تساؤلات عريضة حول برنامج حكومة الملياردير أخنوش..

عبدالحق عندليب
عقدت حكومة أخنوش أول اجتماع لها عن طريق تقنية التناظر عن بعد، عرض فيه رئيس الحكومة الخطوط العريضة لبرنامجه الحكومي.. وقد حدد العرض 10 إلتزامات حكومية للولاية القادمة انطلق في مستهلها من استحضار المبدأ العام المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة والذي أصبح ترديده يذكرنا بما رددته حكومة بنكيران وحكومة العثماني من شعارات من قبيل محاربة الفساد. وفي هذا الصدد كان حريا بأخنوش أن يدعم الارتفاع النسبي لنسبة المشاركة في انتخابات 8شتنبر 2021 برفع منسوب الثقة في العمليات الانتخابية برمتها من خلال الإعلان عن نية الحكومة البث بشكل صارم في كل ملفات الفساد التي تورط فيها العديد من أعضاء الحكومة السابقة والبرلمانيين أعضاء مجلس المستشارين ورؤساء العديد من الجماعات الترابية ورؤساء العديد من المصالح التابعة لعدد من القطاعات الحكومية والذين أعطوا صورة سوداء ترسخت في ذهن المواطنات والمواطنين، بل على العكس من ذلك فقد طبعت( بتشديد الباء) الحكومة الجديدة منذ الوهلة الأولى مع سوء التدبير والفساد من خلال تعيين عدد من المسؤولين من بين أعضاء الحكومة وعلى رأس المؤسسة التشريعية الذين تحوم حولهم الكثير من الشكوك حول نزاهتهم وكفاءتهم. إضافة إلى ذلك فقد كانت سلطة المال حاضرة بقوة خلال الانتخابات الماضية حيث نزل المال بغزارة في خرق لمقتضيات القوانين الجاري بها العمل بدون حسيب ولا رقيب وهو ما أعطى الإمتياز الكبير ل”مول الشكارة” على حساب الكفاءات والبرامج، مما يطرح اليوم سؤال كبيرا على نظامنا الانتخابي هل لازال صالحا لفرز نخب سياسية كفأة ومؤهلة ونزيهة قادرة على مواجهات ما ينتظر بلادنا من تحديات؟
في تحديده للالتزامات الحكومية للولاية القادمة اعتبر أخنوش في معرض برنامجه أنه سيعمل على توفير مليون منصب شغل. وهنا نتسائل هل هذا الرقم البراق كاف للقضاء على معضلة البطالة، خاصة في صفوف الشباب وبالأخص في صفوف خريجي الجامعات والمعاهد العليا؟ إن الوضعية الراهنة للبطالة تقتضي إجراءات أقوى قادرة على رفع عدد المناصب إلى أزيد من مليون وقادرو كذلك على تقليص مدة الإنجاز إلى أقل من خمس سنوات، لأن الخمس سنوات مدة كافية في اعتقادي لمعالجة معضلة البطالة في أقصى حدودها ولنا في العديد من التجارب الدولية المثال الذي يمكن الاكتفاء به لو وضع ملف التشغيل ضمن الأوليات الاجتماعية لمعالجة مظاهر الخصاص الذي تشكو منه كل القطاعات الاجتماعية.
كما تحدث أخنوس عن ما أسماه برفع نشاط النساء بنسبة 30% عوض 20%. وهنا كذلك نتساءل عن ضعف هذه النسبة لتحقيق مطلب أساسي يتعلق بالمساواة في كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء وهو مطلب لطالما تم فيه التسويف والتأجيل لعقود رغم أن بلادنا تعد طرفا في كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تناهض كل مظاهر التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي ورغم أن هذا المطلب لازالت الحركة النسائية المغربية بكل أطيافها تطالب به كأولوية من الأولويات الحقوقية التي لم تعد تقبل التأجيل أو التسويف.
وفي ما يتعلق بالحماية الاجتماعية لم يحدد أخنوش في برنامج حكومته التدابير الإجرائية لتنزيل المشروع الكبير الذي بلوره ملك البلاد في هذا الصدد ليظل الغموض محيطا بالمشروع الذي من خلال تفعيل الآليات الحقيقية لتحقيقه يمكننا الحديث أنذاك عن بداية شق الطريق نحو القضاء أو على الأقل التخفيف من وطأة الفقر والفوارق الاجتماعية التي يعاني منها مجتمعنا.
وعن حماية وتوسيع الطبقة المتوسطة لم يأت أخنوش بأية إجراءات وتدابير كمدخل لتحقيق هذه الغاية. فقد تجنب رئيس الحكومة الحديث عن رفع أجور الأطباء والممرضين الذين يوجدون في الصفوف الأمامية لمواجهة جائحة كوفيد وتجنب الالتزام بتحسين أوضاع نساء ورجال التعليم كمدخل لا مناص منه لتحسين وضعية أكبر وأهم قطاع اجتماعي تنبني عليه كل الرهانات المستقبلية للبلاد ولم يتحدث أخنوش في عرضه عن نيته تحسين أوضاع الموظفين والتجار والمهنيين وكل الذين يشكلون العمود الفقري الطبقة المتوسطة والذين نالوا القسط الأوفر من آثار الأزمة الإقتصادية والمالية خلال العقد الماضي بسبب الاختيارات الفاشلة لحكومة بنكيران والعثماني.
