سلسلة دعاة وأئمة بمساجد القصر الكبير

من إعداد : جمال عتو .
ناسخ المصاحف الفقيه : الهادي العسري .
هو الفقيه سيدي عبد الهادي العسري الشهير بالهادي العسري ، الشيخ العلامة ، مؤقت المسجد الأعظم بالعرائش،
ذرية جده الأكبر استوطنت منطقة الهبط، وتوزعت بين القصر الكبير والعرائش وقبيلة آل سريف وغيرها من المواطن، أسسوا بالعرائش الزاوية العسرية الكائنة بدرب الرمي (الرماة) غرب المسجد الأعظم بالمدينة القديمة .
ولد الشيخ في فاتح شهر أكتوبر عام 1924، بقبيلة آل سريف، قيادة تطفت، مدشر أمكادي ضواحي القصر الكبير ،
أتم حفظ القرآن على والده سيدي عبد السلام وسنه لا يتجاوز عشر سنين ، طلب العلم والفقه على شيوخ قبيلته، سافر بعدها إلى القرويين بفاس للتتلمذ لشيوخها الأجلاء .
عرف الفقيه بتمكنه من المعارف الشرعية من فقه وتفسير ولغة وغيرها و تصديه للفتوى .
كان رحمه الله شغوفا بكتابة المصحف، والاشتغال بالتوقيت، والعناية بالأنساب .
انخرط في العمل المؤسساتي من خلال ترأسه لفرع ” رابطة علماء المغرب ” بالعرائش لسنوات عدة وإلى يوم وفاته، وعضويته للمجلس العلمي الإقليمي لتطوان .
كتب عنه الأستاذ نورالدين لحلو :
” وهكذا فقد حبب إليه نسخ المصحف، وكان ماهرا في ذلك، وقد أسعفه خطه الجميل على أن يزين رفوف مساجد وزوايا مدينة العرائش وخزانات بعض الخواص من معارفه وعائلته بمصاحف من خطه، وقد أخبرني بعض من عرفه عن قرب أن حيزا كبيرا من وقته وغالب عمره قد قضاه في العناية بالقرآن الكريم من خلال نسخ المصحف وكتابته، توجه ذلك بكتابة مصحف من اثني عشر جزءا تسهيلا لتلاوة ” السلكة ” جماعة، وأخبرني ولده السيد عبد الباقي أن والده أهدى مصحفا بخط يده إلى مكتبة مكة المكرمة،
إن نسخ المصحف سنة ولع بها الأخيار في المنطقة، وعادة سار عليها أهل القرآن هناك، واعتبروها من الصدقة الجارية التي لا تخفى أهميتها خاصة في وقت عزت فيه الكتابة والطباعة.
كما كان للفقيه رحمه الله اهتمام متميز بعلم الفلك وفن التوقيت، واشتهر بإحاطته بمسائلهما ودقته في ذلك، فكان حجة الناس ومرجعهم الذين يصدرون عنه، وموئل المهتمين، ولهذا فقد تعددت زيارات الفقيه المؤقت العرائشي من مكناس له في بيته قصد الاستفادة منه في علم التوقيت والفلك، وقد شاركه هذا الاهتمام صهره الفقيه السيد احميميد جلول النقاشي، من فقهاء تطوان، ومما يذكر له في هذا المجال صنعه للمزولة ساعة شمسية (المسجد الأعظم بالعرائش، الزاوية المصباحية بالقصر الكبير…) ……”
وكان رحمه الله نسابة ، ضابطا لأنساب الأعلام والقبائل .
اشتغل بالتدريس ب” المسجد الأعظم “، ومارس الوعظ لسنوات بمسجد ” الأنوار “، وعمل أستاذا بالمعهد الأصيل بالعرائش، فتخرج على يده أعداد كبيرة من الطلبة الذين شغلوا مناصب مهمة .
و عن ميولاته الصوفية وحبه للعلماء وصفاته وأخلاقه يقول عنه الأستاذ نور الدين لحلو : ” لم يعرف عنه انتسابه إلى طريقة صوفية معينة، مع حبه الشديد للسماع، وانجذابه إلى حلقات الذكر، وكثرة الحديث عن المشرب الشاذلي، وشدة الإعجاب بشخصية الولي الصالح سيدي عبد السلام بن مشيش ، وكان من ديدنه أيضا المواظبة على زيارة العلماء من شيوخه وأقرانه للمذاكرة في العلم، فعرف في مرحلة شبابه برحلاته العديدة لمدن وقرى المغرب، باحثا عن العلماء، وقاصدا للزوايا في شتى ربوع المغرب، من شماله إلى جنوبه، وفي جباله وصحرائه، بل دفعه حبه للسفر بقصد المذاكرة في العلم ولقاء العلماء إلى اقتناء سيارة ” فورد ” في أوائل الستينيات من القرن الماضي، كما زار الجزائر وجبل طارق ومناطق أخرى خارج المغرب……….وفي أخريات حياته، وبعد عقد الثمانينيات من القرن الماضي كان يزور العلماء على سبيل التبرك وطلب الدعاء الصالح منهم .
لقد كان رحمه الله من منارات العلم وأئمة الهدى، واعظا متبصرا، ومرشدا مربيا، إذا نطق صعد مرقى المجد صعودا ، عرف بأخلاقه السامية، وصفاته الحميدة، وكرم الضيافة، وكان الناس يستبشرون برؤيته، ويسعدون بطلعته، ويأنسون ببساطته، وسماحة ملامحه، كان مثالا للعالم الرباني الذي قضى حياته في تلقين العلم، وخدمة المصحف، وتعليم الطلبة ، ووعد العوام ، غير متهاون في ذلك ، ولا منشغل عنه بأمر من أمور الدنيا ، ورعا ذاكرا ، رحمه الله رحمة واسعة …” .
توفي رحمه الله بمدينة طنجة متم شهر أكتوبر سنة 1997 ونقل جثمانه الى مدينة العرائش ودفن بمقبرة سيدي علال بن أحمد العسري .