سلسلة دعاة وأئمة بمساجد القصر الكبير

بقلم : جمال عتو .
الشيخ الإمام : عبد الله اشتيوي .
” إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وماأدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر ” صدق الله العظيم .
لطالما تلا الشيخ رحمه الله هذه السورة في أواخر كل شهر رمضان وهو يؤم الآلاف من المصلين بمسجد القدس القصر الكبير ، الإمام الذي أوتي مزمارا من مزامر آل داود فبكى وأبكى بهذه الآيات الكريمات ، لا يسعنا إلا أن نحتفي _ في ليلة القدر التي أنزل فيها الله على نبي الهدى والرحمة آيات تترى _ بإمام وجلت إلى مسجده القلوب خاشعة مقبلة على تلاوته الكتاب المبين ، وأقبلت عليه وفود من داخل المدينة وخارجها .
هو الشيخ الجليل سيدي عبد الله اشتيوي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، رجل قذف الله محبته في قلوب الخلق ،
غير مامرة التقيناه وحدثناه وجلسنا بين يديه وودنا أن لانتكلم أبدا في حضرته حتى نستمتع بقراءته وأحاديثه ومواعظه وابتساماته التي يوزعها بكرم وبدون عنوان .
يقول عنه الإمام عبد الحق لحسن الخياط : ” لقد كان قدومه إلى مدينة القصر الكبير قدوم خير وبركة ويمن ، فقد كان إضافة نوعية متميزة في إحياء التلاوة المجودة، والحفظ المرتل..؛ فهو من أحيى ظاهرة التجويد بالمدينة بعد الفقيه السيد “أحمد المؤذن الحميموني” -رحمه الله- ، وكان له النصيب الأوفر من ذلك، بحكم ملازمته المدينة واستقراره بها منذ أن حل بها.. الرجل، بحق، وهب نفسه لخدمة القرآن ،وآثره على الدنيا وما فيها، وأحب هذه المدينة، وأخلص لها ، رغم أن طلبات الخروج منها، بل ومن الوطن كله كانت كثيرة ومغرية..! لكنه آثر البقاء فيها؛ ليقوم بمهمة تحفيظ القرآن الكريم خلفا لمن تقدمه. وأمنيته- كما يقول بعظمة لسانه- أن تكون كل بيوت المدينة فيها حفاظ للقرآن الكريم! وهكذا واعد نفسه أن يبقى وفيا لها،معلما للقرآن، وخادما للقرآن، ولا شيء غير القرآن!!…..”
ازداد سيدي عبد الله بن عبد السلام بن علي بن محمد اشتيوي سنة 1958 بمدشر النحل عرباوة ، التحق بالكتاب بعد السادسة من عمره بنفس المدشر سنة 1964 وتعلم الحروف الهجائية على يد الفقيه سيدي محمد الخليفي رحمه الله ، تلقى الكتابة نصا عل يد الفقيه سيدي عبد السلام بن طاهر ، وحفظ عليه سورا من القرآن الكريم ثم جلس بين يدي الفقيه الحسين والفقيه سيدي عبدالله الجغدال .
في سنة 1967 فقد والده رحمه الله وعمره حينئذ لا يتجاوز ثماني سنوات و التحق بالفقيه سيدي المختار الحمدوني فختم على يده القرآن (السلكة) بالربع ،
حفظ على يد الفقيه بن أحمد بن الخليفة الملقب بن”الميمونية” منظومة المرشد المعين للإمام ابن عاشر و بدأ معه “السلكة” من “البقرة” إلى “الناس” ، وختم السلكة الثالثة
على يد الفقيه السيد محمد بن لحسن الملقب بابن الشميمي …
انتقل رفقة ابن عمه محمد بن محمد بن علي اشتيوي إلى مدشر اولاد بوعلي قرب سيدي سليمان حيث كان إماما هناك. سنة 1969م .. ثم في السنة الموالية أخذه معه إلى مدشر اولاد معمر ، رجع بعدها إلى مدشره ليساعد إمام المسجد الفقيه سيدي أحمد الكرفطي ويقوم له بمهمة التراويح وغيرها ، لينتقل مجددا إلى مدشر مزوفرون قبيلة مصمودة ويلازم الفقيه السيد عبد السلام الخمسي ويستفيد منه ويخدمه .
التقى أثناء مشارطته كثيرا من شيوخ القراءاتت منهم الشيخ السيد “ابن عللو” والشيخ السيد “بوصخور “، والشيخ المشهور ب”الفقيه القبي” : رجل العلم والقراءات والتأليف . استفاد من الشيخ صفاء الدين الأعظمي العراقي ، صاحب القراءات والمقامات .
صار على منوال الجلوس بين أيدي الشيوخ والعلماء حتى علا كعبه في ميدان القراءات وحفظ كثيرا من المنظوات في الفقه والنحو والأصول والقراءات و نظم ابن بري و متن الشاطبية التي درسها للأجيال بمدرسة “سيدي عبد الجليل القصري” .
تلقي العلوم الشرعية بمدرسة “عين السمين” و قرأ على الشيخ أحمد الحميدي خريج القرويين الفقه والنحو والألفية. شد الرحال إلى مدرسة “خندق الزرزور” بطنجة ليتلقى العلم عن الشيخ الفقيه الأصولي النحوي السيد” عبد العزيز المرابط فقرأ عليه الفقه و الحديث و التفسير و أصول الفقه و المنطق قام بمهمة الإمامة والخطابة وهو ابن سبعة عشر سنة .
اشتغل بالمهمة بمدشر اولاد بن الذيب ، مسجد السنة بقيادة سيدي سليمان و بمدشره ” النحل ” و في سنة 1983م صلى التراويح بمسجد الفتح بالقصر الكبير.
تولى الإمامة وصلاة التراويح بمدشر التباندات لمدة ثلاث سنوات .
شارط في مدشر السواسين بمنطقة علال التازي فقضى بها سنة كاملة، ومدشر اولاد عبد الله في الزاوية ثم في مدشر المناصرة التي طهرها من البدع والخرافات .
في سنة 1988 صلى التراويح ثانية بمسجد الفتح بالقصر الكبير وقضى به أربع سنوات .
استقر بمسجد القدس بالقصر الكبير بطلب وإلحاح من الإمام أحمد شقور والصيدلي حسن أودبجي و شرع في مهمة الإمامة سنة 1995 وظل ينشط في ذات المسجد بتحفيظ القرآن الكريم وتعليم التجويد والقراءات إلى أن أقعده المرض سنة 2019 وأوكل مهمة الإمامة لتلميذه عزيز الجزولي وولده معاذ .
لقن علم التجويد بمؤسسة الفرقان للتعليم العتيق بالقصر الكبير و مقرأ نافع (منظومة ابن بري) والشاطبية بمدرسة سيدي عبد الجليل القصري بنفس المدينة ، من 2009 إلى أن أقعده المرض بداية الموسم الدراسي 2019/2020 .
تخرج على يديه أفواج من أهل القرآن : ذكورا وإناثا، بعد ما قضى ما يقرب من 45 سنة إماما في المساجد يعلم القرآن للناس : 20 سنة في البوادي والقرى و25 سنة بمسجد القدس داخل مدينة القصر الكبير .
من تلاميذته النجباء السيد محمد البدري -رحمه الله- إمام مسجد النور وأخوه بوسلهام البدري الإمام ببلجيكا والسيد عبد العزيز المريني الإمام ببلجيكا والدكتور عبد الله التوراتي، والدكتور سلمان الصمدي، والمرشد عمر فزاز ، والمرشد مصطفى السرومي، والسيد يوسف محمدي ، وعبد الله الدودي رحمه الله، و اخوه عبد النور الداودي وموسى الكنوني وعبد اللطيف الأشهب وآخرون ، ومن النساء:السيدة نادية الشليخ أستاذة بمدرسة عبد الجليل القصري،وفاطمة الحراق ،وشيماء الحراق، (دكتورة)، ونادية الإبراهيمي، والأستاذة فاطمة شقام وغيرهن كثيرات .
بزغ نجمه في التسعينات وطنيا وعالميا، وذلك بمشاركته في عدة مباريات ومسيرات قرآنية :
سنة 1993م تمكن من الفوز بجائزة الحسن الثاني في حفظ وتجويد القرآن الكريم ، وفي سنة 1997م انتقي بعد مباراة وطنية للمشاركة في المسيرة القرآنية التي تبثها القناة المغربية الأولى و في سنة 1999 م انتقي كواحد من مشاهير القرآن في العالم واستدعي لحضور الدروس الحسنية التي تلقى بحضرة أمير المومنين ، و في سنة 2000 عين رئيسا للجنةالتحكيم في حفظ وتجويد القرآن الكريم على الصعيد الوطني على قناة السادسة، وكان من أعضاء اللجنة الدكتور “احميتو” وعبد الله القصار الفاسي .
عين رئيسا للجنة التحكيم في مباراة “محمد السادس” لحفظ وتجويد القرآن الكريم ، وكان من أعضاء لجنة التحكيم السيد العيون الكوشي .
– في سنة2004م صلى التراويح خارج المملكة المغربية ببلجيكا ثم بعدها قرر أن لا يقيم التراويح خارج البلد ، بل أصر أن يقيمها داخل بلده وفي مسجد القدس حيث يقيم
.
ونترك الخلاصة للإمام عبد الحق الخياط الذي قال فيه :
” …..ان الشيخ الفقيه سيدي عبد الله اشتيوي رجل مبارك خصه الله بالقرآن فتعلمه وعلمه، وأفنى فيه عمره،وصدق فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” ، فأكرم بها من خيرية وأنعم ، نسأل الله العلي القدير ان يحشره مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين ، وأن يجعله مع السفرةالكرام البررة. آمين والحمد لله رب العالمين..” .
انتقل الشيخ سيدي عبد الله اشتيوي رحمه الله الى عفو الله ورحمته صبيحة يوم الخميس 3ربيع الثاني 1442ه الموفق ل19 نونبر 2020 .