آية الفتاوي تنبش في ثرات الملحون مع النساخ والخطاط الكبير المرحوم دلال محمد بن علال الملقب ب “الحسيكة”.

شكل فن الملحون إرثا حضاريا مغربيا مهما يعكس هوية وثقافة المغاربة كافة ، مشيرا إلى أن هذا الفن “نبع من صميم المجتمع المغربي من خلال إبداعات الحرفيين الذين استطاعوا إغناء الرصيد الثقافي الوطني بشكل يدعونا اليوم إلى رد الاعتبار لهم عبر تثمين هذا التراث وإعطائه المكانة التي يستحقها” .
حيث يعتبر رحم الله الشيخ المراكشي “دلال محمد بن علال الملقب ب الحسيكة” ، من أفضل الخطاطين الذين ساهموا في المحافضة على شعر الملحون. هذا الرجل الذي طبقت شهرته ربوع المغرب، بل تعدته إلى أقطار أخرى مغاربية، كموثق لنصوص الملحون، جامع لها، حفاظ وذاكرة من المستوى العالي، له إلمام بطرق طتابة النصوص، وطرق أدائها على مستوى الإنشاد، لا يخلو بيت من البيوت التي تهتم بالملحون من نص بخط يده، أستاذ الأجيال في هذا المجال، لا تكاد تشاهده إلا رفقة كناشه التسجيلي وأقلام الكتابة الثلاث: أزرق وأحمر وأخضر، يناقش يصحح، يحلل يعلق، ولازال إلى يومنا هذا وحتى بعد وفاته مرجعا من المراجع القيمة في الفصل في القضايا الخلافية في النصوص، حتى أنه كلما احتد النقاش حول قصيدة معينة، إلا واحتكم الناس إلى كتابة دلال رحمه الله من أجل الفصل، فيكون ما كتبه حجة لا يناقش، سافر من أجل جمع النصوص إلى كل المدن المغربية، رغم المعاناة، ولكن حبه للفن كان يدلل أمامه الصعاب، ولم يكن بخيلا في التعامل مع طالب المعرفة،
كدالك انجز المرحوم دلال الحسيكة عملا توثيقيا مهما مع المرحوم الحاج عبداللطيف التباع تغمدهما الله برحمته،
ولازالت سجلاتهما الملحونية شاهدة على ذلك..
ويذكر بعض المؤرخين العرب والمغاربة، أن ظهور فن “الملحون” المغربي الذي يعتبر مكونًا رئيسًا من مكونات الذاكرة الفنية المغربية، كان لأول مرة في العهد الموحدي خلال القرن السابع الهجري، فيما يقول آخرون أن الظهور الأول لهذا الفنّ كان خلال عهد المرابطين، بينما يقول آخرون إنه يرجع إلى العهد السعدي، وقد نشأ في مدينتي سجلماسة وتافيلالت ونما في مراكش وفاس ومكناس وسلا.
وشكل الملحون بشعره وشعرائه ومغنيه وفرقه، إرثا حضاريا يفتخر به المغاربة، بل ويساهم في ربط أواصر ووشائج العلاقات الاجتماعية وترسيخ التلاحم الاجتماعي، مما يجعله فنا يستجيب كليا لتعريف التراث الثقافي غير المادي كما ورد في اتفاقية اليونسكو لسنة 2003 المتعلقة بصون التراث الثقافي غير المادي التي صادق عليها المغرب منذ عام 2006.