قانون المالية 2026: استثمارات قياسية وحماية اجتماعية موسّعة… هل ستخفف العبء عن المواطن؟

ذ.مروان بل_ يأتي مشروع قانون المالية لسنة 2026 في إطار استمرارية الإصلاحات الكبرى التي أطلقتها المملكة المغربية، تجسيداً للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة وشاملة. ويرتكز هذا المشروع على أربعة محاور استراتيجية رئيسية تتمثل في ترسيخ الدولة الاجتماعية من خلال تعميم التغطية الصحية والاجتماعية، وتحسين الخدمات التعليمية والصحية، ودعم الفئات الهشة وثانيا في تعزيز الاستثمار العمومي والخاص بهدف تسريع وتيرة النمو وخلق فرص الشغل خصوصا بعدما تجاوز نسبا تاريخيا خلال العام 2024 و2025 ليصل لنسبة 12.8 بالمئة خلال الربع الثاني من العام الجاري ، أما المحور الثالث والرابع فيتوخيان تحسين الحكامة المالية عبر ترشيد النفقات وتحسين مردودية الإنفاق العام تفعيل الجهوية المتقدمة وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
ويهدف قانون المالية لسنة 2026 كذلك إلى ضمان توازن المالية العمومية مع الحفاظ على زخم النمو، حيث يتوقع أن يبلغ حجم العجز 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في سنة 2026 مقابل 3.5٪ سنة 2025، وذلك بفضل تحسن المداخيل وتوجيه الإنفاق نحو الأولويات الاجتماعية والاستثمارية، كما يُنتظر أن يحافظ الاقتصاد الوطني على وتيرة نمو في حدود 4.5 بالمائة بفضل الدينامية الاستثمارية وتحسن الطلب الداخلي.
أما الجدير بالذكر على المستوى المالي لمشروع قانون مالية 2026 ، اعتماد مقاربة جديدة لتدبير النفقات العمومية ترتكز على الكفاءة وجودة الإنجاز بدل الكم، مع إصلاحات مؤسساتية تشمل مراجعة القانون التنظيمي للمالية وتفعيل مقاربة الأداء والتقييم المستمر للمشاريع العمومية.
إعطاء الأولوية للقطاعات الاجتماعية
يواصل مشروع قانون المالية لسنة 2026 سياسة الحكومة في إعطاء الأولوية للقطاعات الاجتماعية، إذ بلغت اعتمادات وزارة التعليم والصحة والحماية الاجتماعية حوالي 140 ملياردرهم بزيادة تناهز 19 بالمائة. هاته الزيادة الضخمة في الاعتمادات تأتي كرد مباشر على الخطاب الملكي وكدا المطالب الشعبوية بتحسين وتجويد القطاعات الاجتماعية وخاصة التعليم والصحة.
قطاع التربية والتعليم
خصصت وزارة التربية الوطنية ميزانية قياسية بلغت 99.2 مليار درهم، بزيادة قدرها 13.1٪ مقارنة بسنة 2025. وتشمل هذه الزيادة أساساً النفقات المتعلقة بالأجور بعد تنفيذ الاتفاق الاجتماعي الذي نص على زيادة قدرها 1500 درهم لفائدة الأطر التعليمية. كما ستُخصّص موارد إضافية لتعميم التعليم الأولي وتحسين جودة المدارس في المناطق القروية والجبلية.
قطاع الصحة والحماية الاجتماعية
ارتفعت ميزانية الصحة إلى 42.4 مليار درهم, أي بزيادة قدرها 30 بالمائة مقارنة بالسنة الفارطة وهو أعلى مستوى يسجله القطاع. وتشمل هذه الميزانية بناء وتجهيز مستشفيات جامعية جديدة في الرباط وأكادير والعيون، إلى جانب مشاريع أخرى في بني ملال وگلميم والرشيدية، مما سيمكن من إضافة أكثر من 3,800 سرير جديد. كما تمت برمجة 8000 منصب مالي جديد لتحسن الخدمات الطبية مع تخصيص 3 مليار درهم لإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية القروية. ويُواصل مشروع قانون المالية تنزيل ورش التغطية الصحية الشاملة، حيث بلغت نسبة المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض حوالي 88٪ من الساكنة، مع تعميم أنظمة التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل.
جدير بالدكر أن المشروع قام بتخصيص اعتمادات مهمة لاستكمال تعميم أنظمة الحماية الاجتماعية وتوسيع قاعدة المستفيدين تباعا للتعليمات الملكية السامية والتي تتوخى تعميم التأمين الصحي والتقاعد على الفئات غير الأجيرة، رفع قيمة التعويضات المالية إلى مابين 50 و100 درهم لكل طفل، تخصيص دعم مباشر لأربعة ملايين أسرة في وضعية هشاشة وكدا إدماج التعويض عن فقدان الشغل ضمن النظام الموحد للحماية الاجتماعية.
الاستثمار العمومي
بلغ حجم الاستثمار العمومي الإجمالي 380 مليار درهم. أي ما يعادل 6.7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ويغطي هدا الاستثمار مشاريع كبرى في مجالات النقل، والماء، والطاقة، والتعليم، والصحة، والبنيات التحتية الترابية.
ومن أبرز المشاريع الممولة تطوير الخط الفائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، استكمال مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، توسيع شبكة المطارات والطرق السيارة، واستثمارات ضخمة في مجال الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة انسجاماً مع الطموح الوطني لجعل المغرب في طليعة الدول الرائدة في مجال الطاقات الخضراء. كل هاته المبادرات وهذا الجهد الاستثماري يهدف إلى جعل البنية التحتية الوطنية رافعة للتنمية الجهوية وجذب الاستثمار الخاص.
التنمية الترابية
يهدف قانون المالية لسنة 2026 إلى إطلاق برنامج التنمية الترابية المتكاملة، لترجمة توجيهات الملك نصره الله جعل المغرب يسير بوتيرة موحدة ودلك بميزانية تصل إلى 20 مليار درهم موجهة للمناطق القروية والجبلية الهشة. ويهدف هذا البرنامج إلى تقليص الفوارق المجالية من خلال إعادة تأهيل المدارس، وتوفير الخدمات الصحية المتنقلة، وتحسين الولوج إلى الماء والطرق القروية، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية المحلية.
الطبقة المتوسطة وتحديات العيش الكريم
يُلاحظ عند قراءة مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2026 أنّه لم يتضمّن إجراءات مباشرة أو صريحة موجّهة حصرياً لفائدة الطبقة المتوسطة، على عكس ما تم خلال سنة 2025 التي عرفت حزمة من القرارات المالية والاجتماعية شملت تحسين الأجور وتوسيع بعض الإعفاءات الضريبية، بالإضافة إلى الرفع من الاعتمادات المخصصة للقطاعات الاجتماعية التي تستفيد منها هذه الفئة بشكل غير مباشر. فخلال سنة 2025، تمّ تسجيل زيادات في رواتب موظفي التعليم والصحة، وإجراءات ضريبية لصالح بعض الفئات المتوسطة، إلى جانب دعم الأسعار والبرامج الاجتماعية، غير أنّ مشروع قانون المالية 2026 ركّز بالأساس على مواصلة تنزيل الورش الملكي للحماية الاجتماعية، وتعزيز الاستثمارات العمومية الكبرى، دون إدراج تدابير خاصة تُخفّف الضغط المالي عن الأسر المتوسطة، التي تواجه ارتفاعاً متواصلاً في تكاليف المعيشة..
مع أنّ تحسين خدمات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية يعتبر مكسباً مهماً لجميع فئات المجتمع بما فيها الطبقة المتوسطة، إلا أنّ هذه الإجراءات تبقى ذات أثر غير مباشر ولا تُعالج التحديات الاقتصادية اليومية لهذه الفئة، كضعف القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف السكن والنقل. ولعلّ المرحلة المقبلة تتطلّب مقاربة جديدة تُوازن بين العدالة الاجتماعية والتحفيز الاقتصادي، عبر إجراءات أكثر استهدافاً كالتخفيض الضريبي، دعم السكن، وتحفيز الاستهلاك الداخلي، وهي أدوات كفيلة بتعزيز دور الطبقة المتوسطة كمحرّك رئيسي للنمو.
وفي الأخير، وجب التأكيد على أن نجاح مشروع قانون المالية 2026 لن يُقاس بحجم الأرقام أو ارتفاع الميزانيات، بل بقدرة الدولة على تنفيذ المشاريع بكفاءة، وضمان الشفافية، وتحقيق الأثر الإيجابي المباشر على المواطن فإن الحكامة الجيدة، والمساءلة المنتظمة، وتبسيط المساطر، وتفعيل الجهوية في اتخاذ القرار المالي تُمثّل الشروط الحقيقية لانتقال المغرب من منطق النفقات إلى منطق النتائج. فهل سينجح المغرب والمغاربة في هدا الامتحان؟



