النكسة الدبلوماسية الجزائرية ، فشل ذريع في الحصول على مقعد بمجلس السلم والأمن الإفريقي

أفاد الباحث في العلوم السياسية وتاريخ العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أن الفشل هو الحليف الاستراتيجي المستمر للدبلوماسية الجزائرية على الصعيدين الدولي والإفريقي، حيث منيت الجزائر بإخفاق ذريع في محاولتها الحصول على مقعد في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، وهو هيئة استراتيجية هامة تُعد بمثابة مجلس أمن إفريقي مصغر، يتمتع بصلاحيات تقريرية واسعة، ويؤثر بشكل مباشر على سياسات الأمن والاستقرار في القارة.
وأوضح أونغير في تصريح لجريدة “شفاف”، أن دلالات هذا الفشل متعددة، وتتمثل أولًا في أن الجزائر لا تملك أي وزن سياسي كبير في القارة الإفريقية، وأن نظامها السياسي لا يحظى بثقة الغالبية العظمى من الدول الأعضاء، خصوصًا أن التصويت على هذا المقعد يتم بطريقة سرية، مما يؤكد أن قصر المرادية، رغم إنفاقه لملايير الدولارات كرشاوى وتقديم امتيازات لعدد من الدول الإفريقية، لم ينجح في حشد الدعم اللازم، ما يعكس حجم الفشل الذي تعانيه سياسته الخارجية بسبب اعتماده نهجًا تصادميًا مع غالبية الدول الإفريقية، وعجزه عن تصحيح استراتيجيته الدبلوماسية بشكل يحترم سيادة الدول الإفريقية ويبتعد عن التدخل في شؤونها الداخلية.
وأضاف أونغير أن الدلالة الثانية لهذا الفشل الدبلوماسي تكمن في عجز النظام الجزائري عن مواكبة المستجدات والتحالفات الدولية المبنية على تبادل المصالح والتعاون المشترك، بدلًا من الاعتماد على الهبات واستمالة بعض القيادات الإفريقية بمنطق التبعية والاستغلال.
وأشار الباحث إلى أن الجزائر، عوض أن تنخرط في بناء شراكات استراتيجية حقيقية مع الدول الإفريقية، فضلت نهجًا يقوم على إثارة الخلافات وخلق سياسات المحاور، وهو ما أدى إلى عزلتها داخل القارة.
وشدد أونغير على أن هذه الهزيمة الدبلوماسية تأتي في وقت يستعد فيه الاتحاد الإفريقي لجمع التوقيعات اللازمة لطرد جبهة البوليساريو من المنظمة الإفريقية، مما يعني أن الجزائر تعيش مرحلة تراجع حاد على المستوى الإفريقي، حيث تتجه العلاقات بين الدول الإفريقية نحو استعادة التعاون والتكامل بعيدًا عن التوترات التي تحاول الجزائر تأجيجها.
وأكد الباحث أن أهمية هذا المقعد داخل الاتحاد الإفريقي تكمن في كونه يتيح للدولة التي تحظى به حق الفيتو وإمكانية التأثير على سياسات الدول الإفريقية المختلفة، ويتم الحصول عليه عبر تصويت سري من طرف الدول الأعضاء، ما كشف أن الجزائر لا تملك حتى ثلث الأصوات الإفريقية، في نكسة دبلوماسية غير مسبوقة تُضاف إلى سلسلة من الإخفاقات التي راكمتها السياسة الخارجية الجزائرية في السنوات الأخيرة.
ولفت أونغير إلى أن الأسباب التي أدت إلى خسارة الجزائر لهذا المقعد الهام تعود إلى نهجها العدائي تجاه العديد من الدول الإفريقية، بالإضافة إلى أن الأنظمة الإفريقية الجديدة التي تحكم عددًا من بلدان القارة لم تعد تربطها علاقات متينة مع النظام الجزائري، الذي ما زال يعتمد أسلوبًا دبلوماسيًا تقليديًا ومتجاوزًا في إدارة العلاقات الخارجية. وأوضح أن هذه الدول تبحث عن شراكات قائمة على الاستثمار والتعاون المتبادل وخلق فرص التنمية والازدهار لشعوبها، بدلًا من الارتباط بدبلوماسية الجزائر التي تسعى إلى خلق الانقسامات وإضعاف الوحدة الإفريقية.
النفوذ الإفريقي يتراجع
وفي السياق ذاته، يؤكد أونغير أن الفشل الدبلوماسي والافلاس السياسي للنظام الجزائري أصبح واضحًا للعيان، إذ فقدت الجزائر نفوذها التقليدي في الساحل والصحراء، وأصبحت معزولة في غرب إفريقيا.
وأبرز أن الرئيس الجزائري نفسه أقر بهذا التراجع، حيث صرّح لصحيفة لوبينيون الفرنسية الأسبوع الماضي بأن دولًا مثل مالي والنيجر رفضت المساعدات الجزائرية المشروطة، ما يعكس مستوى العزلة الذي وصلت إليه الجزائر داخل القارة الإفريقية.
وأضاف أن الجزائر فشلت بشكل كلي في التعامل مع الملف الليبي، حيث أصبحت منبوذة من جميع الفاعلين الرئيسيين داخل ليبيا، سواء في بنغازي أو طرابلس، ولم يعد لها أي تأثير يُذكر، باستثناء محاولات محدودة للحفاظ على موطئ قدم في البلاد.
وأكد أن المشير خليفة حفتر، وأمازيغ ليبيا، والجبهة الوطنية الليبية يرفضون بشكل قاطع أي تدخل جزائري في الملف الليبي، وهو ما يعكس فقدان الجزائر لنفوذها في هذه المنطقة.
أما على المستوى الأوروبي، فقد نبه أونغير إلى أن الدبلوماسية الجزائرية تراجعت بشكل مهول وأصبحت غير مؤثرة، بسبب سياسات النظام الجزائري القمعية وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وهو ما أدى إلى تأزم علاقاتها مع عدة دول أوروبية، مثل فرنسا وإسبانيا وبلجيكا.
وشدد على أن اضطهاد سكان منطقة القبائل الأمازيغية وتحركات نشطائهم على المستوى الدولي ساهم في زيادة عزلة النظام الجزائري، الذي بات يعاني من ضغوط دبلوماسية وحقوقية متزايدة.
وأضاف الباحث أن النظام الجزائري يحاول الهروب من هذه العزلة بتنظيم زيارات بروتوكولية إلى عواصم أوروبية ثانوية، لا تزال تعيش في ظل الحرب الباردة، لكنه لم يتمكن من تحقيق أي اختراق دبلوماسي حقيقي، مما يؤكد مدى تراجع تأثير الجزائر على الساحة الدولية.
تحالفات تحسم المعركة
وفيما يتعلق بالعلاقات المغربية الإفريقية، شدد أونغير على أن المغرب يظل قوة دبلوماسية فاعلة في القارة، ومن المستحيل أن تتمكن الجزائر من تجاوزه بدبلوماسية الغاز مقابل السياسة.
وأكد أن المغرب استطاع كسب ثقة لاعبين دوليين مؤثرين في المشهد العالمي، لا يمكن للجزائر استمالتهم أو شراؤهم رغم الصفقات العسكرية الكبرى التي أبرمتها مع العديد من الدول.
وأشار إلى أن الجزائر أنفقت هذه السنة حوالي 25 مليار دولار على التسلح، أي ما يمثل 25% من ميزانيتها العامة، في محاولة لكسب دعم بعض الدول الأوروبية والأمريكية، لكن هذه السياسة لم تحقق أي نتائج إيجابية، لأن المال لا يشتري احترام الشعوب ولا اعتراف الدول، بل وحدها المواقف والمبادئ الراسخة هي التي تصنع قوة العلاقات الدولية.
وشدد أونغير أن المغرب يتمتع بعدة خصائص دبلوماسية لا تملكها الجزائر، أبرزها الروابط التاريخية والروحية التي تربطه بعدد من الشعوب الإفريقية، فضلًا عن دور جلالة الملك محمد السادس في توجيه السياسة الخارجية للمملكة، ما جعل الدبلوماسية المغربية متوازنة وحريصة على بناء علاقات إيجابية مع جميع الدول، بعيدًا عن التدخل في شؤونها الداخلية، على عكس الجزائر التي تتورط في النزاعات المسلحة داخل إفريقيا والشرق الأوسط، مما جعلها مرتبطة بالعنف والتطرف وعدم الاستقرار في أعين المجتمع الدولي.
وأنهى أونغير تصريحه بالتأكيد على أن المغرب لم يعتبر الجزائر يومًا دولة عدوة، بل بذل جهودًا دبلوماسية حثيثة لتجاوز سوء الفهم الكبير بين البلدين، حيث عمل جلالة الملك جاهداً على تصفية الأجواء وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، غير أن جميع المبادرات المغربية قوبلت بالتعنت والتآمر من قبل النظام الجزائري، الذي استمر في تبني سياسات عدائية ضد المغرب في مختلف المحافل الدولية والإقليمية.