مقالات و آراء

“المغرب وفوبيا” في الجزائر

بقلم: محمد بلعيش
أوّل آيات المنافق هي أنّه إذا حدّث كذب. والكذب حسب علم النّفس هو عرض خاطئ للأحداث تكون الغاية منه خداع الآخرين. بمعنى آخر فإنّ الكذّاب إذا لم يصل إلى نقطة “خداع الآخرين”، يصبح بليدا وكذبه مكشوف يدعو للشّفقة. وهذا حال نظام العسكر، الّذي ادّعى كثيرا “لمّ شمل العرب”.
سأترك المعطيات السّيّاسيّة جانبا، وسأتكلّم عن الرّيّاضة. ما معنى أن تتحدث قناة رسميّة جزائريّة عن ألمانيا وكوستاريكا وكرواتيا وكندا، وإسبانيا واليابان، وتستثني منتخب المملكة المغربيّة الّذي كان الممثّل الوحيد للعرب ذاك اليوم؟ هل كانت لهذه القناة أن تتجاوز المنتخب المغربي لو دكّت شباكه بالأهداف البلجيكيّة؟ هل نحن نجاور دولة مسلمة، أمازيغيّة، عربيّة، إفريقيّة، أم دولة نازيّة جديدة؟ أيّ حقد وإفلاس أخلاقي ومهني وصل إليه نظام العسكر، ليزعجه فوز بسيط في عرس رياضي عالمي؟
رغم غرابة الموقف، فالقناة رسميّة، ومسيّروها مغلوب على أمرهم، و “الرّجلة واعرة” لا يقدر عليها كلّ النّاس. لكن أن تصبح وسائل التّواصل الاجتماعي، مرآة لسياسة العسكر، فنحن دون شكّ أمام حالة مرضيّة نفسيّة مستفحلة يمكن تسميّتها ب “المغربوفوبيا”. رأينا مجموعة من الشّباب في مقهى لا تسعهم الأرض فرحا بإلغاء هدف حكيم زيّاش. سمعنا هرطقات أنّ الفضل كلّ الفضل يعود لوحيد وليس وليد. “محلّلون” أو “منحلّون” يزعمون أنّ الجامعة عينت الركراكي تأثّرا بتعيين الجزائر لبلماضي. عشرات الصّفحات أزعجها جدّا فوز المنتخب المغربي، لتقلّل من حجم خصم مصنّف الثّاني عالميّا. الّذين في قلوبهم مرض، اجتهدوا وعصروا ما يشبه العقول البشريّة، ليصبح فوز المغرب أمام بلجيكا تافها. بل هناك صفحات سخرت من المنتخب التّونسي، والمنتخب السّعودي، والمنتخب الكاميروني، وقال أصحابها بأنّ المنتخب الجزائري لو تواجد لكان سيكون أفضل العرب، وأفضل الأفارقة، مع العلم أنّ التّاريخ له رأي آخر.
مقابل هذه الحالة المرضيّة الّتي يجب أن تتحوّل فيها الثّكنات العسكريّة في الجزائر، وكثير من المؤسّسات الإعلاميّة إلى مستشفى نفسي كبير يعالج أصحابه من “المغربوفوبيا”، نجد الأسرة الحاكمة في قطر تطير فرحا بتألّق أسود الأطلس. نجد تلك العائلات القطريّة الّتي خرجت لتوزيع الحلويّات في الخارج فرحا بتألّق أسود الأطلس. نجد أولئك الشباب السعوديّين الذين كسّروا باب البيت فرحا بتألّق أسود الأطلس. نجد تلك الجماعات المصريّة واليمنيّة والقطريّة والعراقيّة الّتي رقصت فرحا بتألّق أسود الأطلس. نجد القامات الكرويّة والسّينمائيّة والسّيّاسيّة عربيّا وإفريقيّا ودوليّا قالت الكثير فرحا بتألّق أسود الأطلس. لأن السّليمة قلوبهم يحبّون كلّ ما هو جميل. العرب السّليمة قلوبهم يعتبرون نجاح أيّ عربي هو نجاحهم جميعا. الأفارقة السّليمة قلوبهم يعتبرون نجاح أيّ إفريقي هو نجاحهم جميعا.
لست أدر سبب عدم تصدّي العقلاء والمثقّفين في الجزائر لهذا الحقد الممنهج. هل السّكوت علامة الرّضى؟ هل السّكوت خوف من نظام العسكر؟ لماذا صار صوت الأخوّة خافتا في الجزائر مقارنة بصوت العداء والحقد تجاه كلّ ما هو مغربي؟ إلى متى سيستمرّ هذا الصّمت؟
كعربي وإفريقي أريد أن أرى تونس والسّعوديّة والمغرب في أدوار متقدّمة، ولا يسعني أن إلّا أن أشكر دولة قطر على حسن التّنظيم وحفاوة استقبال العالم وأقول لمنتخبها خيرها في غيرها، وإن شاء الله العقبى للألعاب الأولمبيّة. وكإفريقي أتمنّى أن أشاهد السّنيغال أو الكاميرون أو غانا في المربع الذّهبي على الأقل. وكمغربي أتمنّى أن يلعب هذا الجيل المقابلة النّهائيّة لأنّه أثبت جدارته أمام ثاني وثالث النّسخة السّابقة.
الجزائريّون الّذين نجح العسكر في إقناعهم بأن المغاربة أعداء، لا يجب أن يلقوا بالا لتفوّق المغرب في مقابلة لكرة القدم، ولو وصل منتخبنا لنهائي كأس العالم بقطر إن شاء الله، بل عليهم أن يتساءلوا لماذا استطاعت قطر أن تبني كلّ تلك الملاعب والفنادق والمحطات والطّرقات والمستشفيات والآلات الإعلاميّة، فيما ظلّت دولتهم تستثمر لخمس عقود في وهم واجهة بحريّة على المحيط الأطلسي، وتترك أبناءها يموتون في البحر الأبيض المتوسّط.
بركان في 29 نونبر 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock