قراءة في مقال ‘لمع من طرائف الإبداع الفني ولطائفه التربوية’ المنشور في مجلة وعي العلمية والمحكمة لمحمد الحفظاوي

الباحث:محمد روي
نشر الأستاذ الدكتور محمد الحفظاوي مؤخرا مقالا أدبيا تربويا في ‘مجلة وعي للدراسات المعرفية’ في عددها السادس عام2025م، عنوانه ‘لمع من طرائف الإبداع الفني ولطائفه التربوية’، في زهاء عشرين صفحة. والواقع أن هذا المقال أحدث أثرا في نفسي، ووجدت فيه من المتعة ما جعلني أقوم بقراءته والتعريف به وبيات رأيي فيه. وهو بحق مقال يحمل من الفوائد الأدبية والقيم التربوية ما ينفع مختلف الفئات والأعمار، وإن كان يذكرنا بشيء فبما كان عليه أدباؤنا القدماء من قرض للشعر وتدوين للنثر ملهم، والفقهاءالذين كتبوا في في الفن والأدب من جنسن المقالة المروحة عن النفس بعد الجد والتفاني. ومعروف أن هذا النوع الأدبي ظاهره التسلية والنكتة، وباطنه التأثير في المدارك العقول بطريق غير مباشر، ومن هنا تكمن أهميته.
والأستاذ يعبر عن هذا المعنى بقوله: “وقد عرف تراثنا العربي فن التنكيت وابتكر الأدباء في ذلك أساليب متنوعة لغة عربية فصيحة”(ص176). غير أنه يتساءل حول الطبيعة المقاصدية(والدكتور الحفظاوي هو أستاذ المقاصد وأصول الفقه) لهذا الجنس الكتابي فيرى أن غايته إثراء “الرصيد اللغوي للقارئ، وبمضمون فكري يعالج الواقع”(ص176)، بل نراه يربط فن الكوميديا بفن العيش وأسلوب الحياةالناجح،والخلاص من الضغط الاجتماعي، يقول: “إننا نجد فن الكوميديا وسيلة ناجعة للخلاص من التوتر النفسي عن طريق الضحك الذي يعد علاجا فعالا للأعصاب المتوترة. وبإجمال فالكوميديا تخفف من وطأة مصائب الواقع المر، والحياة المعاصرة الحبلى بالأزمات المتنوعة والمكدرات الكثير”(ص176). ومن الواضح أن الكاتب ينظر إلى هذه المسألة نظرة تعليلية، فإن الاعتناء بهذا الجنس الأدبي لا يكون دون مقصد يساهم في استمرار حركة الإنسان في الوجود.
وبخصوص منهج كتابة هذا المقال فالأستاذ يصرح بأنه انتقى مختارات من النكت والطرائف من الأدب العربي القديم والمعاصر، مما لها دلالات تربوية وفلسفية، يعرضها كما يقول “مع التعليق عليها بما يناسب معناها، وما لاح [له] من أبعاد فلسفية كامنة في سياق ألفاظها بطرائق تحليلية مستمدة من المنهج النوعي، والمنهج الاستنباطي”(ص176). فبنية المقال بنية علمية مبنية على مناهج وأصول البحث العلمي، مما يؤكد قدرته على تنزيل المنهج العلمي على الأدب مثل أصول الفقه والمقاصد.
ومن جهة محتوى المقال، فالأستاذ كما تقدم عنونه بكلام بليغ سلس العبارة لطيف الدلالة: “لمع من طرائف الإبداع الفني ولطائفه التربوية”. ولو أحذنا الكلمات المفتاحية في العنوان ورمنا شرحها، فيمكن القول بأن لفظ ‘لمع’ يراد لمعان كثيرىة مثل: إضاءة وإنارة، إشراقة. ولفظ ‘طرائف’ أي نوادر، وهي الأشياء الفريدة التي تتميز بقدرتها على الإمتاع والتسلية. و’لطائف’ يراد بها الأسرار والدقائق. وعلى هذا يكون المراد بالعنوان: معان مشرقة تحمل المتعة و القيم المستقاة من نوادر الحكايات المسلية التي تتضمن نكتا تربوية. والملاحظ أن هذه الكلمات المؤسسة للعنوان هي كلمات كثيرا ما تدور في عناوين كتب علماء الإسلام، على سبيل المثال: ‘لمع الأدلة’ لأبي البركات الأنباري(ت.577هـ)، و’لطائف الإشارات’ لأبي القاسم القشيري(ت.465هـ)، و’لطائف المنن والأخلاق’ لعبد الوهاب الشعراني(ت.973هـ).
وتجدر الإشارة إلى أن الغاية المقصودة في هذه القراءة ليس إيراد كل القضايا التي تناولها المؤلف تفاديا للتكرار، طالما أن المقال موجود ويمكن الرجوع إليه، أو طلبه من الكاتب مباشرة، ولذا؛ نكتفي بإيراد العناوين الأساسية التي هندس بها مقاله. فقد قدم مقاله بمقدمة تعرف الموضوع وسياقه وتاريخه وكذا منهج بحثه، واثنتا عشرة لمعة، وهي على الشكل الآتي: 1. السمة المرحة للدين. 2. معرفة النخبة وحل مشكلات المجتمع. 3. ما تلك بيمينك يا موسى؟. 4. الرجل اليسرى غير متوضئة. 5. الجهل حافز تفقه ابن حزم. 6. العمامة لا تصنع قارئا. 7. الدجاجة والبئر. 8. حمام فوق الصومعة. 9. الأعاجم ونساؤنا في الجنة. 10. حجا بين وصفي الذكاء والغباء. 11. ضعف الراتب. 12. سأكتب وصيتي، وخاتمة ختم بها المقال. والحقيقة أن كل هذه العناوين ترجمة لنكت تربوية قيمة ينتفع بمضامينها القارئ، لما تجمع من معارف منها ما هو شرعي وما هو اجتماعي، وماهو تربوي هادف، ينبئ على تركيز المؤلف على الجمع بين ثنائية: النص/الواقع،وثنائية العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية.
وختاما؛ بالإمكان القول بأن هذا المقال تتجلى فيه أمور كثيرة من أهمها الذائقة الأدبية التي يتميز بها الكاتب في صياغة الجمل، وكذا السيولة اللفظية في صناعة الفقرات، كما يدل على تراكم في القراءة والمطالعة في الأدب القديم والحديث، وكم من مرة أخبرنا-الكاتب/الأستاذ في محاضراته بأنه كان يعتني أشد الاعتناء بالأدب، ويذكر لنا بعضا من هذه الكتابات التي شغف بها، ويحفزنا على القراءة في الأدب. وتحسن الإشارة أيضا إلى ملاحظة مهمة، وهي الإتقان والجودة في كتابة المقدمات العلمية، فالمقدمة التي كتبها المؤلف لمقاله مكتوبة بمنهج أدبي رصين؛ إذ تضمنت العناصر المعروفة، ولكن بشكل غير الشكل الذي يكتب بها مقالاته وكتبه بمقتضى أدبيات البحث العلمي الأكاديمي، بل بالطريقة التي كان يكتب بها القدماء، ومن راجع المقال يجد هذه الإشارات وغيرها من التي لم ألمح إليها.