مجتمع

جدل امتحان التاريخ في الباكالوريا، تساؤلات حول حيادية المنظومة التربوية.

في خطوة أثارت الكثير من الجدل، تفاجأ تلاميذ الباكالوريا بالمغرب خلال الامتحان الوطني لمادة التاريخ هذا العام، بسؤال مقالي اعتبره عدد من المتتبعين “تدليسياً” وغير بريء في صياغته، حيث ربط بشكل غير منطقي بين الأحداث التاريخية التي شهدها المغرب إبان فترة الحماية، وبين صراعات سياسية وحروب واقتتال دائر في مناطق من الشرق الأوسط. وهو ما طرح علامات استفهام عميقة حول التوجهات التي تقف خلف إعداد بعض مضامين الامتحانات الوطنية، التي من المفترض أن تظل علمية، موضوعية، وتربوية بامتياز.
السؤال المثير للجدل لم يكن مجرد تمرين أكاديمي لتحفيز التفكير التحليلي لدى التلاميذ، بل بدا لكثيرين محاولة لزرع أفكار مؤطرة بتوجهات سياسية معينة، لا تعكس فقط اختلالا في مقاربة تدريس التاريخ، وإنما تفتح الباب أمام تشويش معرفي خطير قد يؤثر على وعي ونظرة التلاميذ للتاريخ الوطني، ويزرع اللبس بين وقائع وطنية أصيلة وصراعات خارجية لا تمت بجذورها لا لثقافة المغرب ولا لخصوصيته السياسية والتاريخية.
هذا النوع من الصياغات “الموجهة”، في نظر متابعين للشأن التربوي، يكشف أن المدرسة المغربية لا تزال رهينة خلفيات إيديولوجية وسياسية تتحكم في مضامين التعليم، بدل أن تكون مؤسسة محايدة، تعنى ببناء وعي نقدي ومعرفي متوازن، منفتح على الاختلاف، لكنه قائم على معطيات علمية واضحة.
الوضع يطرح إشكالية هيمنة تصور أحادي على المدرسة المغربية، يسعى إلى تمرير خطابات موجهة تخدم أجندات فكرية معينة، بدل أن يكون التعليم منصة لبناء جيل قادر على التفكير المستقل والحر، والتمييز بين الواقع المحلي والرهانات الجيوسياسية الخارجية. وهو ما يهدد، حسب العديد من الفاعلين، رسالة المدرسة كمؤسسة وطنية لبناء الإنسان المغربي المتوازن والواعي.
في هذا السياق، يرى بعض الأساتذة والباحثين أن طرح مثل هذا السؤال في امتحان رسمي قد يكون سابقة خطيرة من حيث التأثير السلبي على تمثل التلاميذ لتاريخهم الوطني، خصوصا إذا تم تقديمه في قوالب تشبه خطاب الدعاية السياسية، بدل أن يُطرح كمجال للنقاش الحر داخل فضاءات التحليل الأكاديمي والنقد البناء.

المطلوب اليوم، وفق أصوات تربوية غاضبة، هو مراجعة شاملة وعميقة لآليات وضع الامتحانات الوطنية، وإخضاعها لمعايير صارمة من الحياد العلمي والموضوعية التربوية، بعيدا عن أي مزايدات سياسية أو اختراقات فكرية. فالتعليم لا يجب أن يكون أداة لتكريس رؤية معينة، بل فضاء حرا لبناء الشخصية المغربية المتنورة والمنفتحة على العالم، دون أن تفقد هويتها وصلتها بجذورها.
تبقى المدرسة المغربية اليوم في مفترق طرق ، إما أن تكرّس نفسها كمؤسسة لبناء الإنسان الحر والناقد والمبدع، أو أن تسقط في فخ توجيه الأجيال نحو رؤى ضيقة لا تخدم لا الحاضر ولا المستقبل. وما حدث في امتحان التاريخ، للأسف، قد يكون جرس إنذار لمراجعة المنهجية برمتها، حماية لما تبقى من رسالة التعليم كركيزة أساسية لبناء الوطن والمواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
ر

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock