مجتمع

كلمة السيد الوالي بمناسبة تخليد الذكرى 18 لإعطاء الانطلاقة للمبادرة الوطنية

-أكاديـــر، في 18 ماي 2023 –

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على الرسول الكريم
وعلى آله وصحبه أجمعين

– السيد رئيس مجلس جهة سوس ماسة؛
– السيدات والسادة المنتخبون؛
– السيدات والسادة رؤساء المصالح الخارجية وأطر القطاعات الحكومية؛
– السيدات والسادة ممثلو المجتمع المدني وممثلو وسائل الإعلام؛
– أيُّها الحضور الكريم.
يَسُرُّني، بادئ ذي بَدْءٍ، أنْ أرَحِّب بكُم جميعا في هذه التظاهُرة الفائقة الأهمية، والتي تُنَظَّم تخليدًا للذكرى الثامنة عشرة لإعطاء الانطلاقة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في مثل هذا اليوم من سنة 2005، حيث أعلنَ عنها حفظهُ الله في خطابِه التاريخي الذي وجَّهَهُ جلالتُه يَوْمَها إلى الأمَّة؛ ومما جاء فيه:

“إنَّ الأمر يتعلق بالمُعْضِلَة الاجْتماعية، التي نعتَبرُها بمثابة التَّحَدي الأكبر لـتـحـقـيـق مـشـروعِـنـا الـمُـجـتـمـعـي الـتـنـمَـوي، والـتـي قَـرَّرْنـا، بـِعَـوْنِ الله وتـَوْفِـيـقِـه، أن نـتـصـدَّى لـهـا بـإطـلاق مـبـادرة طـمـوحـة وخـلَّاقـة، باسـم”الـمـبـادرة الـوطـنـيـة للـتـنـمـيـة الـبـشـريـة”. وتـنـدرج هـذه الـمـبـادرة ضـمـن رؤيـة شُمـولـيـة، تشـكـل قِـوام مـشـروعـِنـا الـمـُجـتـمـعـي، الـمـرتـكـز عـلى مبـادئ الديـمـقـراطـيـة السـيـاسـيـة، والفـعـالـيـة الاقـتـصـاديـة، والتـمـاسُـك الاجـتـمـاعـي، والـعـمـل والاجـْتـهـاد، وتـمـكـيـن كـل مـواطـن مـن الاسـتـثـمـار الأمْـثـل لـِمـُؤهـِّلاتـِه وقـُدُراتـِه”
انتهى كلام جلالة الملك.

وهكذا شكَّلت المبادرة الوطنية، منذ انطلاقِها، ورشًا ملكيًا مفتوحًا للتنمية البشرية الْمُجَسِّدَة لفلسفةٍ رائِدَة تهْدِف إلى تقليص العجز السوسيو- اقتصادي وتسْهِيل الإدْماج للفئات الفقيرة والمُعْوِزة وصَوْنِ كرامتها، والعمل على مُعالجة مُعْضِلات الحاجَة والفقْر والإقْصاء والهشاشَة من جُذُورِها، وتكْريس مَبْدَأ التكافُل والتضامُن والتَّآزُر بين مختلف فئات الشعب في كل الظروف والأحوال، في إطار إستراتيجية شامِلة ومُندمجة ترتكزُ على الْبُعْدِ التُّرابي و تنْسجم مع الخُصوصيات المحلية، في ابْتكار الحلول الناجِعة للإشْكالِيات الاجتماعية والبشرية المطروحة وانْتهاج المقاربة التشارُكية مع مُختلف الفاعلين المعنيين، من سُلطات محلية ومجالس منتخبة وهَيْئات المُجتمع المدني.

وهي مُقاربَة مُبتكَرَة تجعل من العنصر البشري أوْلَوِيَّتَها القُصوى ومِحْوَرَها الأساسي، بالمُوازاة مع الالْتزام بالحكامة الجيدة ونَهْج سياسة القُرب وتجْسيد الديمقراطية التشارُكية في رَصْدِ مظاهِر العجز وأْوجُهِ الخصاص والحاجيات المطروحة وتحديد الأوْلَوِيَّات، وصِياغة وبَلْوَرة مكونات البرامج والمشاريع وتنفيذها وتتبُّعِها بالدقة المطلوبة، والأخذ بعيْن الاعتبار في مجال البرمجَة والتخطيط للحاجيات الواقعية والتطلُّعات المشروعة للساكنة الْمُسْتَهْدَفَة، وضَمان مُساهمتِها في تشخيص حاجياتها وتلبيَّتِها، في تجاوُزٍ تام للأنْماط البيروقراطية التي عفا عليْها الزمن.

وبذلك تُعَدُّ المبادرة الوطنية رُؤية سوسيو اقتصادية لتحقيق التنمية البشرية والسوسْيو مجالية العادلة والمُنصفة والارتقاء بمؤشراتها، تمَاشِيًا مع الأهداف الْكَوْنِيَّة الْمُتعارف عليها عالميًا للتنمية البشرية المستدامة، وذلك من خلال تحْسين وضعية الْوُلوج إلى الخدمات والتَّجْهيزات الأساسية، ودَعْم الأنشطة المُدرة للدخل والمحدثة لفرص الشغل والاعْتِناء بالرأسمال البشري ومُواكبة الأشْخاص في وضْعية هشاشة، وتقْوية قُدُرات الفاعلين المحليين.

حضرات السيدات والسادة؛
لقد شَهِدَت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حتى الآن ثلاثة مراحل مُتتالية، تمحْوَرَت خلال المرحلة الأولى، الممتدَّة ما بين سنتي 2005 و2010، حول أرْبَعَة برامج لتحْسين الأوْضاع الْمَعيشِيَّة لِلفئات الاجتماعية الْمُستهدَفة، من خلال برنامج مُحاربة الفقر في الوسط القروي، وبرنامج مُحاربة الإقْصاء الاجْتماعي في الوسط الحضري، وبرنامج مُحاربة الهشاشة، والبرنامج الأفُقي.

في حين عرفت في المرحلة الثانية، التي بدأت سنة 2011، دَفْعَةً كُبرى تَجلَّت في الرفْع من مُخَصَّصاتِها المالية، مِما مَكَنَّها من اسْتهداف العديد من الجماعات القروية والأحْياء الحضرية الناقصة التجهيز والدَّواوير الْمَعْزولة، من خلال برنامج التأهيل الترابي.

وقد حَظِيَّت المبادرة الوطنية خلال ذلك بإشَادة دولية على أعلى المستويات، وصُنِّفَت ضمن المراكز الثلاثَة الأولى لأحْسن البرامج ذات الوقْع القَوي في العالمِ أجْمع في ترْتيب البنك الدولي لسنة 2015.
وعلى إثْر النجاح الذي عَرَفَتْهُ هاتانِ المرحلتَان، وبعد عملية تقْيِيمٍ دَقيقٍ وشامِل لهُما، وانسجامًا مع مُسْتَجَدَّات ورْش الجِهوية المُتقدِّمة وما يُواكبُها من لا تمركزٍ إدَاري يرْمي إلى تحقيق الالتقائية في السياسات العمومية ، أشْرَف جلالةُ الملك محمد السادس، حفظه الله، على إعْطاء الانْطلاقة لِلمرحلة الثالثة (2019-2023)، بتاريخ 19 شتنبر 2019 ، تحصينًا للمُكتسبات المحققة في صوْن كرامة المواطن وتحسين ظروف عيشه، وبناء المُستقبل عبر إعادة توْجيه البرامج وِفْقَ هندسة مبتكرة تَتَصَدَّى، بِطريقة اسْتِباقية، لِلمصاعِب التي تُواجه الفرد طيلَةَ مراحِل نُمُوِّه، وتجاوُز المُعيقات المرصودة على مُستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية الصحية والتعْليمية، وإطلاق وتطْوير جِيل جديد من المُبادرات الْمُحْدِثَة لِفُرَص الشغل لِدَعْم التماسُك الاجتماعي والإدْماج الاقْتصادي للشباب .

وذلك من خِلال إعادة ترْكيز البرامج على النُّهوض بالرأسْمال البشري، والعناية بالأجيال الصاعِدة، والفئات في وضعية هَشاشة، وتَوْجِيه التدخُّلات نحو الجوانب اللامادية للتنمية البشرية، بالاعْتماد على مَنْهَجِيَةٍ مبْنِية على إرساء حكامَة خلَّاقة على كل المستويات، الوطني منها والجهوي والإقليمي والمحلي، فضلا عن إطارٍ للتدبير يتمثَّل في إرْساء منظومة لِلتتبع والتقْييم وإعداد التقارير، بهدف تحْقيق المزيد من الانْسجام والفعالية لِتكْريسِ دوْر المبادرة كرافِعة أساسية لتحْقيق الالْتقائية وتجسيد مُواكبة القُرب وتثْمين المؤهلات المحلية، وتعْبِئة جُهود مختلف الشركاء و الفاعلين المعنيين وضمانِ انْخِراطِهِم الكامِل من أجل تحْقيق الأهداف المُسَطَّرَة.

حضرات السيدات والسادة؛
يُشَكِّلُ إحياء الذكرى السنوية لإعطاء الانطلاقة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية فُرْصَةً مُتجدِّدَة لاسْتعراض وتقْييم حصيلة برامِجِها وتسْليطِ الضوء على مًساهمتها الفعالة في الارتقاءِ بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة ومُواكبة الأفراد في مختلف مراحل نُمُوِّهم، ومُحاربة الهشاشة والإقْصاء الاجتماعي من جُذورهما والرفع من قابِلِيَّة التشغيل واعتماد الرَّقْمَنَة في تقْريب الخدمات ودعْم ريادة الأعمال لدى النساء والشباب وتحْديد المشاريع ذات الوقْع الإيجابي اعتمادا على مُقاربة السلاسل ذات القيمة العالية.

وقد اخْتارت المبادرة الوطنية هذه السنة، التي تعدُّ الأخيرة من مدة تنفيذ مرحلتها الثالثة 2019-2023، تنْظيمَ فعاليَّاتها تحت شعار”حصيلة المنجزات والمُكتسبات -المرحلة الثالثة”، لِتَتَمَحْوَر حول اسْتِعْراض ما تحقَّقَ من إنْجازات و تشْكيل فضاءٍ لمُناقشة نِقاط القُوة فيها.

وهذا الاختيار مُسْتَمَدٌّ من الإرادة الراسِخة للسياسات العُمومية في مُواصلة العمل على تحْسين مُؤشرات التنمية البشرية بتركيز الاهتمام على الفرد في مُختلف المراحِل بدل الإنْجازات المادية، وإشْراك رُوَّاد ومُخْتَصين في تنزيل البرامج عِوَضَ التنفيذ المباشر، مع وضْع نظام لِقيادة المشاريع وضمان انخْراط كافة الشركاء لضمان الالتقائية في الجهود وتأمين التَّآزُر في الوسائل والإمكانيات.

وقد حققت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على صعيد جهة سوس ماسة، خلال الفترة الماضِيَة من عُمر هذه المرحلة، انْجازاتٍ بالغة الأهمية، هَمَّت العديدَ من القطاعات المُنْدَرِجَة ضمن برامج وأوْلَوِيات هذا الْوَرْش الملكي، مُرَسِّخَةً في ذلك المقاربة التشاركية ومُعَزِّزَة مبادئ التعاقُد والشراكة التصاعُدِيَة، مما مَكَّنَ أعدادًا كبيرة من المواطنين المُستهدَفِين من الاستفادة من البرامج والأنشطة المُندرجة في إطارها والتي مكنت من تحسين ظروف عيشهم وأتاحت لهم الفُرصة للانْخراط في مُسلسل التنمية.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار، على مُستوى عمالة أكادير إداوتنان، إلى انجاز ما يُناهز في مجموعه 290 مشروعا ونشاطا بتكلفة إجمالية تقدر بما يزيد على 605 مليون درهم، ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تمويلها بنسبة 31%. وتتعلق ، في مُجْمَلِها، بتحسين مؤشرات الرأسمال البشري وفُرص الإدماج الاقتصادي للشباب، فضلًا عن حماية ومساعدة الفئات في وضعية هشاشة وإعادة الإدماج لفائدة النساء والشباب الذين يعيشون أوْضاعًا صعبة، في الحياة الاجتماعية والاقتصادية النَّشِطَة.

ويشكل لقاؤُنا اليوم مناسبةً لتجْديد العزم على التحسين المستمر لآليَات تنْزيل وتفْعيل البرامج وتكْثيف الجهود المبذولة، فضلا عن التداوُل بين مختلف المُتدخلين والجهات الفاعِلة والشركاء حول سُبُلُ تجْويد الأداء وتنفيذ البرامج والمساهمة في إيجاد الحُلول الناجِعَة وضبْط الإجراءات الكفيلة بتحقيق الأهْداف المُسطَّرة في مجالات الاسْتِماع والتوْجيه والمُواكبة، وتطوير القُدرات لضمان التحكُّم في المُعطيات واستِثمارها وتعْزيز المُكتسبات لِتقوية الوقْع الحميد على الفئات المُستهدَفة، بما ينْسجم مع مضامين المذكرات التوْجيهية ذات الصِّلَة، لترْسيخ دعائم التنميةٍ المُندمجة والحَدِّ من التفاوُتات والفوارِق السوسيو مَجالية، بما يتكامَل مع سائر السياسات العمومية الرامِية إلى تحقيق التنمية المستدامة وبلوغ الإقلاع الاقتصادي الشامل والنهضة الاجتماعية المنشودة في مجتمع يسُوده التماسُك والتضامُن ، تحت القيادة المُتبصرة الرشيدة لصاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس نصره الله وأيدَه.

والسلام عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاتُه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock