ثقافة وفن

الفن و نجومه في المغرب بين التشهير و الهرطقة

يوسف بولمان
يقول المثل العربي القديم (الإشاعة يؤلفها الحاقد و ينشرها الأحمق) ، فكثيرا ما أصبحنا نستيقظ على أخبار مشاهير و نجوم الموسيقى و الغناء ،و حياتهم الشخصية ، أخبار إصداراتهم و تعاقداتهم ، ارتباطاتهم ، زواجهم و طلاقهم، حتى أخبار موتهم و اعتزالهم ، سواء عبر وسائل الإعلام الرقمية أو المكتوبة أو السمعية أو المرئية ،الرسمية منها و الغير الرسمية، أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي أيضا ،أخبار صباحية و مسائية و أخرى في الظهيرة ،أخبار بالجملة، إعلام شغله الشاغل النجوم المشاهير الذين يشكلون المادة الإعلامية الدسمة ، التى يميل الناس إليها و يعشق الجمهور تتبعها ، ذنبهم الوحيد أن لهم عددا كبير من المتتبعين و المحبين على( الانستغرام و الفايسبوك و اليوتيوب) ،
من هم هؤلاء المشاهير الذين يشكلون المادة الدسمة للإعلام إذن ؟ و من أين جاؤوا ؟
و ما الغاية من تواجدهم ؟ و ما طبيعة الإعلام الذي يهتم لهم ؟
إن حاولنا فهم المشاهير و معرفة منابع تكونهم و وجودهم ، و خلفيات مستشهريهم ، سنجد أنهم مجموعة من المشاهير التافهين و الذين يشكلون كوكبة من الفنانين الإفتراضين القادمين من اللاوعي و الوعي التافه ، و الذوق الفني العقيم لمرتدي مواقع التواصل الإجتماعي القاصرين ،
و أحيانا أخرى من البرامج الفنية التلفزيونية و الفضائيات العربية ،التى تأخذ من العهر و الزندقة و التعري مشهدا و محتوى لها ، (ارب ايدول ) (سوبر سطار ) (إكس فاكتور )(دي فويس)( سطار اكاديمي ) و برامج متعددة أخرى ، تستغبي الناس ، تستثمر في جهلهم ،
مغنيون و راقصات و أشباه الفنانين ، وجدوا من العدم ، يعتبرون من أهل الفن و الإبداع ، يحاورون الإعلام كأنهم رسل منزلين ، ينفون الإشاعات المغرضة عن أنفسهم ، يتحدثون و يفسرون على كيف رؤياهم ، كأنهم ملائكة من السماء لا تخطئ ،كأنهم علماء منجمين أو منظرين ينتمون إلى عصر النهضة ، و نسوا أنهم أنفسهم مجرد إشاعة تافهة ، و جودهم على الشاشات و الإعلام ضياع للوقت و متاهة للوعي ، و شهرة أمثالهم تأكد أننا في زمن الانحطاط و السهو و التخلف ،
إيهاب الأمير ، الفنان المشهور ، قد يكون على قدر من الموهبة الموسيقية و الغناء، لكن ليس إبداء الرأي في أمور تخص التعليم و العلوم و المعرفة العلمية ، فذلك لأهل الإختصاص، ففي أحد البرامج التافهة للقناة المغربية دوزيم (رشيد شو)، و الذي يستضيف شردمة من المرتزقة و الجهل، لا غير ، أشباه الموسيقيين ،و المتطفلين على الميدان ، قد صرح إيهاب الأمير أثناء استضافته بالبرنامج المذكور ، بعفوية و استهزاء قاتلين ، بالدرجة المغربية قائلا : (ما عرفتش علاش كيقراو الفلسفة ، و شنو الفائدة منها ، أنا بعدا ما عنديش معاها ) ، خارج سياق الحوار المتبادل مع مقدم البرنامج ، دون أن يجد جواب أو رد ، كأن سؤاله منطقي و لا جواب له ،
و تحدث أيضا عن كثرة معجباته من الفتيات، كيف يترك إذن نجم مشهور مراهق أن يمرر الرسائل اللاواعية القاتلة ، المشبوهة و المفسدة لأخلاق الشباب و التنشئة ؟

فنانون آخرون لا نعلم من أين جاءوا ؟ سوى أن مواقع التواصل الإجتماعي الحمقاء لعبت دورا هاما في إظهارهم و إيصالهم و شهرتهم ، و هي الآن نفسها من تقوم بنشر إشاعات حولهم و التعريض بهم ، إعلام وهمي تجاري أصبح همه الوحيد إيجاد المادة الدسمة ، و لو كانت على حساب خصوصيات المشاهير و أعراضهم ، ماذا ننتظر إذن من مراهق لعبت الصدفة دورا في شهرته ، يحكي لمتابعيه و معجباته عن تجاربه العاطفية و الجنسية و حياته الخاصة ؟
ماذا ننتظر و ماذا ننتظر …؟سوى توليد و صنع مجتمع هش و منخور تقافيا ومعرفيا و أخلاقيا ، مجتمع يأخذ من (با عبد المجيد) الحلايقي المراكشي نمودجا في النكته و الفكاهة ، بأسلوب كلامه السوقي الذي يخدش حياء أبناء المغرب و أخلاقهم ، مجتمع يأخذ من( نيبا ) نمودجا في النرفزة و العصبية في حياته اليومية ،
دون أن ننسى التطرق إلى قضية العام ، في عالم الشهرة و الفن ،(قضية حمزة مون بيبي) ،التى استأثرت الرأي العام هذه السنة ، بغض النظر على أحداثها وأسرارها ،و بكل اختصار فتلك القضية تجعلنا نستنتح شيئا وحيدا ألا وهو تدني مستوى الوعي لدى أطراف القضية ، الدسائس ، الكره ، نصب الفخاخ لبعضهن البعض ، كأنهن أو كأنهم في حرب، صراع لا أخلاقي ،أطاح من سموا أنفسهم بأعمدة الفن ، أهذا هو الفنان المغربي ؟ أ هكذا يفكر ؟ و كيف ورطوا أنفسهم بقضية كهذه إذن ؟
فقبل الحديث عن من يروج إشاعات تمس حياتهم كمشاهير. ، يجب أن نسأل من أين جاؤوا هم أنفسهم ؟ من صنعهم و أخرجهم إلى الوجود ، إلى عالم الفن و الشهرة؟
ألم يأتوا هم أيضا من رحم الإشاعات و التفاهات ؟ من رحم قنوات العهر العاهرة الشبيهة بقنوات روتيني اليومي ، و التي تحصد أكبر عدد من نسب المشاهدة على الإنترنيت؟ ولماذا يقيسون نجاحهم بعدد المشاهدات ، و ينسون أن ورائهم جمهور قاصر ، يغيب عنه النصح و النضج ؟
فكيف نحمي أجيالنا الناشئة من سهولة وصول هؤلاء إليهم ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock