مقالات و آراء

الفساد…أكبر عائق أمام التنمية…

عادل بن الحبيب

الفساد آفة العصر متواجد في كل دول العالم، بدرجات مختلفة. ويعد أحد أبرز عوائق التنمية في الدول العربية، عندما يجتمع الفساد السياسي؛ والفساد الإداري؛ والفساد المالي؛ والفساد القضائي؛ والفساد الأخلاقي في دولة قضت عليها لا محالة.

مؤشر الفساد العالمي لعام 2019 ، كشف في مجمله العام عن أن غالبية دول العالم لا تزال تفشل في معالجة آفة الفساد بفعالية، على الرغم من التقدم الطفيف الذي حققته بعض الدول. حيث حلت الإمارات أولى عربيا (21 عالميا) في جهود مكافحة الفساد . بينما جاءت الصومال في ذيل القائمة العربية والعالمية (180 عالميا) . وجاء المغرب في المرتبة (80 عالميا )و الثامنة عربيا.

سؤال مهم جدا يجب علينا طرحه: ما الفساد؟ ما حدود الفساد؟ يصعب تعريف الفساد أو تحديده بتعريف جامع مانع يغطي كل أشكاله أو حدوده. إن تعريفا جامعا للفساد يثير عددا من الإشكالات ، أولا اختلاف مفهومه أو مضمونه وحدوده في القانون عنهما عند الرأي العام. وثانيا اختلاف المفهوم أو المضمون أو الحدود بين شعب وآخر، بل بين وقت وآخر عند الشعب نفسه.
لذلك يرى جون جاردنر أن وضع تعريف للفساد يفرض البحث عنه في ثلاثة ميادين وهي ميدان القانون، وميدان المصلحة العامة ، وميدان الرأي العام .
بالنسبة إلى الرأي العام نقول إن الناس في كل مجتمع يسترشدون بالثقافة السائدة لإصدار أحكامهم أكثر من استرشادهـم بالقانـون مما يخلـق فجـوة –أحيانا– بين تعريف القانون للفساد، وما يراه الناس فسادا ، وهنا مخالفتهم للقانون تكثر. ولعل ذلك واضح جدا في المخالفات المرورية و الرشوة و المحسوبية و (باك صاحبي و انا ولد فلان) . وعندئذ تصبح مكافحة الفساد صعبة، أو -على الأصح – صعبة بمقدار اتساع الفجوة. ولما كان الأمر كذلك فإن من الأهمية بمكان فهم الرأي العام للقانون أو تنويره به من أجل تطبيق فعال له.

هناك عدة معان لظاهرة الفساد، فتارة تأخذ معنى الرشوة وتارة أخرى تأخذ معنى الاختلاس وأحيانا توصف بالمحاباة أو التدليس أو الحياد عن الحق. وهي في حقيقة الأمر كلها مفاهيم ومصطلحات تعكس ظاهرة الفساد، وتختلف نسبة تفشيها من دولة لأخرى، حسب درجة تقدمها أو تخلفها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني، إضافة إلى طبيعة الثقافة السائدة، تبعا لطبيعة التنشئة الاجتماعية والسياسية التي يتلقاها الأفراد، دون إغفال مسببات أخرى لهذه الظاهرة.
الفساد هو ” أحد الأعراض التي ترمز إلى وقوع خطأ في إدارة الدولة” بمعنى أن المؤسسات التي وجدت خصيصا لإدارة العلاقات المتداخلة بين المواطن والدولة، أضحت تستعمل عوض ذلك كوسيلة للإثراء الشخصي وإهداء المنافع إلى المفسدين.
إنه ” سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام، تطلعا إلى مكاسب خاصة مادية أو معنوية، أو هو سلوك مناطه انتهاك القواعد القانونية بممارسة أنواع معينة من التأثير تستهدف تحقيق منفعة خاصة ” . فالفاسد يستغل منصبه ونفوذه، لتحقيق مكاسب شخصية مخالفا بذلك المبادئ القانونية التي قد تحرم مثل هذا السلوك المشين. ”
ومما لا شك فيه أن ارتفاع مستوى الفساد في أي مجتمع، هو انعكاس لغياب ” الحكامة الجيدة ” ، فوجود الحكامة الجيدة، بما تفرضه من إجراءات وضوابط، كفيلة بالتقليص من ممارسات الفساد إلى أضعف مستوى، إذ تتجلى الحكامة الجيدة في العديد من المبادئ التي من شأن توافرها تضييق الخناق على الفساد والمفسدين. مع المساءلة والشفافية، وهذا هو الأهم، فبدون الشفافية لا يمكن الحديث عن الديمقراطية والتنمية، بل يمكن القول بأن الشفافية والمحاسبة هي جوهر الديمقراطية ولبها، ففي غياب الشفافية يستشري الفساد ويتعاظم. غير أنه حتى وإن وجدت بعض أجهزة الرقابة، فإن تواطؤ المفسدين – نظرا لتقارب مصالحهم وتداخلها – يجعل هذه الأجهزة مشلولة وشبه منعدمة.

