مقالات و آراء

البرازيل : داسيلفا يساري ظلمه الخصوم وانتصر له الشعب

بقلم : سمير الضويوي

مشهد سوريالي يرتقي إلى ما فوق الواقع المرئي والمحسوس، أو ” فوق الحركات الثورية” على حد تعبير أندريه برايتون إن شئت الدقة السياسية، فالحديث عن لويس ايناسيو لولا داسلفا أيقونة اليسار البرازيلي هو بالضرورة الحديث عن المناضل النقابي المشبع بتاريخ حافل من الأحداث المتباينة التي نقشت مساره السياسي بكثير من التميز والجرأة، فقد خبر الفقر وثقافة الفقراء ومعاناتهم والذي شكل وإياهم مساحة شاسعة بحجم جغرافية البرازيل منذ حداثة سنه، فماسح الأحدية الطفل ذو 12 ربيعا علمه الطواف طوال اليوم بين شوارع وحانات ساوباولو القادم إليها من إحدى الأحياء الفقيرة بولاية بيرنامبوكو رفقة أمه واشقائه السبعة حفرت في ذاكرته حجم غائرا من الفاقة. لولا -كما يحب مناصروه منادته- بدأ نشاطه النقابي بإحدى المعامل مناضلا من أجل حقوق ملايين العمال في ضل دكتاتورية عسكرية فاسدة تسببت في اعتقاله لمدة سنة بتهمة التحريض وتهديد الامن القومي.فالتجربة السجنية اكسبته شعبية وسط الطبقة العاملة شجعته للخروج من جبة النقابي إلى مجال أرحب وأوسع حين قرر بداية ثمانينيات القرن الماضي تأسيس حزب (العمال) رفقة أكاديميين، ونخبة من المثقفين وكذلك قادة نقابيبن آمنوا بالمشروع السياسي بما أن كل الشروط الموضوعية متاحة والأهداف واضحة جريئة بل وآنية : القضاء على الفقر، إعادة توزيع الثروة، وصياغة جديدة وحديثة لدستور 1967، والقطع مع تبادل الأدوار بين قادة الجيش لتسيير البلاد بإقرار من البرلمان.فرغم الانتكاسات الانتخابية التي تعرض لها لولا خلال انتخابات بداية الثمانينات من القرن الماضي سيصبح عضوا بالكونغرس البرازيلي عام 1986، حيث سيساهم مع فريق حزبه بإقرار تعديل للدستور حيث ستشهد البرازيل أول انتخابات رئاسية عام 1989. وسيكون لولا ضمن المرشحين والتي سيخسرها رغم شعبيته الكاسحة بسبب ضغط لوبي المال ورجال الأعمال. لكن خريف 2002 سيشكل منعطفا مهما للولا حين حمله حوالي52 مليون برازيلي للرئاسة في سابقة هي الأولى عبر تاريخ الانتخابات الرئاسية بالبرازيل، ونفس الشعبية ستحمله لكرسي الرئاسة لولاية ثانية إلى 2012 عمل خلالها على تنزيل كل البرامج التي سطرها خصوصا الشق الإجتماعي في إصلاح الاقتصاد، وخلق طبقة متوسطة من الفقراء بتجويد نمط حياتهم وبالتالي توسيع دائرة الاستهلاك إلى مستويات هائلة مع الحفاض على توازن نسب النمو والتحكم في مستويات التضخم، الوضع الذي بوأ البرازيل مكانة مهمة ضمن أكبر عشر اقتصادات العالم، كما تحولت من بلد مستدين إلى بلد مقرض في ظروف قياسية بعد أن سددت كل ديونها الخارجية، وكأن رقم 2 يحمل للولا الفأل الحسن فنفس الشروط ونفس الاحداث ستعيد اليساري لولا لكرسي الرئاسة للمرة الثالثة بعد انتخابات أكتوبر 2022 فقد حمله الشعب على الأكتاف بعد خروجه من السجن وتبرأته من تهم الفساد السياسي على حساب بولسونارو المنتهية ولايته وهو اليميني المتطرف والمعروف بشعبويته لينتصر الشعب من جديد ليساري حقيقي يبني فوق الأرض وليس فوق الأوراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock