ثقافة وفن

واحات المغرب تحتفي بالتمر وبالاستقلال في ملتقى وطني يجمع بين التراث والتنمية

في إطار الدور الحيوي الذي تضطلع به الواحات في الحفاظ على التوازن البيئي والتنوع البيولوجي والثقافي، ومع التحديات الكبرى التي يفرضها التغير المناخي على هذه المناطق، تنظم جمعية موسم التمور، و الجماعة الترابية لتغجيجت وبشراكة مع عدد من المؤسسات الوطنية، الدورة العشرين للملتقى الوطني لموسم التمور بشعار “تثمين التمور دعامة أساسية للفلاحة التضامنية”. ستعقد فعاليات الملتقى أيام 16 و17 و18و19و 20 نونبر 2025، في الفضاءات الثقافية بتغجيجت، بمناسبة الذكرى السبعين لعيد الاستقلال المجيد.
تنعقد دورة الملتقى السنوية في سياق وطني مميز، حيث الاحتفال بالذكرى السبعين لعيد الاستقلال، وفي مثل هذا الوقت، يختلط الفرح بالافتخار، وتلتقي الذكريات الحية بالآمال المنتظرة، لتكون الذكرى السبعين لعيد الاستقلال مناسبة عظيمة لاحتفال الأمة المغربية بتضحيات الأجداد وملاحمهم البطولية. إنها الذكرى التي تظل محفورة في قلب كل مغربي ومغربية، ذكرى التحرير التي تحققت بدماء الشهداء وأحلام المخلصين، لتستعيد الأرض المغربية عافيتها ويسترجع الوطن سيادته.
وفي هذا العام، تحل الذكرى السبعين للميلاد الجديد للمغرب، والعيد الوطني يستحضر صور التضحية والنضال في جميع أرجاء المملكة، ليكون حافزا لمواصلة مسيرة البناء والتنمية في كافة المجالات.
في هذا السياق، يحتفل الملتقى الوطني لموسم التمور في تغجيجت بعيدنا الغالي، ليشكلا معا احتفالية تنبض بالوطنية والاعتزاز بالهوية الثقافية والفلاحية للمنطقة. موسم التمور، الذي بات رمزا من رموز الواحة وأحد المواعيد الهامة في تقويم أهل المنطقة، يعكس العلاقة الأبدية بين الأرض والمواطن، وبين التراث والابتكار. هو مناسبة لإبراز غنى التراث المحلي، من خلال الاحتفاء بالتمر، الذي يمثل ثمار الأرض ورمز العطاء والخصوبة، كما يُظهر قدرة الفلاحين على صناعة الحياة من قلب الصحراء و واحاتها.
وقد أصبح الملتقى الوطني لموسم التمور منذ سنوات عديدة جسرا ثقافيا يربط بين الأجيال، ويحيي الذاكرة الجماعية حول التقاليد الراسخة في زراعة التمور وطرق قطفها وتخزينها. ففي كل زاوية من زوايا الملتقى، ينبض التاريخ والحاضر معا؛ حيث يعكس المعرض تنوع أصناف التمور المغربية من خلال لوحات فنية وأطباق شهية، بينما تشهد الفعاليات الثقافية والفنية عرضا للتراث المحلي في أبهى صوره.
يبقى أن هذا الملتقى السنوي رسالة حب للوطن وإيمان راسخ بالمستقبل، مع الانتماء العميق للأرض ولعراقتها. في هذا الملتقى، لا يحتفل المغاربة بتنوع تمراثهم فحسب، بل يجسدون كذلك روح الاستقلال في معانيها الأسمى: الحرية، الكرامة، والتنمية المستدامة.
تظل ذكرى الاستقلال، كما هو الحال مع الملتقى الوطني لموسم التمور، تأكيدا على قوة الوحدة الوطنية، وعزيمة الشعب المغربي في التطلع إلى المستقبل من خلال الحفاظ على تراثه، وتكريس ثقافة التنمية المستدامة التي ترتكز على استثمار موروثه الزراعي الغني والمثمر.
إن الملتقى الوطني لموسم التمور ليس مجرد حدث ثقافي أو اقتصادي، بل هو فرصة لتجديد العهد مع القيم الوطنية التي حملتها ذكرى استقلال المملكة، ولإبراز التضحيات الجسام التي قدمتها ساكنة المنطقة في مسار إرساء الوحدة الترابية.
يهدف هذا الحدث، بالإضافة إلى تنشيط الحياة الثقافية والفنية في المنطقة، إلى فتح نقاش حول القضايا البيئية والواحية الراهنة، وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة لضمان استدامة الواحات. كما يشمل الملتقى مجموعة من الورشات التي تتناول حقوق البيئة، بالإضافة إلى مبادرات تهدف إلى تطوير العمل المدني وتعزيز قدرات الفاعلين المحليين في مجال الدفاع عن البيئة وحماية النظام الإيكولوجي في الواحات.
وفي إطار هذا الحدث، سيتم التركيز بشكل خاص على الفلاحة التضامنية، وهي نموذج فلاحي يقوم على مبدأ التعاون والتشارك بين الفلاحين والمجتمعات المحلية. تسعى الفلاحة التضامنية إلى تعزيز قدرات الفلاحين الصغار من خلال التعاون فيما بينهم ومشاركة الموارد والتكنولوجيا الحديثة، مما يساهم في تحسين الإنتاجية وحماية الموارد الطبيعية. كما تلعب الفلاحة التضامنية دورا مهما في الحفاظ على التنوع الزراعي واستخدام الأساليب المستدامة في الري والزراعة.
ويعتبر هذا النموذج من الفلاحة جزءا من الحلول المبتكرة التي تساعد المجتمعات الواحية على مواجهة التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية، من خلال تبني ممارسات فلاحية تراعي التوازن البيئي وتحافظ على جودة التربة والمياه. وتعد هذه التظاهرة الثقافية الزاخرة فرصة لتعريف المشاركين بأهمية هذه الممارسات وتحفيز الفلاحين على تبنيها لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الواحية.
يعمل الملتقى على تقديم المنصات التي تتيح للفلاحين والمزارعين المحليين عرض منتوجاتهم والترويج لها. كما يشمل الملتقى ورشات تكوينية مخصصة لتحسين سبل إنتاج وتثمين التمور، بما في ذلك تقنيات الري الحديثة، والتغليف، وتسويق المنتجات الزراعية. كما يشجع الملتقى على تطوير الصناعات المرتبطة بالتمور، والتي تساهم في توفير فرص العمل وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في المنطقة.
نوجه دعوتنا إلى جميع المهتمين والفاعلين الثقافيين والمدنيين والإعلاميين للمشاركة في هذا الحدث الثقافي، الذي يمثل فرصة للعمل المشترك من أجل إشعاع الواحات وتعريف الأجيال الجديدة بالتضحيات التي قدمتها هذه المنطقة في مسار تحرير الصحراء المغربية وبناء حاضرها ومستقبلها.
يشكل الملتقى مناسبة تاريخية للاحتفاء بما تحقق من إنجازات تنموية في أقاليم الصحراء المغربية، وخاصة في المجال البيئي والفلاحي، ولتكريس الثقافة والفن كأداة للتنمية المستدامة والوعي البيئي.
تأتي دورة هذه السنة كدورة مميزة تحتفل بها جماعة تغجيجت وجميع المشاركين في الملتقى الوطني لموسم التمور بعشرين دورة من العطاء والتوهج كأقدم ملتقى معاصر في جهة أكلميم واد نون، منذ انطلاقته الأولى، أصبح الملتقى علامة فارقة في تاريخ الواحات المغربية، حيث أسهم في إبراز أهمية قطاع التمور كرافد اقتصادي أساسي في هذه المناطق، كما ساعد في تعزيز الوعي البيئي والثقافي لدى المجتمع المحلي وزواره.
خلال هذه السنوات، شهد الملتقى تطورا ملحوظا، حيث أصبح ليس فقط منصة للاحتفاء بالتمور ومنتجات الواحات، بل أيضا ملتقى للحوار بين الفلاحين والمختصين في المجال الزراعي، بالإضافة إلى الأكاديميين والمبدعين. وبهذا، يشكل الملتقى جزءا لا يتجزأ من تقاليد المنطقة، ويعكس التزام المجتمع المحلي في الحفاظ على التراث الزراعي والبيئي، ومواصلة مسيرة التنمية المستدامة في المنطقة.
إنها لحظة تأمل وتقييم لما تحقق على مدار ما ينيف عن عقدين من العمل الدؤوب والتعاون المثمر بين الفاعلين المحليين والجهات الرسمية، وهي فرصة لتجديد العهد بمواصلة تطوير هذا الحدث الذي يساهم في إحياء وتثمين التراث المحلي، وتحقيق التنمية الشاملة في أقاليم الصحراء المغربية. وفي هذه المناسبة، يتم تكريم جهود كل من ساهم في إنجاح هذا المسار ودينامياته طوال هذه السنوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
ر

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock