التربية على التراث: مسؤولية مشتركة بين المدرسة والأسرة والمجتمع

تعد التربية على التراث مسؤولية متقاسمة تضطلع بها المدرسة، إلى جانب الأسرة ووسائل الإعلام، وباقي المؤسسات التي تؤدي وظائف ذات صلة بالتربية والتثقيف والتأطير. وتبقى بذلك مسؤولية تربوية تفرض ذاتها بإلحاح على المجتمعات المعاصرة. غير أن الاضطلاع بها يسائل بالدرجة الأولى المنظومات التربوية، ويجعل مسؤوليتها مركزية، ودورها حاسماً ودائم الراهنية. ومما يجعلها في صميم انشغالات الدولة والمجتمع، وفي صلب النقاش العمومي حول المدرسة وأدوارها الاجتماعية والثقافية والتأهيلية؛ كونها تمثل أحد مداخل تكوين وتأهيل الرأسمال البشري وتنميته بشكل مستدام.
إن تنامي الاهتمام بالتراث في شقيه المادي وغير المادي في الكثير من البرامج التعليمية العالمية، وذلك انسجاما ومقتضى المواثيق الدولية ذات الصلة بإجراءات حماية التراث الثقافي، وخاصة المادة 27 من اتفاقية التراث العالمي لليونسكو لسنة 2003 ، التي تنص على أن “تسعى الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بكل الوسائل المناسبة، ولا سيما من خلال برامج التعليم والإعلام، إلى تعزيز احترام وارتباط شعوبها بالتراث الثقافي والإعلامي”؛ هو ما يستدعي بالضرورة تنزيل أشكال تعليمية مبتكرة تستحضر الخصوصيات التراثية الوطنية.
إن من غايات التربية على التراث، هو إتاحة الفرصة لتقاسم الخبرات بهدف استيعاب مفاهيم التراث والاحتكاك به بشكل مباشر، من خلال تعزيز عدة منهجية مبتكرة للتربية على التراث، مع دعوة المتدخلين في الشأن التربوي لاستكشاف تراث المحيط القريب وابتكار أساليب التعلم والتحصيل من خلال ثيمة التراث. فمن خلال الانفتاح على تراثهم القريب، يكتسب المتعلمون المعرفة والمهارات الفكرية ومجموعة واسعة من الكفايات حول قضايا مثل الحفاظ على التراث الثقافي؛ مما يشكل أداة لزيادة أهمية التحصيل الدراسي وجودته وتحسين نتائج التعلمات .
وبغية تبديد الهوة بين الوعي المتنامي بأهمية التراث ببلادنا وبين الدور المفروض أن تلعبه المدرسة والتربية بصفة عامة، ارتأينا تنظيم هذا اليوم الدراسي، للتداول حول آليات وسبل تعزيز ودمج التراث بجميع تلويناته في في عمق المنظومة التربوية، من خلال أشكال تعليمية مبتكرة وأكثر جاذبية؛ مما يحفز المتعلمين ليكونوا فاعلين مستقبليين في المشاركة في القرار المحلي، من خلال تقربيهم من محيطهم، وتوعيتهم بمكونات بيئتهم المتعددة الابعاد.
كتحصيل حاصل، أضحى تدريس التراث وادماجه مسألة ملحة، وأن هناك تأكيد وإجماع من ذوي الاختصاص على أهمية وفعالية البعد الاجرائي في العلاقة بين التراث والتربية مما يستدعي تعبأة الجميع للترافع من أجل اقرار استراتيجية وطنية لإدماج قيم التراث في التعليم المدرسي بجميع اسلاكه، في ارتباط بالرصيد التشريعي والاصلاحي لمنظومتنا التربوية. وهذا ما سيقوي لا محالة شخصية ناشئتنا النقدية ويحصن ذاكرتهم الجماعية.