القضاة وضغط العمل ؟!
بقلم: عبد الرزاق الجباري
بلغت القضايا المحكومة من لدن قضاة المملكة سنة 2022 رقما كبيرا جدا، حيث تجاوزت الأربع مليون قضية، إذ قُدِّرت بالضبط في: 4.356.970 قضية.
وبالرغم من كبر هذا الرقم، فهو لا يشمل العديد من الأوامر الصادرة عن قضاة الحكم، كالأحكام التمهيدية وأحكام غرفة المشورة الصادرة في النزاعات المتعلقة بتنفيذ المقررات القضائية وبتأويلها، كما لا يشمل أوامر قضاة التحقيق، ولا ملتمسات ومذكرات قضاة النيابة العامة.
وإذا ما احتسبنا هذه الأعمال ضمن مجموع ما أصدره قضاة المملكة، لا شك سنتجاوز عقبة الخمس مليون مقرر قضائي بملتمسات النيابة العامة ومذكراتها، وهو رقم مهول مُعبرٌ عن حجم المجهودات التي يقوم بها القضاة بالمغرب، ويزداد هوله عندما نستحضر الخصاص الحاصل في صفوف القضاة، حيث لا يتجاوز قضاة الأحكام ثلاثة آلاف (3.000) قاض وقاضية، بينما لا يتجاوز قضاة النيابة العامة ألف (1.000) قاض وقاضية.
ورغم هذا المؤشر الدال على درجة الضغط الذي يرزأ فيه القضاة، يلاحظ البعض ارتفاع منسوب مساءلة هؤلاء عن أخطاء مهنية تُصَحَح، في الأصل، عبر طرق الطعن القانونية وليس عن طريق المسطرة التأديبية صونا لأمنهم الوظيفي الذي هو أساس استقلالية القضاء، خصوصا إذا علمنا أن هامش الخطأ في ضوء الرقم المشار إليه أعلاه يظل كبيرا؛ إذ كلما ازداد العمل ازدادت معه الأخطاء، والعكس صحيح؛ وهذا أمر طَبَعيٌ معاش.
وإلى جانب ذلك، لوحظ، أيضا، التأخر في صرف ما يستحقه القضاة من تعويضات -على قلتها- رغم إقرارها منذ سنوات، وهو ما يُخل بالتوازن الواجب إقامته بين العمل والتحفيز عليه من أجل التخفيف، ولو معنويا، من الضغط المصاحِب له، ناهيك أن بعض المهام القضائية يقوم بها القضاة خارج أوقات العمل وتظل دون تعويض، وهو ما يخالف مجمل الإعلانات والمعايير الدولية ذات الصلة.
وعلاوة على هذا وذاك، فإن ما بات القضاةُ يستشعرونه هو ميلُ كفة الواجبات على الحقوق، مع أن لهم حقوقا كثيرة تعين الاهتمام بها وضمانها وتطويرها، كما أن لهم بعض المصالح المشروعة البسيطة التي تتطلب، فقط، إرادة حقيقية لإقرارها وصونها وتدعيمها وإذكائها، تماشيا مع نص الدستور وروحه.
فرصد مثل هذه المؤشرات وغيرها، يُحَتِّم علينا جميعا، كل من موقعه، التدخل لمعالجتها بما يدعم ويعزز استقلالية القضاة من جهة، ويساهم في الحفاظ على الكفاءات داخل القضاء والتقليل من حالات مغادرته من جهة أخرى.