أسامة الفتاوي يكتب : ماذا يعني إن زارك الألم ؟

بقلم محمد اسامة الفتاوي.
الألم حزن صامت يعكر صفاء القلوب ، ينهش القدرةالكامنة حتى يأتي على أجزائها ، يشتت الأمل بقوته الصاعقة ، يحول المنح إلى محن ضارية، يفترس الفضيلة ،يقتل فينا الفرح ويوقظ القرح ، ولعل أكثرنا مرت به تجارب عديدة أنهكت أيامه المتزاحمة واتعبت سنينه المتراكمة .
– وتمنى أن يلق من كبد الحياة إلا ما تيسر ، وأن يكون نص الشكوى منحصرا بين أقرب الناس إليه ، لكن حقيقة الدار المحصورة بين البداية والنهاية وما جبلت عليه من صعوبة في سلم درجات الألم لا مفر منه ،ولابد التعايش معه للإستثمار في مآسيه ، ولا يمكن أن نشرب من نفس الكأس ونذق من مرارته أو نتجرع الألم ألمين .
– فما من أحد إلا وارتشف من طبوع الألم ما كتب الله له أن يرتشف، وتجرع من قلبه في زنزانة الحزن ما قدر عليه أن يتجرع ، ولبست حياته صنوف اليأس ما شاء لها أن تلبس ، ويظل الارتواء ارتواء في جميع الأحوال ، لذلك في اللوحات الرمادية الداكنة التالية والصور الملونة بسطور الأسى ، والمشاهد الحزينة الجرداء ، عريضة نسبية مقدمة من إنسان ذاق من الألم لم يذقة أحد مثله ، إلى كل قلب مسه الألم بكل أطيافه عسى أن يأخذ العبرة ليحوله إلى أمل ، وربما تنفعه الذكرى من حيث لا يدري
– عزيزي المتألم
تأمل بعمق إلى حد ممكن ….وابتعد عن الشكوك ولا ترتدي الهموم وتلبس الغموم ، لا تبتلع تبعاته بمضض فإن في ذلك تقتل كل أمل يراودك …..ماذا يعني إن زارك الألم ؟ كن مستعدا له واغلق جميع المنافذ التي يتسلل منها ، وهل تعلم أن الخوف منه والاحساس به والرعب من سقوطه بقوة على كاهلك ، انها عوامل مسببة لطول بقائه واقامته تنخر جسمك تقتل كل شعور يحاول دحضه ، تنحر محاولتك ، تشنق مقاومتك ……كن شجاعا وتهيأ لكل طارئ ولا تهرب من وجعه وضغوطاته المتكررة .
– لا أحد استطاع التملص من جرح الأبدان ولا أحد يرضى بالجرح الغائر العميق في جسمه ، ولهذا إياك أن تفضل تركه مستمرا في ايذائك ، ولا تغمض ناظريك عنه، وبمثابرة العلاج مع الدوام يبرأ الجرح ، وهل تعلم التغاضي عنه يدخلك في ورطة أنت في غنى عنها …….وإن الاستمرارية في اللامبالاة والابتعاد عن مجابهته يؤدي الى الضرر بلا حدود.
– عزيزي الشاكي من الألم
…كما في الأبدان ألم الجراح المرئية التي لها عواقب وخيمة المولودة من الابتعاد عن مجابتها الناجمة من الخوف …..هذا من جهة …ومن جهة أخرى إذا ابصرت للأمام وحاربت الخوف والتماطل بذهابك إلى الطبيب لمعالجته ، تلك خطوة جيدة تؤدي بك إلى البر ء والشفاء….وهناك أيضا جراح القلوب فهي غير مكشوفة ، إن تركتها مكبوتة يزداد نزيفها الداخلي تفجر كل أمل وأمنية ….لا تتكتم عنها ولا تجعلها في طي النسيان….ليست رهيبة كما تتصورها ، إن فعلت ذلك هذا يدل انك ولدت وكبرت ونشأت في بيئة ينعدم فيها الحوار ، ….افتح قلبك واخرج منه ما يؤلمك بلا همس بل بصوت جهوري مسموع مفهوم …..إن علاج القلوب لا يتأتى إلا بالبوح لأقرب الناس إليك .كأن تصارح أباك أمك أخاك أختك زوجتك ابنك ابنتك ….ذاك الكبت الذي تكتنزه ما هو إلا إحباطا ويأسا يدخلانك عالم آخر لا ترغب الإقامة فيه ، أبواب همومه مفتوحة لأمثالك …..واعلم إذا تجاهلت مآسيه ونغصاته وتكتمت عما يؤلمك ويوجعك فإنك ستجني عواقب وخيمة نتائجها لا تود الوصول إليها ….ألم تكرم بالعقل ….إذن قم بخطة ممنهجة لردعه وسجنه في سراديب لن يقدر على الخروج منها….لأن المكوث في أسفل الحضيض لن يمكنك من ايجاد مفاتيح تعينك على سجنه …..حاول أن لا تبقي الألم يعشعش في وجدانك.
– عزيزي المتيم بالألم
…إن الله خلقنا وبشتى الصور ركبنا….خلق الأبدان وأودعها القلوب و ميزها بالعقول ….سبحان الله ألا تعرف كما للأبدان علاج طبي فللقلوب علاج رباني ووصفة شفائها مفاتيح تطلبها من الله بقوة الايمان ، لها فاعلية ، بها اعجاز تحير البشرية جمعاء ….لا تدعه يكبلك ويعلقك على أنياب الحياة ….يا صاحب الألم لست الوحيد من عاش الألم ويعاني ،فهناك قبلك وبعدك ….ومهما كنت حذرا فالألم لا محالة ينتظرك منتصبا في أي مكان ، ومهما هربت منه فهو ملاقيك ….فكن مهيأ ولا تجزع منه لأنه بعد كل عثرة مؤذية نهوض أقوى وأمتع ….الألم رسالة يا صاحبي افتحها لتقرأ ما فيها ، لأنها ليست انكسارا واحباطا وتراجعا وتجاهلا ، بل تذكرك بمجابهة السقوط للنهوض من جديد ، وليست موجهة لتجبرك بالجزع من الألم ، بل تجبرك بالوقوف لاسترداد عافيتك والانطلاق في فسحة الكون وتعلمك بسبب وجودك.
– عزيزي المصاب بالألم
…هذه رسالتي اليك يا من تستسلم للألم فكن ذا عزم وقوة للتغلب على مخاوفك فما خلقت عبثا ، ولست الأول والأخير من ذاق مرارة ألم البدن والوجدان…هناك قبلك وبعدك…..والاستماع لأنينه ولصوت دموعه والفضفضة به همسا يمينا وشمالا سيبقيه مقيما دون استشارتك ….أترضى لنفسك هذا الدخيل بلا نضال والبحث عن بلسم العافية بالرجوع الى الله سبحانه ….يا صاحبي تيقن بأن علاج جراح الأبدان والقلوب له وصفات و وصفات وإن أردت الحصول عليها فهي موجودة بقوة إيمانك .