وعن العالم القروي تحدث أخنوش عن توفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة دون أن يتحدث عن الوضعية المزية التي يعيشها الفلاحون الفقراء والمعدمين والتي ازدادت حدة بسبب العوامل المناخية وبسبب تداعيات الجائحة وبسبب السياسات الحكومية التي همشت العالم القروي واسقطت من حساباتها أي اهتمام فالفلاحين الفقراء الذين يضطرون سنة بعد أخرى إلى الهجرة نحو المدن لتعزيز أحزمة الفقر والبؤس.
تحدث أخنوش في عرضه كذلك عن منظومة التربية داعيا إلى تعبئة كل مكوناتها بهدف تصنيف المغرب ضمن أحسن 60 دولة عالميا، وكأن المسألة لا تعدو أن تكون بالنسبة لرئيس الحكومة مجرد تصنيف عوض الحديث عن الإجراءات و التدابير والرؤية التي ستقود الحكومة خلال الولاية الحالية لمعالجة ما تعانيه هذه المنظومة من اختلالات لم تنفع معها سلسلة الإصلاحات الترقيعية التي أجريت عليها طيلة العقود الماضية. ومن بين المواضيع الشائكة التي لم يستطع أخنوش حتى التلميح إليها ملف الأساتذة الذين فرص عليهم التعاقد وغياب الربط بين مضامين وبرامج التعليم مع سوق الشغل والوضعية المادية والاجتماعية لنساء ورجال التعليم والعنف المدرسي ومسألة اللغات وغيرها من القضايا الأساسية.
كما تحدث أخنوش عن الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال نيته خلق صندوق بميزانية تصل إلى مليار درهم دون أن يتحدث عن التعثر والعراقيل والمثبطات التي حالت خلال العقود الماضية دون جعل الأمازيغية لغة وثقافة في قلب العملية التعلمية باعطائها المكانة اللائقة بها كلغة وطنية إلى جانب اللغة العربية حيث اختار أخنوش التعامل مع القضية بمنطق مالي صرف عوض الحديث عن التدابير والإجراءات الإرادية لتحقيق هذه الغاية التي ينشدها كل المغاربة
وتحدث أخنوش أيضا عن الجهوية حيث أكد على نيته نقل اختصاصات واسعة من الدولة إلى الجهة وهو كلام مكرور ينضاف إلى ما سبقه من كلام حول الجهوية واللاتمركز والجهوية المتقدمة وغيرها من المصطلحات التي لم يظهر لها أي أثر إيجابي ملموس على أرض الواقع مما يفرض على أخنوش تعزيز كلامه وإعطائه قليلا من المصداقية من خلال إبراز أسباب إخفاق مشروع الجهوية وما ساده منذ بداية التلويح به من ارتجالية التخطيط والتنفيد. وقد تكون الغاية من تفويت صلاحيات واسعة للجهات هذه المرة مجرد تمويه لتفويت صلاحيات تشكل حاليا عبأ على الدولة مما يطرح إشكالا حقيقيا حول المعنى والمضمون والغاية التنموية الحقيقية من الجهوية.
لم يترك أخنوش الفرصة في تصريحه الحكومي تمر دون الحديث عن نيته تنفيد التوجيهات الملكية لكي يضطلع المغرب بمهامه في الدفاع عن حوزة الوطن وعن الوحدة الترابية ووحدة الوطن وعن دوره في استثباب الأمن الدولي في إطار عمليات السلام والأمن الدوليين، لكن السيد أخنوش لم يتحدث عن التهديدات المتصاعدة للجارة الشرقية ولتوثر العلاقات مع الجوار الأروبي ومع موريتانيا، كما لم يتحدث أخنوش عن اختلالات الدبلوماسية المغربية التي أضعفت مكانة وموقع بلادنا بشكل جلي مما يهددها بالعزلة بسبب عداوات جيرانها شمالا وشرقا وجنوبا. كما لم يتحدث السيد أخنوش عن الشروط الضرورية لإعادة ترميم الجبهة الداخلية من خلال تعزيز عوامل الصمود من خلال استرجاع الثقة في المؤسسات وتعميق الخيار الديمقراطي وتوسيع الحقوق والحريات ومحاربة الفساد السياسي والمالي وتحسين أوضاع الطبقات المعوزة. ولعل مثل هذه الخيارات الشعبية والديمقراطية ما لا يدركه ولا يستوعبه الثلاثي المتغول الذي أغراه الاستيلاء على المواقع لكي يستفرد بمراكز القرار وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا دون مراعاة ما يتموج مجتمعنا من تنوع وتعدد يعتبر مصدر قوة لبلادنا لو تم استغلاله وإيلاءه الاعتبار اللازم.
بعد إدراج هذه الملاحظات الأولية حول تصريح رئيس الحكومة في اجتماعه الأخير مع حكومته وأمام مجلسي البرلمان يمكننا أن نجزم بأن المقدمات لا تبشر بالخير لاسيما وأن هذه الحكومة الجديدة قد ارتكبت أخطاء كبيرة منذ البداية سواء بالتخلي عن العديد من القطاعات الأساسية مثل الجالية المغربية في الخارج وحقوق الإنسان أو من خلال فرض ضريبة التضامن الوطني على أصحاب الثروات الضخمة أو من خلال تكريس تعدد المهام بالنسبة لعدد من الوزراء الذين يتحملون مسؤولية تدبير قطاعات أساسية ومن خلال إعفاء وزيرة الصحة بقرار ملكي في خطوة ملكية تصحيحية في إطار تفعيل الفصل 47 من الدستور.
“يتبع”