مقالات و آراء

من سيؤدي ديون الشركة في حالة عدم كفاية أو انعدام أصولها؟

الاستاذ عبد اللطيف أعمو

كثير من المحامين يعانون من صعوبة تنفيذ الأحكام التي حصلوا عليها، بعد جهد كبير، ضد شركة تجارية، غالبا ما تكون ذات مسؤولية محدودة، بما يتطلب ذلك من مشاق المساطر المعقدة، ومن النفقات المختلفة لتغطية المصاريف طيلة المرحلة الابتدائية والاستئنافية.

ولكن، عند الوصول إلى مرحلة التنفيذ يفاجئون بتحرير محاضر بانعدام الوصول إلى الشركة أو عدم وجود ما يحجز، إلى غير ذلك من المحاضر التي تفيد عدم إمكانية التنفيذ على أموال الشركة.

وغالبا ما يكون السبب هو تلكؤ المسير أو الشركاء للقيام بواجبهم نحو الشركة ونحو دائنيها. مما يترتب عنه تراكم الاخطاء في التسيير وعدم الاحتياط والإهمال والتفريط في أموال الشركة وممتلكاتها لفائدتهم الشخصية، دون مراعاة حقوق الدائنين، حيث أن هناك كثير من الشركات في حالة توقف عن الدفع، دون تحريك المساطر الجماعية، وفقا لأحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة.

فتتعرض بذلك مصالح الدائنين المتعاملين مع الشركات إلى ضرر جسيم، يقابله اغتناء أصحاب المقاولات الذين يهيكلون نشاطهم على شكل شركات ذات شخصية معنوية، كأداة للإتجار بها، وليس كأداة للاستثمار.

وهنا تكمن مبررات طرح السؤال: من سيؤدي ديون الشركة في حالة عدم وجود أو عدم كفاية أصولها؟

خلال الاسبوعين الماضيين، بادر بعض الزملاء المحامين بهيئة أكادير إلى طرح هذه الإشكالية، في حوار هادئ وممتع ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي الفوري (واتساب)، إلا أن هذا النقاش توقف دون استخلاص خلاصات ونتائج أو اقتراح الحلول الممكنة.

ومساهمة مني في هذا النقاش الصحي، أدلي ببعض الأفكار:

1- مبدأ استقلالية الذمم

وهو مبدأ يعني استقلال ذمة الشركة عن ذمة الشركاء، وما يترتب عن ذلك من عدم مقاضاة الشريك، وإلزامه بأداء ديون الشركة، وإن كان مسيرا لها.

وهذا المبدأ يشمل كل الشركات التي لها الشخصية المعنوية المستقلة عن الشركاء. لكن هناك قواعد ومبادئ أخرى توازي هذا المبدأ العام.

ويمكن تصورها في حالة الشركات ذات المسؤولية المحدودة، باعتبارها هي الغالبة في المجال التجاري. ومنها:
أ‌) مبدأ المسؤولية المحدودة، الذي يعني أن الشخص الطبيعي مطالب بالتدخل لأداء ديون الشركة التي يسيرها، ويتحمل جزءا من ديونها في حدود حصته في رأسمال الشركة، وحسب حصة مساهمته في استثماراتها. وهو المبدأ الأساسي الذي أسست عليه الشركات ذات المسؤولية المحدودة.

ب‌) ومن ضمن هذه المبادئ كذلك واجب الشركاء والمسيرين في الحفاظ بشكل خاص على ممتلكات الشركة، حسب مركز كل واحد في تسييرها.

ج‌) ومنها كذلك إحداث قواعد المسؤولية المدنية، وحتى الجنائية، لمسيري الشركات ذات مسؤولية محدودة، في حالة ثبوت ارتكاب خطإ في التسيير.

د) ومنها أيضا، تحميل المسير الخصاص الحاصل في أصول الشركة، عند تصفيتها،

والمطلوب على مستوى قضاء الأعمال، هو تفعيل هذه المبادئ وضبطها في انسجام تام، من أجل الوصول إلى خلاصة إنصاف الدائنين أمام هول تزايد الشركات المتوقفة أو الشركات الفضفاضة أو الصورية.

2 – مبدأ التصفية القضائية

استحضارا لهذا المبدإ، فسواء تعلق الأمر بالتصفية القضائية في إطار القانون العام (العقود والالتزامات – الفصول 1065 وما بعده) أو تعلق الأمر بالقواعد والمساطر الجماعية الواردة في الكتاب الخامس من مدونة التجارة ( المواد 545 وما بعده)، فإن فتح التصفية القضائية لشركة ما يطرح نفس السؤال: من سيؤدي الديون في حالة انعدام أصول الشركة أو عدم كفايتها؟

خصوصا، وأن قواعد التصفية القضائية تفرض على المصفين القيام بإحصاء وحجز كافة ممتلكات الشركة موضوع التصفية، مادية كانت أو معنوية، وذلك بقصد تحديد قيمتها ووضع موازنة لمعرفة ما إذا كانت كافية لأداء الديون المصرح بها.

هذه المسطرة التي تجعلنا أمام وضعيتين: إما أن الأموال المستخلصة من تفويت وبيع أصول المقاولة كافية لأداء ديونها. مما يترتب عن ذلك من إعلان تصفية المقاولة، مع فائض لتصفية جميع الخصوم، وإما عكس ذلك، لأن الأموال المستخلصة من بيع أصول المقاولة غير كافية لأداء ديونها. ويتم الإعلان عن قفل التصفية لعدم كفاية الأصول.

وهذه الحالة الأخيرة هي التي تطرح إشكالية من يؤدي الديون الباقية؟ وهنا تظهر أهمية استعمال وتوظيف المبادئ المشار إليها، سواء في إطار القانون العام أو في إطار قانون الشركات، ومنها:

أ) تحميل المسير خصوم المقاولة بسبب خطإ في التسيير، إما بالإهمال أو عدم الاحتياط أو بسبب قرارات غير حكيمة.

وهي حالات يتم إقرارها، حسب ما يتوفر من أدوات وأدلة، يتم إخضاعها لتقدير القضاة، حسب كل حالة على حدة. ومن خلال طبيعة كل قضية وبناء على تصرفات المسيرين النظاميين أو الفعليين.

وهنا تظهر أهمية الدفاع في محاولة بناء اجتهاد قضائي سليم وعادل، بإقامة مسؤولية المسير بناء على خطا في التسيير، من خلال بذل المجهود لتوفير وجمع الوثائق التي تثبت بأن هناك تصرفات غير رشيدة أو إهمال أو تقصير مقصود أو غير مقصود، في اتجاه يخالف المصالح الاقتصادية للمقاولة، مع بذل مجهود لإقامة الدليل على إثبات المساس بمصالح المقاولة الاقتصادية.

ومن التصرفات التي تعتبر عادة خطأ في التسيير:

• أداء صوائر ونفقات صورية وغير حقيقية،
• منح تعويضات وأجور غير مبررة،
• كفالة الديون الشخصية بأموال المقاولة،
• استعمال اقتراضات بشكل مبالغ فيه،
• عدم إيداع القوائم التركيبية داخل الأجل القانوني،
• مواصلة الاستغلال في الخسارة،….

وهذا يعني أن المسطرة الواجب اتباعها بعد الحصول على محاضر عدم تنفيذ الحكم الذي صدر في حق المقاولة، هو بداية مشوار جديد تجاه المسيرين، والبحث عن أدلة إثبات بأن هناك خطأ في التسيير، يستوجب تحميله المسؤولية، وذلك برفع دعوى المسؤولية بناء على مقتضيات المادة 67 من قانون 5. 96 المتعلق بالمسؤولية المحدودة أو ما يقابله في القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة أو مقتضيات القواعد العامة للشركات المنظمة للمسؤولية التعاقدية أو التقصيرية، حسب الأحوال، وإما برفع شكاية في إطار مقتضيات الفصول 740 و 746 و 754 و 755 من مدونة التجارة، أو الفصول 523 و 547 و 555 من القانون الجنائي.
ويمكن كذلك تفعيل مقتضيات الباب الثامن من قانون 5.96 المتعلق بالمخالفات والمتابعات الجنائية في حق الشركاء والمسيرين.

خلاصة

إن الحصول على حكم نهائي يقضي على الشركة بالأداء يعتبر حجة لإثبات الدين في ذمة الشركة.

وأن محضر عدم تنفيذه، يعتبر بداية حجة لإثبات التقصير في حق المسير، الذي هو مطالب بتنفيذ التزاماته، نحو الشركة، بنفس العناية التي يبذلها وهو يدير أعماله الخاصة. وهو بذلك يساءل عن الأضرار التي قد تسبب خسائر للأغيار، نتيجة الإخلال في العناية أو التعسف في استعمال الصلاحيات الممنوحة له.

ووسيلة إلزامه بهذا الواجب، تكمن في المقتضيات القانونية المشار إليها، والمساطر القضائية التي يجب فتحها، سواء منها المدنية أو الجنائية.

أتمنى أن أكون قد أغنيت النقاش المفتوح، وأن يكون عملنا من أجل الدفاع عن المقاولة وبذل مجهود حمايتها من تصرفات مسيريها، وواجب تكثيف هذا النوع من القضايا بقصد توفير المادة الموضوعية التي تؤسس لاجتهاد قضائي بناء وسليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock