المغرب، بين تطور البنيات التحتية وتدني مؤشرات التنمية البشرية

عبدالحق عندليب
إسترعى انتباهي وأنا أطلع على التقريرين السنويين لكل من المنتدى الإقتصادي العالمي حول واقع البنيات التحتية بالمغرب وتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن سنة 2023/2024 ، وجود مفارقة غريبة بين الرتبة المشرفة التي احتلها المغرب على مستوى البنيات التحتية والرتبة المتدنية التي تقبع فيها بلادنا على مستوى مؤشرات التنمية البشرية!
فقبل الوقوف على الأسباب الكامنة وراء هذه المفارقة ودلالاتها التي تدعونا كسياسيين واقتصاديين واجتماعيين وإعلاميين ومفكريين، كل من موقعه ومجال تخصصه، إلى التفكير والتدبير من أجل البحث عن الحلول ومعالجة الإختلالات، سنحاول إلقاء نظرة عن أهم ما جاء في التقريرين الدوليين على مستوى المرتبة التي يحتلها المغرب.
#ترتيب المغرب على مستوى البنيات التحتية:
في البداية نشير باختصار وعلى سبيل تقاسم المعلومة فإن المنتدى العالمي الذي يوجد مقره في جنيف هو عبارة عن منظمة دولية مستقلة تعمل على تحسين الحالة الإقتصادية للعالم من خلال إشراك رجال الأعمال والسياسيين والأكاديميين وغيرهم من قادة المجتمع.
فمن بين العناصر الإقتصادية الأساسية التي يرتكز عليها المنتدى في تشخيصه وتقييمه لواقع البنيات التحتية لكل بلد قبل تصنيفه، نذكر البنية المادية المتجلية في النقل والاتصالات والطاقة والمياه والطرقات والبنية اللامادية المتمثلة في رأس المال البشري والمدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية.
ففي تقريره الأخير، صنف المنتدى الإقتصادي العالمي المغرب في المرتبة 55 من بين 144 دولة أعضاء في المنتدى، وهو ترتيب جد مشرف يجعل بلادنا تتصدر كل دول شمال افريقيا المكونة من مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب. وتحتل على صعيد القارة الإفريقية الرتبة الثالثة وراء كل من جزر موريس والسيشل، متقدما بذلك على دول كبيرة مثل نيجيريا وجنوب افريقيا ومصر وأثيوبيا وغيرها. أما على المستوى العربي فيحتل المغرب الرتبة السادسة وراء كل من الإمارات وقطر والسعودية والبحرين وعمان، أي وراء أغنى الدول العربية بل من أغنى دول العالم. هذه المرتبة الدولية التي يحتلها المغرب جعلته يتقدم على دول صاعدة مثل إندونيسيا والبرازيل والأرجنتين والهند والمكسيك.
#ترتيب المغرب على مستوى مؤشرات التنمية البشرية:
أصدرت هيئة الأمم المتحدة تقريرها السنوي حول واقع التنمية البشرية على صعيد البلدان الأعضاء بالهيئة الذي بلغ عددها 193 دولة.
ونعلم أن مؤشرات التنمية البشرية الذي وضع مفهومها كل من عالمي الاقتصاد الباكستاني محبوب الحق والهندي أمارتياسين، تقاس على أساس ثلاثة معطيات وهي: متوسط العمر المتوقع عند الولادة، متوسط سنوات الدراسة المتوقع والقدرة الشرائية للفرد.
التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وضع المغرب في الرتبة 120 عالميا. فباارغم من التحسن الطفيف الذي حدث بانتقال بلادنا من المرتبة 123 الى المرتبة 120، يظل هذا الترتيب جد متدني يضع المغرب أسفل الترتيب على مستوى الدول الإفريقية والعربية.
#لماذا يحتل المغرب رتبة متدنية على مستوى مؤشرات التنمية البشرية؟:
لعل الجواب على السؤال يكمن أساسا في عدم الاهتمام بالرأسمال البشري كأولوية الأولويات. أي واقع التعليم وواقع الصحة وواقعةالسكن وواقع الشغل، وواقع التوزيع غير العادل للثروة الوطنية مجاليا وعلى مستوى الفئات الإجتماعية.
فالحق في الصحة العمومية للجميع حلم لازال بعيد المنال رغم كل المجهودات المبذولة لولوج الخدمات الطبية لا سيما بالنسبة لسكان العالم القروي. فقد عرت جائحة كورونا هذا الواقع وأظهرت الخصاص الكبير الذي تعاني منه بلادنا على مستوى المستشفيات والتجهيزات الطبية والأدوية وعدد الأطباء والممرضين وغيرها من النواقص.
أما الحق في التعليم فبدوره لا زال يتخبط في دوامة الإصلاحات الشكلية الموسمية التي لم تنفذ إلى عمق المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع الحيوي. فلا التجديد السطحي للبرامج والمناهج ولا الرفع من عدد المدرسين لكن بدون تحسين تكوينهم ووضعهم الاجتماعي ولا الزيادة في عدد المدارس والجامعات دون تجهيزها بما يلزم من التجهيزات والمعدات التعليمية… كل ذلك لم يستطع توفير حق التمدرس اللازم لكل الأطفال الذين هم في سن التمدرس وولوج التعليم والتكوين والاستفادة من تعليم جيد ومندمج ومنفتح على محيطه الإجتماعي والاقتصادي والثقافي والمهني. فلننظر إلى نسب التمدرس مثلا التي ما زالت لم تصل إلى المستوى المطلوب بالنسبة لكل المستويات التعليمية وإلى تزايد الهدر المدرسي الذي تؤكده الأرقام المخيفة وإلى واقع الاكتظاظ في جل المؤسسات التعليمية بسبب النقص في حجرات الدراسة وفي التجهيزات المدرسية وفي عدد المدرسين لتوفير التأطير الضروري وفي الهوة السحيقة بين ما يدرس في مؤسساتنا التعليمية وما يحتاجه المجتمع من مستوى ومعايير نوعية من الأطر.
أما بالنسبة للسكن، نقول بدون مبالغة أن نصف سكان بلادنا القاطنين في المناطق القروية لا يتوفرون على الحد الأدنى من شروط السكن اللائق وأن نسبة عالية من سكان المدن التي تنتشر على هوامشها لا زالت تحتمي من البرد والأمطار وضعف أو انعدام الخدمات الضرورية في الدواوير ومدن الصفيح.
وأخيرا على مستوى الحق في الشغل، لا زال خريجو المدارس والجامعات والمدارس العليا ومراكز التكوين يعانون من البطالة، هذه الآفة التي أخذت في التزايد من جديد خلال السنوات الماضية، لا سيما على مستوى البادية، وهي الآفة التي تجعل مئات الآلاف من الشباب يفضلون ركوب أمواج البحر عبر قوارب الموت بحثا عن فرص للشغل خارج أرض الوطن.
#أية حلول لرفع مؤشرات التنمية البشرية؟:
ليست هناك حلول سحرية، لكننا نؤكد بأن معالجة معضلة اتساع دائرة الفقر والهشاشة والإقصاء الإجتماعي والتهميش لا يمكن أن تتم إلا من خلال العمل بجد ومسؤولية على معالجة أوضاع الصحة والتعليم والشغل والسكن، وهذا يقتضي تبني مقاربة اقتصادية واجتماعية وسياسية شاملة ومندمجة بديلة عن السياسات الترقيعية التي انتهجتها حكومات بن كيران والعثماني وأخنوش خلال السنوات الماضية.
إن بلادنا في حاجة ماسة الى نخب سياسية وطنية ونزيهة وكفئة نقيض النخب الفاسدة التي أثبتت فشلها الذريع في تحقيق الحد الأدنى الضروري من الإصلاح والتغيير. يجب أن تعمل بلادنا على فرز نخب قادرة على ابتكار الحلول الناجحة من خلال إصلاح كل مؤسسات الدولة من حكومة وبرلمان وجماعات ترابية وإدارة عمومية وهو الأمر الذي يفرض المراجعة الشاملة للقوانين المنظمة لهذه المؤسسات والحرص كل الحرص على أن تتوفر للاستحقاقات الانتخابية القادمة كل الشروط والضمانات الضرورية لجعلها تختلف عن سابقاتها على مستوى الشفافية والنزاهة والصرامة في احترام القوانين وفي جعل المنافسة مبنية على معايير الكفاءة والبرامج وليس على أساس توزيع المال السائب لشراء الذمم الذي يعتبر سببا رئيسيا في إبعاد الكفاءات عن معترك المنافسة غير المتكافئة ومن ثمة عن تدبير الشأنين الوطني والمحلي وكذلك في تفاقم ظاهرة العزوف الإنتخابي.
فهل ستجد نداءت الإصلاح والتغيير آذان صاغية لإعادة الأمل الى النفوس وإعادة الثقة في المؤسسات وبالتالي فتح الطريق أمام العمل على تحسين مؤشرات التنمية البشرية وجعل بلادنا ترتقي الى مصاف الدول التي توفر لشعوبها شروط الكرامة والعدالة الإجتماعية.