تدنيس العلم الأمازيغي في ليبيا يُثير غضب النشطاء ويُعيد إشعال الجدل حول التعددية الثقافية في شمال إفريقيا

في حادثة أثارت موجة من الغضب والاستنكار، قامت مجموعة من الأشخاص يُشتبه في صلتهم بوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية بتدنيس العلم الثقافي الأمازيغي وإجبار المارة على الدوس عليه في إحدى الطرق العامة بمدينة طرابلس. هذا الفعل الاستفزازي لم يمر مرور الكرام، بل أثار ردود فعل واسعة من قبل النشطاء الأمازيغ في شمال إفريقيا، الذين اعتبروه اعتداء صارخا على رمزٍ من رموز الهوية الأمازيغية، ومحاولةً لضرب التعدد الثقافي واللغوي في المنطقة.
عبر نشطاء وناشطات الحركة الأمازيغية بشمال إفريقيا عن غضبهم العارم إزاء هذه الحادثة، مؤكدين في بيان صادر عنهم أن “الراية الأمازيغية ليست مجرد قطعة قماش، بل هي رمز للهوية والتاريخ والتراث الأمازيغي، وهي جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الليبي”. وأضافوا أن “إهانة هذه الراية هو إهانة لكل أمازيغي ولكل ليبي يؤمن بقيم الاحترام والتسامح والتعايش السلمي”، مطالبين السلطات الليبية بالتحقيق الفوري في هذه الحادثة وتقديم الجناة إلى العدالة.
من جهتها، استنكرت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، التي يقودها رئيس الوزراء عبد الحميد الذبيبة، الحادثة بشدة، وأكدت أن رئيس الوزراء أصدر تعليمات باتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد المتورطين. وأشارت الحكومة في بيانها إلى “احترامها للهوية الأمازيغية كجزء أصيل من الثقافة الليبية، ورفضها لأي محاولات لإثارة الفتنة بين أبناء الوطن”.
في تعليقه على الحادثة، قال بوبكر أنغير، الناشط الحقوقي الأمازيغي ورئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان ، إن “تدنيس العلم الأمازيغي في ليبيا يدل على أن الأمازيغ مستهدفون من قِبَل أزلام النظام السابق، ومن قبل رافضي التعددية الثقافية واللغوية في ليبيا”. وأضاف أنغير أن “هذا الحدث يتطلب يقظة كبيرة، لأنه يعبر عن تربص قوى عديدة بالسلم الأهلي في ليبيا، وبالمنطقة المغاربية برمتها، للحيلولة دون تحقيق المطالب الأمازيغية المشروعة”.
وأشار أنغير إلى أن “معاداة الأمازيغ أصبحت عملة رائجة في عدد من المناطق بليبيا وشمال إفريقيا”، داعيا الحكومات في هذه البلدان إلى “سن تشريعات وقوانين، وتبني سياسات تصالحية مع مكون أصيل وأساسي من مكونات الهوية الثقافية لشمال إفريقيا”. واعتبر أن “أي بناء سياسي مستقبلي في ليبيا أو شمال إفريقيا يقصي الأمازيغ ويتجاهل وضعهم الديمغرافي والثقافي والحضاري، هو مشروع سياسي فاشل لا يستفيد من دروس التاريخ”.
في سياق متصل، أكد أنغير أن “الشعب الليبي وشعوب شمال إفريقيا عليها أن تستفيد من التجربة المغربية النموذجية في تدبير التعدد الثقافي واللغوي”، معتبرا أن هذه التجربة “تفتح آفاقا واعدة للمصالحات الثقافية التي نحن، كأفارقة، في أمسّ الحاجة إليها”. وأضاف أن “بناء الدولة الوطنية في بلدان شمال إفريقيا لا يمكن أن يتم دون حل علمي وواقعي تصالحي مع كل مكونات الهوية الثقافية والحضارية لشعوب المنطقة”.
من جانبه، قال يوسف بن الشيخ، ناشط أمازيغي، إن “إهانة وتدنيس العلم الأمازيغي بهذا الشكل ممارسةٌ غير مسبوقة في تاريخ القضية الأمازيغية في شمال إفريقيا”، مشيرا إلى أن “أحد أهداف هذه الخطوة هو إقحام القضية الأمازيغية في الصراع السياسي والتنافس الحاد على المناصب والحكم الذي يجري حاليًا في ليبيا”.
وشدد الناشطون الأمازيغ على أن “الإساءة التي تعرض لها العلم الأمازيغي في ليبيا هي إساءة لكل أمازيغ إفريقيا، وإهانة لحضارة ضاربة في القدم قدّمت للإنسانية الشيء الكثير”. وأكدوا أن “هذا الحدث لا يجب الاستهانة به أو اعتباره معزولا، بل يجب التعامل معه بالجدية المطلوبة، وفتح تحقيق في الموضوع، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار ما حدث”.
في الختام، تعيد هذه الحادثة إشعال الجدل حول مكانة الهوية الأمازيغية في شمال إفريقيا، وتظهر الحاجة الملحة إلى تبني سياسات تصالحية تعترف بالتعدد الثقافي واللغوي في المنطقة. كما تبرز أهمية التعلم من النماذج الناجحة، مثل التجربة المغربية، لضمان مستقبلٍ يعترف بكل مكونات الهوية الثقافية لشعوب شمال إفريقيا، ويُحافظ على حقوقها المشروعة.