليم وبناء على ذلك فثمة حالات كثيرة تتم فيها جريمة الاحتيال بتحقق التسليم على ذلك النحو دون ان يصطحب بمناولة مادية لشيء. 21
ونرى انه بمقارنة الأفعال او الحالات المشار اليها بالفصل الأول، هي ان تكون من اعمال الفصل المحظور وطرق حصول جريمة النصب، بمعنى انها تكون سابقة عن الفعل، وكلما تحققت احدى الحالات نكون امام جريمة النصب، وفيما تعلق بجنحة الابتزاز فان التهديد بأمور شائنة تفيد ان الفعل موضوع الابتزاز حصل بمعنى ان الفعل هو في حد ذاته غير مقبول مجتمعيا وقد يكون مجرم قانونا الا انه ظل في الخفاء ويأتي الابتزاز لفصمه ان لم يتحقق الشرط الذي هو الحصول على المال او المنفعة المالية، أي ان الجرم داخل الجرم وقد يخرج احدهما الى الواقع عن طريق الفضح فإما ان تسكت الضحية ويظل الجرم مكتوم وفي السر وتستمر العملية و اما افتضاح الفعلين معا، وهنا نتساءل هل يعتبر المبتز ضحية بالمعنى الاجتماعي والأخلاقي وحتى القانوني؟ وهل يعتبر العمل الذي اتاه كل من الضحية والجاني اخلالا علنيا بالحياء على اعتبار ان الشاشة الالكترونية يطلع عليه العموم وبالتالي تتحقق العلنية المطلوبة قانونا الا يمكن متابعة الضحية بتهمة الاخلال العلني بالحياء.
21- محمود نجيب حسني، جرائم الاعتداء على الأموال في قانون العقوبات اللبناني، المجلد الأول، الطبعة الثالثة منشورات الحلبي الحقوقية، السنة 1998، ص 359.
نعتقد انه يجب متابعة الضحية أيضا بتهمة الاخلال العلني بالحياء ولما لا التحرش الجنسي ان كان هو من دخل الشبكة وظل يبحث عن المواقع الإباحية واستعمل الكاميرا وفعل الحركات الجنسية.
فمكامن الالتقاء بين الجريمتين هو ان استعمال الوسيلة لارتكاب الجرمين معا، فاستدراج الشخص الى القيام بعمل بعد الحصول على الاطمئنان من قبل الجاني حتى يوقعه في المحظور، فعامل الثقة مطلوب في كلتا الحالتين والا لما أقدم الضحية على ذلك، وهو ما عبر عنه مشرع المادة 540 بالإيقاع في الغلط أي التأكيدات الخادعة هي التي توقع الضحية في الغلط وقد يكون الغلط هو التضليل عن الحقيقة والصواب، اما بالنسبة للمادة 538 ان يعمل الجاني على إيقاع الضحية بارتكاب أمور شائنة وينسبها له وقد يكون الجاني هو من ساهم فيه وقد يكون حصل على الامر الشائن بطريقته الخاصة او عن طريق الغير.
فخلق الصور الوهمية او ما يسمى بالفوتو شوب أي تركيب الصور لشخص وجعلها تنطبق احتيالا مع جسد شخص آخر والمطالبة بالمال عن طريق الابتزاز في حد ذاته يشكل نصبا لان أساس العملية هو الوهم وليس الحقيقة في حق الضحية.
ان الابتزاز في مقتضى المادة 538 من ق ج المغربي، يكون الشخص المعني بالأمر حقيقي وليس وهمي بخلاف النصب والاحتيال يتضمن كذبا غير المجرد على اعتبار ان الكذب المجرد غير معاقب عليه. ولا يكون دائما الفعل موضوع الابتزاز من صنع الجاني او استدراج الضحية اليه وانما قد يحصل عليه الجاني اما صدفة او بتتبع خطوات المستهدف وحتى يحصل على الامر الذي قد يضر بصاحبه كيفما كان الفعل، فليس دائما الفعل الجنسي وانما قد ينصرف الى أفعال أخرى لا صلة لها بالجنس وانما قد تكون وثائق سرية كالتلاعب مثلا بالمحاسبة او تبديد أموال عمومية او تفويت مال الحق العام لمصلحة شخصية وغير ذلك من الأمور، بمعنى يكون الابتزاز نتيجة خطأ وقع فيه الضحية الذي هو مجرم في نظر القانون من جهة أخرى.
❖ استغلال النفوذ والرشوة
لقد تطرق المشرع المغربي الى جريمة استغلال النفوذ من خلال القانون الجنائي في محاولة منه للتصدي لهذا النوع من الأفعال وادخلها ضمن جرائم الرشوة، مع وجود الاختلاف بينهما من حيث العناصر التكوينية على اعتبار ان جريمة الرشوة هي جريمة الصفة بخلاف جريمة استغلال النفوذ التي لا تتطلبها حتى تقوم الجريمة وانما يكفي التذرع بنفوذ حقيقي او وهمي، بمعنى تبقى الصفة ركنا أساسيا لقيام جريمة الرشوة فضلا عن ان القانون من خلال الفصلين 248 و249 حدد على سبيل الحصر الصفات وعمل على تقسيمها الى ضربين الأولى وهي المتعلقة بالقطاع العام وتشمل القضاة والمحلفون واحد أعضاء هيئة المحكمة والموظفون العموميون والمتولون لمراكز نيابية، فيما الشق الثاني تعلق بالخبراء والأطباء والجراحون والمولدات.
وتعتبر جريمة استغلال النفوذ ممارسة غير قانونية يقوم بها شخص قد يكون موظف او غير موظف له نفوذ وعلاقات قوية مع رجال السلطة ومع أصحاب القرار الذين بيدهم تحقيق المصالح، او يحصل على امتيازات او مفاضلة على الغير مقابل المال، أي استعمال النفوذ مطية لتحقيق أغراض شخصية، بحيث يكون الجاني يتمتع بنفوذ فعلي او مزعوم لدى الجهات العامة او احدى الجهات الخاضعة لرقابتها الإدارية، وقد يكون النفوذ بسبب علاقة الشخص بالموظف المختص او كون الجاني له وضع اجتماعي او سياسي او رئاسي معين يسمح له بالتأثير على الموظف العمومي او يكون النفوذ الذي يدعيه الجاني مزعوم ووهمي ويكفي في هذه الحالة الكذب المجرد لأنه اذا ما اعتمد الكذب غير المجرد والذي تدعمه مظاهر خارجية فإننا نكون امام جريمتي استغلال النفوذ والنصب والاحتيال.22
يعتبر ركن النفوذ أساسي في قيام الجريمة سواء كان حقيقيا او مزعوما مع بيان طبيعته وإبراز نوعية الضغوط او التأثيرات التي اثرت في مجرى الواقعة، بمعنى الركن المادي لجريمة استغلال النفوذ يتمثل في الاستغلال وقبول الهدايا او المنافع، ومدى توافر العلاقة السببية بين استغلال النفوذ والمقابل وهو الامر نفسه بالنسبة لجريمة الرشوة، وفي هذا صدر عن محكمة التعقيب التونسية جاء فيه:” وحيث انه وخلافا لما جاء بمستندات القرار المطعون فيه فانه لتكون جريمة الفصل 87 قائمة فانه لا بد ان يثبت اخذ الفاعل الأصلي عطايا او يقبل وعدا بها او يطلب شيئا من ذلك سواء لنفسه او لغيره مقابل الحصول او محاولة الحصول من السلطة المختصة على قرار لمصلحة المنتفع من الصفة الذي سلم العطايا او وعد به ويعتبر هذا العنصر ركن أساسي لا يمكن اهماله وتغافله ذلك انه لا تكون جريمة استغلال نفوذ قائمة في غيابه الامر الذي انتفى في قضية الحال وهو ما أكده الاختبار المأذون به المجرى في قضية الحال وبالتالي يكون استبعادا هذا الاختبار من محكمة القرار المطعون فيه بتعليل مجمل وعام ودون الاستناد على ما له اصل ثابت بأوراق القضية فاقد السند الواقعي والقانوني.”23
وعلى العموم يتحقق الركن المادي للجريمتين بتوافر الطلب المتمثل في ان الجاني هو الذي يقدم على المبادرة في المشروع الاجرامي، وفي القبول والتي تتجلى في الإرادة المتجهة الى تلقي المقابل نظير القيام بعمل او الامتناع عنه ثم التسليم أي حصول الفائدة التي تعتبر ثمرة الاتجار سواء بالنسبة للصفة او بدونها بالنسبة لاستغلال النفوذ وأخيرا الاكراه المتمثل في العنف او التهديد او الوعد وحسب الحالات التي أشار اليها الفصل 250 من ق ج.
22– المادة 18 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المؤرخة في 31/10/2003 والتي جاء فيها: ” ان يقوم باستغلال ما قد يكون له من نفوذ ييسر له الحصول على مزايا غير مستحقة من السلط العمومية وان يكون النفوذ فعليا او مفترضا. ”
23 – قرار عدد 733/680 محكمة التعقيب التونسية.
ولعل الاختلاف بين جريمتي استغلال النفوذ والابتزاز وان تعلق الامر بالتهديد فان العمل الجرمي في هذه الأخيرة يصدر عن أي شخص بغض النظر عن صفته ومركزه بخلاف الأولى الذي تتطلب توافر عنصر النفوذ وان كان الثاني يستعمل وسيلة الضغط على الضحية للوصول الى مبتغاه فضلا عن ان المبتز ليس بالضرورة ان تكون له سلطة او نفوذ مالي او اجتماعي او له علاقة بمن لهم ذلك، هذا من جهة ومن جهة أخرى تبقى جريمة الرشوة متطلبة وتعتمد لقيامها توافر الصفة لكن هل يدخل في ذلك من اعتبرهم مشرع الفصل 224 من ق ج موظفين؟ وهل يدخل فيها القطاع الخاص بحكم الفصل المتعلق بجريمة الرشوة؟ للإجابة على السؤال المطروح فان الفصل المذكور وسع من صفة الموظف ليشمل كل من يقوم بمباشرة وظيفة او مهمة ولو مؤقتة بأجر او بدونه ويساهم في خدمة الدولة او المصالح العمومية او الهيئات البلدية او المؤسسات العمومية او مصلحة ذات نفع عام، وفي رأينا يجب تغيير الفصل المذكور وجعلها تنصرف الى القطاع الخاص لما لهذا الأخير من تأثير.
كما قد يصدر عن الموظف العام فعل الابتزاز كالذي يطلب من زوجة محصنة ممارسة الجنس في مقابل خدمة تتعلق بالصالح العام كعدم تقييد مخالفة او تغاضي عن أفعال مجرمة او ما شابه ذلك، ففي هذه الحالة تكون جريمة استغلال النفوذ والابتزاز والرشوة، ويدخل في ذلك الاستفادة المعنوية والمادية سواء بالطلب او العرض، ويستوي في ذلك ان تكون المنفعة له او لغيره وسواء حصل عليها الموظف حالا ام مستقبلا، لكن في هذه الحالة وجب ان يكون التفاوض بشأنها قائما وهو ما قصد به المشرع بالوعد او تسلم الهبة او الهدية، مع وضع في الاعتبار الفرق بين الوعد وتسلم الهبة هو تأجيل التنفيذ في الأولى والتعجيل في الثانية مع التمييز بين تقديم الرشوة والارتشاء. 24
ويتجلى الركن المعنوي للجريمتين معا، في انهما جريمتين يتطلب لقيامهما القصد الجنائي أي توافر عنصري الإرادة والعلم المتمثل في الاتجار بوظيفته او استغلالها في الحصول على منفعة شخصية وغير مشروعة مع ابداء الرغبة في ذلك، ويكون هذا الأخير مفترض.
وتجدر الإشارة الى ان جريمتي الرشوة واستغلال النفوذ قد يكون لها طرفا ثالث او ما يعرف بالوساطة الذي يربط الصلة بين الطرفين المعنيين، لكن قد لا يتوفر ذلك في جريمة الابتزاز على اعتبار ان جريمة تقوم على التهديد بالفضح لأمر شائن ان لم يرضخ المبتز لطلب مجرم الابتزاز، بحيث في نظرنا إذا ما تعدى الفعل الطرفين لم يعد هناك سرا واستغله الطرف الثالث بمعية الجاني الأصلي فإننا نكون امام فعل المشاركة التي تتحقق قبل ارتكاب الفعل الجرمي كالمساعدة على الاعمال التحضيرية او تنفيذ الجريمة.
24- تعد جريمة تقديم الرشوة مستقلة في عناصرها عن الجريمة الارتشاء فهي تقوم لمجرد توافر القصد الجنائي في عرض او تقديم الرشوة الى الموظف لحمله على القيام بعمل او الامتناع عن عمل سواء استجاب الموظف لذلك ام لا لذلك فان ما اثاره الطاعن من الوسيط لم يقم بتسليم مبلغ الرشوة الى الموظف لا أثر له على قيام الجريمة. مجموعة قرارات المجلس الأعلى قرار عدد 3042 صادر بتاريخ 17/07/1983 ملف جنحي رقم 15144 ص 337.
ان المشرع المغربي من خلال فصول المنظمة لجريمة الرشوة فرق بين الراشي والمرتشي بان خصص الفصلين 248 و249 من ق ج للمرتشي فيما الفصل 251 خصص للراشي، فالأول لابد من توافر الصفة والثاني ليس بالضرورة شأنه في شأن المشرع الفرنسي، بخلاف بعض الأنظمة المقارنة التي تعتبر جريمة الرشوة جريمة واحدة واعتبرت الموظف فاعل أصلي ومقدم الرشوة شريكا له وهو اتجاه المشرع الإيطالي والمصري.
ونخلص ان كلا جريمتي الابتزاز والرشوة، اشارت الى عبارة التهديد الا ان الأولى تعلقت بإفشاء أمور شائنة او نسبتها للضحية، فيما الثانية تعلقت بالقيام بعمل او الامتناع عنه او على مزية فكلاهما يحملان وسيلة ضغط وقد يكون الفعل المهدد به جرما ارتكب من قبل الضحية بمفرده، وقد يكون من صنع الجاني وساهم فيه الضحية، وقد يكون من صنع الجاني بمفرده. الا انهما يشتركان في طلب الحصول على المقابل.
• على مستوى جرائم العرض
سوف نتطرق في هذه الفقرة الى جريمة التحرش الجنسي والتهديد ونبين مدى الارتباط بينها وبين جريمة الابتزاز على مستوى الالتقاء والاختلاف.
❖ التحرش الجنسي
يعتبر التحرش الجنسي الجريمة الشائعة في جميع الأوساط المجتمعية على اختلاف المجالات والاصعدة حتى كاد يستحيل الا تتعرض أي فتاة او الانثى غالبا، من المضايقة من هذا الأسلوب المقيت الذي يعبر عن الانحلال الخلقي، مما أضحى يتراءى ان المجتمع يتعايش مع هذه الظاهرة ولا يحرك ساكنا، مع انها جريمة ترتكب في العلن كما ترتكب في السر، الشيء الذي جعل القوانين الوطنية تنحو منحى تجريمها وتقنينها ووضع عقوبات رادعة بشأنها لان السكوت عنها ولد الكثير من المعاناة التي ظلت مكتومة خوفا من العار او السمعة او المعاتبة العائلية، فضلا عن صعوبة اثبات الفعل في مواجهة الجاني المتعنت.
وفي القانون المغربي تم تجريم التحرش الجنسي من خلال تعديل بنود القانون الجنائي سنة 2003 مؤكدا على حماية المرأة او الطفل سواء بالاعتداءات اللفظية او التهديد باستغلال السلطة او النفوذ المرتبط بالمهام الوظيفية.
ولعل الغاية من عدم إعطاء تعريف للتحرش الجنسي بشكل موحد والاقتصار على توصيف الأفعال والتصرفات يجعل المجال واسعا مراعاة للتطورات التي يعرفها العالم تقنيا وتكنولوجيا، وهكذا نجد بعض التشريعات ترى في التحرش الجنسي ذلك الفعل الذي يقع من خلال التعسف في استعمال السلطة باستخدام الأوامر والتهديد والاكراه بغرض الحصول على منفعة او مزايا ذات طبيعة جنسية، بمعنى التصرفات التي يكون الغرض منها الاغراء والتهديد لأن طرفي العلاقة ليسا متساويان من حيث المركز الذي قد يكون اجتماعيا او اقتصاديا او غير ذلك وهو المنحى الذي اتخذه المشرع الفرنسي بخلاف القانون الأمريكي الذي اعتبر التحرش الجنسي هو التمييز الجنسي غير القانوني غير المرغوب فيه يشمل السلوك اللفظي او المعاينة الجنسية او التحرش المرئي وعرض الملصقات معينة او السلوك غير اللائق.
فيما نجد القانون التونسي جعل من التحرش الجنسي كل امعان في مضايقة الغير بتكرار الأفعال والاقوال او الإشارات، القصد منها النيل من كرامة المجني عليه او تخدش شرفه وحيائه الغاية منها الاستجابة لرغبة الجاني او رغبة غيره الجنسية.
ورجوعا للقانون المغربي والذي تفطن لهذه الآفة التي أصبحت تعرف تفاقما، وظاهرة غير مقبولة مجتمعيا وللحد منها عمل على تجريم الأفعال الماسة بكرامة المرأة واعتبارها متعة الجسد بلا روح، بأن تدخل في اطار قانون المتعلق بالعنف ضد النساء من خلال تعديل بعض نصوص القانون الجنائي ونخص بالذكر الفصل 1-1-503 بانه يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي وعاقب عليه، كل من امعن في مضايقة الغير في حالات معينة الفضاءات العمومية او غيرها بأفعال او اقوال او إشارات ذات طبيعة جنسية او لأغراض جنسية كما اعتبره تحرشا جنسيا الذي يتم بواسطة رسائل مكتوبة او هاتفية او الكترونية او تسجيلات او صور ذات طبيعة جنسية او لأغراض جنسية، كما شدد العقوبة كلما كان الفعل مرتكبا من قبل احد الأصول او المحارم او من له ولاية او سلطة على الضحية او مكلفا برعايته او كافلا له او اذا كان الضحية قاصرا.( المادة 526)
ولقد اعتبر المشرع المغربي ان التحرش الجنسي نوع من أنواع العنف الجنسي والنفسي بان عرفه من خلال المادة الأولى من مشروع 13-103 المتعلق بالعنف ضد النساء، انه المساس بحرمة جسد المرأة عبر التسجيل بالصوت والصورة او أي فعل جنسي بطبيعته او بحكم غرضه ترتب عنه تشهيرا او إساءة اليها.
ولقد أحسن المشرع المغربي صنعا حينما مد التحرش الجنسي الى الفضاءات العمومية ولم يعد يقتصر على امكنة العمل او الزملاء في العمل او ممن لهم سلطة على الضحية، لأننا نرى وكما يعرفه العام قبل الخاص ان التحرش الجنسي استمد قوته من سكوت الشارع وعدم التبليغ والاشتكاء الى الأجهزة المعنية، وقبل المجتمع وتعايش مع هذه الظاهرة مما صعب امكانية ردع كل من تسول له نفسه القيام بذلك.
ومجمل القول ان التحرش الجنسي لم يبق وليد الملموس وانما انصرف الى وسائل التقنية الحديثة بان اصبح الحاسوب مأوى ومرتع للقراصنة والعابثين بالحياة الخاصة بالأفراد والأشخاص والأخص بالذكر المرأة كيفما كانت وضعيتها الاجتماعية بنشر الصور الإباحية او الصور الخاصة والرسائل الالكترونية التي تأتي من ارقام مجهولة واستعمال لمواقع اجتماعية بحسابات وهمية والمغازلة، وان كنا نرى ان المستهدفة تساهم بدورها في الحصول على الضرر الذي قد يلحقها من جراء نشر الصور في وضعيات مختلفة والتعريف بنفسها سواء بقصد او بغير قصد مما يقتنصها الجاني، اما لإعجاب او لتحقيق غرض جنسي وقد تستجيب الضحية وقد لا، لكن المحتمل قد يصير واقعا مع الوضع في الاعتبار انه في حالة الاستجابة لا نكون امام جريمة التحرش الجنسي وانما هو وصف آخر تطلب تكييفا مناسبا.
ولقد تنبه المشرع المغربي من خلال قانون 13-103 الى هذه المسألة بأن جرم استعمال رسائل مكتوبة عبر الهاتف او الكترونيا او تسجيلات او صور وهي كلها أمور تدخل في إطار جرائم معلوماتية تستخدم وتحصل بطريقة ووسيلة تقنية حديثة قد لا يدركها صاحبها غالبا الا عندما يتأكد من حصول قبول او الوقوع في المحظور من قبل الآخر.
فجريمة التحرش الجنسي لا تتحقق عناصرها التكوينية الا بتوافر الركن المادي والركن المعنوي لها.
✓ الركن المادي
يتحقق الركن المادي لجريمة التحرش الجنسي في صور متعددة، كملامسة الحواس وهي أفعال مادية كلمس متعمد او قرص او نظرات او حركات ذات معنى سلوكي جنسي او الضغط للحصول على مواعيد عن طريق الاكراه والتهديد او الأمر، كل ذلك لأجل الحصول على مزايا جنسية بمعنى ان تكون الأفعال المرتكبة غير مقبولة أخلاقيا شرعا ولا قانونا.
ويكون الركن المادي من خلال الجريمة الكلاسيكية واضحا وان كان في غالب الحالات ترتكب في خفاء بخلاف الحالة التي ترتكب فيها بطريقة الكترونية، بمعنى يكون الفعل غير تواجهي وغير مباشر الا ان ماديته قد تتحقق كدليل اثبات من خلال استمراريته عبر الهاتف والالتجاء الى التنصت غير القانوني او وضع الصور في الحائط الالكتروني للجاني، لكن يبقى السؤال هل دائما نصل الى الجاني الحقيقي ام ان الامر يبقى مستعصيا؟ كثيرا هي الحالات التي يكون الجرم فيها واقع والفاعل حاصل، لكن العلاقة السببية تقف عائقا وغير ثابتة الا ان الدليل يعوزها شأنها شأن باقي الجرائم، الا انه ليس مستحيلا، فالبحث في أمور أخرى باعتماد وسائل التقنية الحديثة بالبحث في وسائل الارتكاب للوصول الى وسائل الاكتشاف، علما ان هناك وسائل مبتكرة الكترونية قد تغير الحقيقة فيطبق الوات فاك بدلا من الوات ساب التي عن طريقها يتم اقتناص ارقام لأشخاص مستهدفة وتوحي انها هي من أرسلت الرسائل الالكترونية عبر الوت ساب وتجيب في نفس الوقت.
✓ الركن المعنوي
يتمثل الركن المعنوي في الجريمة من حيث القصد الجنائي والبحث انطلاقا هل اتجهت إرادة الجاني الى ارتكاب الفعل والقول ما إذا كانت الأفعال الصادرة عن المتهم سواء خطابات ومديح والبحث فيما إذا كانت تشكل تهديدا او اكراها في حالة إذا ما كان مرتكبها له سلطة على الضحية كرب العمل او رئيسها مع الاعتبار كيف استقبلها المعني بالأمر وهل اعتبرها مسا بالكرامة وانكارا للحرية الجنسية على الضحية ودون رغبة الطرف الآخر رجلا كان او امرأة ويدخل فيه اللمس والكلام والمحادثات الهاتفية والخطابات الغرامية والرسائل عبر الهاتف المحمول والانترنيت والاتصالات المعبرة تكون ذات مغزى جنسي وتكون من موقع القوة وقد لا تكون، كالتي تقع في الفضاءات العمومية، ونعتقد ان اللمس لشخص قد لا تجمعك به أي صلة يعد قرينة قوية على تحرش ولا يجب البحث في المفضوح والقول بمدى نية الفاعل، فالحال يغني عن السؤال كذلك أيضا المحادثات الهاتفية التي تتضمن المغازلة او المدح المبالغ فيه او ينصرف وصف المرأة المعنية من حيث قوامها وجماله مثلا او نشر الصور مخلة بالآداب بحساب شخص غريب او الرمز بالإيحاءات الجنسية.
ولعل الخلاف بين التحرش الجنسي والابتزاز يكمن في الأسلوب المعتمد لكل جريمة على حدة من ان الأول يستدرج الضحية لأجل المال بالأساس فيما الثاني يستدرج الضحية لإفراغ كبث جنسي ولا يكون المال هدفه اطلاقا، الا ان الوسيلة قد يتفقان فيها معا من حيث ارضاخ الضحية والانصياع لطلباتهما المختلفة من حيث النوع الا انها مشابهة من حيث الفعل المرتكب مع بعض الخصوصيات من ان الثانية الابتزاز يكون بالضغط والتهديد او الاكراه لأجل غرض متنوع اقتصادي، اجتماعي، سياسي وغير ذلك في حين انه في الأولى يكون الجنس أولا وأخيرا مرده الاعجاب بالآخر وقد يكون مرض نفسي او قد يكون استغلال مركز الضحية الضعيف والحاجة كما هو الحال بعلاقات العمل بين الرئيس والمرؤوس، لكن في الفضاءات العمومية تكون غالبا الاخلاق وانحلالها وليس دائما المتحرش بها يعرفها الجاني وانما الشارع هو السبيل الى ذلك كما يلعب عامل الصدفة دورا مهما في ارتكاب الفعل الجرمي كما هو الحال بالنسبة لجريمة الابتزاز المتعلقة بالجنس حيث يستعمل الوسائل الاحتيالية لإيقاع الضحايا رغم عدم معرفتهم بالجاني الى ان يقع في الفخ المنصوب وتبدا المساومة.
ويجب التفرقة بين الفعل الفاضح والفعل غير الفاضح، فالأول هو التعدي على المرأة بوجه يخدش حياءها سواء بالقول او بالفعل في مكان عام، والفعل غير الفاضح هو الذي يرتكب داخل مكان يجمع الطرفين ويدخل في كلتا الحالتين عرض مطبوعات او مخطوطات او رسومات او صور كيفما كانت او إشارات رمزية بشرط ان تكون منافية للآداب اتجاه الضحية او كالذي يعمل جهرا بالغناء امام المقصود به دلالة قوية على تحرشه الجنسي بمعنى يكون القصد الجنائي مفترض في هذه الحالة وجب المتابعة والعقاب.
❖ التهديد
عرف المشرع المغربي جريمة التهديد من خلال الفصول من425 الى 429 من القانون الجنائي، واعتبر ان كل من هدد بارتكاب جناية ضد الأشخاص او الأموال وذلك بكتابة موقع عليها او بدون توقيع او صورة او رمز او علامة (الفصل 425) وان يكون مصحوبا بالأمر بإيداع مبلغ من المال في مكان معين او بالقيام باي شرط اخر ويستوي في ذلك ان يكون التهديد وقع شفاهيا وكان مصحوبا بأمر او معلقا على شرط.
ويشترط لتوافر صحة التهديد بارتكاب جناية أربعة شروط وهي، ان يحصل التهديد في حدود ما نص عليه النص وان يكون مصحوبا بأمر والكتابة ثم القصد الجنائي.
ونقصد ما نص عليه القانون ان يكون التهديد بارتكاب جريمة ضد النفس او المال معاقب عليها مع الاخذ في الاعتبار العقوبة، وإذا ما تصفحنا الفصلين 425 و429 المذكورين فصيغ التهديد متنوعة ولم يقم بتبيان ما يعد تهديدا وما لا يعد بأن جعل الامر متروكا للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، فكل عبارة يكون من شأنها ازعاج الضحية او زرع الخوف والرهبة في نفسه لغرض منه المس في ماله.
التهديد بارتكاب جريمة ما كالسرقة او الضرب معاقب عليها اما وان ينصرف الى فعل شيء كان يقدم شخص بالتهديد على فسخ خطبة او برفع دعوى قضائية فلا وجود لجريمة التهديد هذا من جهة ومن جهة أخرى يستوي ان تكون عبارة التهديد شفوية او كتابية وسواء وجهت الى الشخص نفسه مباشرة او عن طريق الغير لكن وصلت الى علم المهدد المستهدف، ولا يشترط ان يكلف المتهم الوسيط بتبليغ عبارة التهديد الى المهدد وانما يكون كافيا اثبات نية المتهم وقصده الرامي الى إيصال التهديد الى علم المقصود بالتهديد وبالتالي يكفي توافر القصد العام على اعتبار ان ادراك الجاني وقت ارتكابه الجرم شفويا ام كتابة يراد بهما ازعاج المجني عليه ويكرهه على فعل شيء او أداء ما هو مطلوب منه، دون القصد الخاص ولا اثر للباعث ويستوي ان يكون الباعث انتقاما ام لغاية تحقيق مصلحة شخصية وقد يكون لغرض تجربة مدى شجاعة الضحية. لان ركن القصد الجنائي يتوافر بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد الى تنفيذ التهديد فعلا ومن غير حاجة الى تعرف الأثر الفعلي الذي احدثه في نفس المهدد.
ورجوعا الى مقتضى المادة 538 من نفس القانون اعتبر في مقام جنحة التهديد بإفشاء أمور او نسبة أمور شائنة ومخدشة للشرف والسمعة، ونعني بذلك افشاء اسرار خاصة او نسبة أمور ولو كانت صادقة وليس بالضرورة ان يكون المراد من التهديد بالإفشاء الامر المهدد به بطريقة علنية وانما يكفي التهديد بالإفشاء ولو تعلق الامر بشخص واحد وبطريقة سرية ويكون كافيا متى تحقق الرعب في نفس الضحية، كما يستوي في ذلك ان تكون الأمور المهدد بشأنها صحيحة او مفبركة.
ولا فرق بين ان تكون هذه الأمور المهدد بإفشائها صحيحة او مختلقة كما انه لا يشترط ان تكون هذه الأمور خاصة بشخص المجني عليه بل يصح ان تكون متعلقة بشخص آخر يهمه امره، وسواء كانت موجهة الى شخص طبيعي او معنوي ولا يلزم ان يبين الجاني للمجني عليه بعبارة صريحة الأمور الشائنة التي يرغب في افشائها بل يكفي مجرد التلميح او الإشارة ولو من طرف خفي الى هذه الأمور ولا يشترط ان تكون عبارة التهديد قد وجهت مباشرة الى ذات الشخص الذي تعمد تهديده في نفسه او في ماله وانما يكفي ان يكون الجاني قد اعد رسالة التهديد لتصل الى علم المراد تهديده سواء أرسلها اليه فتلقاها مباشرة او بعث بها الى شخص آخر فتلقاها الأخير ثم بلغها الى المجني عليه او لم يبلغها، ويشترط في هذه الحالة الأخيرة ان يثبت في حق الجاني انه لا يجهل ان الطريق الذي اختاره يتوقع معه حتما ان المرسل اليه بحكم وظيفته او بسبب علاقته او صلته بالشخص المقصود بالتهديد سيبلغه الرسالة.25
وتعتبر الكتابة أخطر واشد من التهديد بطريقة شفوية الذي قد يكون ناتجا عن غضب او انفعال عارض خلافا للكتابة التي تفيد ان هناك تخطيط وتصميم على إتيان الفعل. وربط المشرع صور التهديد بالكتابة المشمولة بالتوقيع ومن دونه او صورة او رمز او علامة مما يفيد انه جعل ذلك على سبيل الحصر علما ان الكتابة تدخل ضمنها الكتابة الالكترونية والتوقيع الالكتروني من عدمه وكذا الصور المأخوذة من الانترنيت لأشخاص معينة او رمز او علامة تفي بالغرض المؤدي الى ارتكاب الجرم.
وهنا يجب التفريق بين التهديد في إطار الفصلين المذكورين بأن يكون التهديد معلق على شرط بحيث إذا انتفى الشرط لا تقوم الجريمة، ويجب ان نميز بين التهديد والابتزاز وان أشار الفصل 538 لعبارة التهديد الا ان المشرع المغربي ربط الابتزاز عن طريق التهديد بالحصول على المال او صيغة المال وكل ما يدخل في صيغة المال، فيما التهديد العادي قد ينصرف الى القيام بعمل او الامتناع عن القيام بعمل وهذا الشرط العالق لقيام الجريمة، واما وان يكون التهديد مجرد فلا جريمة ولا عقاب وانما مجرد كلام عابر فلا تقوم به الجريمة.
ويعد التهديد المصحوب بأمر تهديدا بسيطا بحيث عاقب عليه القانون بعقوبة خفيفة بالمقارنة مع باقي الفصول، كما ان الامر لم يأخذ بعين الاعتبار مشروعيته من عدمها او تعلق بالمعني بالأمر او بغيره وحتى المتهم أيضا كالعامل الذي يهدد رئيسه بان يوظفه في مهمة معينة مثلا.
وحتى يتحقق القصد الجنائي في جريمة التهديد وجب ان يكون الفاعل يدرك وقت ارتكابه الجريمة ان الكتابة الصادرة عنه كافية لتحقيق الغرض المتمثل في بعث القلق والازعاج والاكراه في حق الضحية رغما عن ارادته وتنفيذ المطلوب منه كأمر لعدم تنفيذ الجريمة، لكن يبقى السؤال المطروح هل لا بد من ترك الأثر في نفس الضحية؟ ونعتقد ان الجريمة تكون تامة بمجرد ما يقع التهديد على الضحية دون البحث في الأسباب والبواعث، وفي هذا الصدد صدر عن محكمة النقض المصرية قرارا جاء فيه: ” القصد الجنائي في جريمة التهديد المصحوب بطلب يتوافر متى ثبت لدى المحكمة ان الجاني ارتكب التهديد وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفس المجني عليه وانه يريد تحقيق ذلك بما قد يترتب عليه ان يدعن المجني عليه راغما الى إجابة الطلب وذلك بغض النظر عما إذا كان الجاني قدم الى تنفيذ التهديد فعلا ومن غير حاجة الى معرفة الأثر الفعلي الذي احدثه التهديد في نفس المجني عليه.”26
وخلافا للتهديد بإفشاء أمور شائنة يتم الحصول على صورة للضحية بأي طريقة كانت، في وضع شائن ويعمل الجاني على تهديد الضحية بنشرها ان لم يدفع هذا الأخير مبلغا معينا، ومتى تبث ان الجاني التقط خلسة صورة للضحية وهو في وضع مناف للآداب وهدد بالتشهير بغية الحصول على المال، فيكون الجاني ارتكب الجريمة مع علمه بانه يأخذ مالا لا حق له فيه من الناحية القانونية ويعطل إرادة الضحية بطريق التهديد بالتشهير به لما من شأنه ترويع المجني عليه، وفي هذا الصدد صدر حكم قضائي جاء فيه: ” ما دام لم يصدر من المتهم على ان صور من الصور أي وعيد وإرهاب للمجني عليه من شأنه تخويفه وحمله على تسليم المبلغ الذي طلب منه وانما كان تسليم المبلغ مبنيا على سعي المجني عليه نفسه في الحصول على الرسائل التي كان المتهم محتفظا بها تحت يده والمرسلة اليه من زوجة المجني عليه فان الواقعة على هذا النحو لا تتحقق بها جريمة الشروع في الحصول بالتهديد على مبلغ النقود.”27
ورجوعا الى المادة 538 التي تعاقب على الابتزاز بالتهديد خلافا للتهديد المطلق لا يشترط فيه ان يكون مصحوبا بفعل مادي او ان يكون متضمنا إيقاع الامر المهدد به في الحال، بل يكفي مهما كانت وسيلة ان يكون من شأنه تخويف المجني عليه بحيث يحمله على تسليم المال الذي طلب منه ومتى تبث ان الضحية لم يدفع المبلغ للمتهم الا تحت تأثير التهديد الذي قد يقع عليه فان أي فعل يصدر عن الجاني يعد ضربا من ضروب التهديد ولا يغير من ذلك ان التهديد كان بالتبليغ عن جريمة لم تقع بالفعل لان صحة الواقعة المهدد بالتبليغ عنها ليست شرطا لتحقيق جريمة الابتزاز وبالمقابل من يهدد بالتبليغ عن جريمة لم تقع عليه شخصيا ويحصل بذلك على مبلغ من المال مقابل سكوته عن التبليغ مثلا يعد مرتكبا لجريمة الابتزاز عن طريق التهديد الذي وقع منه كذلك الامر بالنسبة للشخص الذي ربط طلاق زوجته مقابل ما استولى عليه منها من المال او ما في حكم المال بطريق التهديد فلا يجوز في هذه الحالة اعفاؤه من المتابعة والعقاب، الا انه لا يمكن في حالة اذا ما لم تتوافر عناصر جريمة الابتزاز وبالمقابل تتوافر عناصر جريمة التهديد ان تغض المحكمة الطرف عن ذلك وانما يتعين عليها البحث في وصف المناسب وفي هذا الصدد صدر عن محكمة النقض قرار جاء فيه: ” عدم اقتناع المحكمة بتوافر العناصر التكوينية لجنحة الابتزاز المنصوص عليها في الفصل 538 من القانون الجنائي لعدم وجود اية إشارة الى افشاء أمور شائنة تمس شرف المشتكي او بالغير لا يمنعها من إعادة تكييف الأفعال التي عرضت عليها اذا كانت تنطبق عليها اوصاف أخرى طبقا لمقتضيات المادة 368 من قانون المسطرة الجنائية.” 28
25– عدلي خليل، م س، ص 322و333.
26- ملف عدد 1616 تاريخ 21/3/1951 مجموعة القواعد الجنائية
27 – محكمة النقض المصرية، ملف عدد 133 بتاريخ 26/1/1957.
28 – مجلة الملف العدد 20 فبراير 2013 ص 173.
1