غير أن تجذر ظاهرة الفساد وانتشارها بشكل واسع، يجعلها مكونا مقبولا داخل المجتمع، بحيث لا ينظر إليها بصفتها تجاوزا وخرقا للقوانين والحقوق المشروعة، بل تصير بمثابة ثمن مناسب، ينبغي دفعه كمقابل لنيل الحقوق والخدمات المضمونة قانونا ( مثلا حالة الرشوة التي تدفع من طرف المرضى أو ذويهم للاستفادة من الخدمات الطبية رغم تواضعها).
لعل أخطر ما يتولد عن ظاهرة الفساد، هو ذلك الخلل الذي يصيب أخلاقيات البشر وقيم المجتمع، مما يؤدي إلى ذيوع حالة ذهنية لدى الأفراد تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره، بحيث يصبح مقبولا لديهم، بل ومرغوبا فيه.

غير أن الأخطر من ذلك هو أن تكون هناك بيئة ملائمة تحضن الفساد وتحمي الفاسدين، بمعنى أن تلك البيئة غالبا ما تطلق العنان للفساد كي يستشري، دون متابعة الفاسدين وكبح جماحهم، مهيأة بذلك للفساد كل فرص النمو والتوسع.

فعندما ينتظم المفسدون في شبكات قوية وضاغطة، تصعب عملية مكافحة الفساد بطرق قانونية، لأنه يتحرك ضمن الدولة وليس خارج أجهزتها. الفاسدين الكبار يتوغلون في قلب النظام، بحيث يصبحون في بعض الأحيان قييمين على الدولة، إلى درجة أنهم يتحكمون في التشريع والملاحقة والمساءلة، متحصنين بذلك من خلال السلطة والقوانين.

إن مكافحة الفساد في الأنظمة الديمقراطية، هي عملية مستمرة ودائمة، لأن النظام الديمقراطي يفترض من ما يفترض انتخابات حرة ونزيهة، فالانتخابات قد تكون فرصة لإزاحة المفسدين، كما تفترض فصلا بين السلطات، وذلك للحد من استغلال النفوذ، وتتطلب أيضا قضاء مستقلا ونزيها ، يعمل على تطبيق القانون لا على خرقه ، ويحمي الأفراد والجماعات من التسلط ونهب الأموال العمومية.
وللقضاء على هذه الظاهرة يجب توسيع رقعة الديمقراطية والمساءلة ،و العمل على الإصلاح الإداري والمالي،فلا بد من وضع الضوابط والقواعد اللازمة لمنع التداخل بين المال العام والمصالح الخاصة، مع القضاء التدريجي على مفهوم ( الدولة المزرعة ) ، إذ لا زال البعض يعتبر الوظائف العامة ” بقرة حلوب ” .
و كذلك إصلاح منظومة الأجور بحيث ينبغي تحسين أوضاع صغار الموظفين الذين يساورهم الفقر، فيجدون في الرشوة الصغيرة أو سرقة المال العام ملاذا لسد العجز الحاصل في ” ميزانية ” ذويهم، حتى وإن كان مشكل الفقر ليس مبررا كافيا للفساد، بدليل أن كبار المسؤولين الذين يتقاضون أجورا عالية، هم أحيانا من أكبر ناهبي المال العام. وخلق أجهزة وآليات ترصد ممارسات الفساد وتكشف عن خيوطه وملابساته بشكل دوري ومستمر.

بالإضافة إلى الإجراءات المشار إليها أعلاه، تبقى المقاربة التربوية ومحاربة الفساد عبر المنظومة التربوية اهم ما يجب التركيز عليه، وذلك بإشاعة القيم والمثل التي تعلي من شأن الصالح العام، مع تلقين الناشئة وتوعيتها بالضوابط والمبادئ التي قد تحمي مسيرة المجتمع من الفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock