مجتمع

كلمة السيد “فؤاد القادري” رئيس المجموعة الموضوعاتية المؤقتة الخاصة بالأمن الصحي خلال ندوة الأمن الصحي بالمغرب

ع.ب

السيد النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين المحترم؛
السيد عبد الكريم مزيان بلفقيه الكاتب العام لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية المحترم؛
السيدة مريم بكدلي ممثلة منظمة الصحة العالمية بالرباط المحترمة؛
السيد عز الدين غفران عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-السويسي- بالرباط المحترم؛
السيد عبد الحافظ أدمينو رئيس شعبة القانون العام والعلوم السياسية بنفس الكلية المحترم؛
السيد عمر حنيش رئيس المركز متعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية؛
السيدات والسادة المستشارين المحترمين؛
السيدات والسادة الأساتذة الجامعيين والخبراء والمهنيين المحترمين كل باسمه وصفته؛

أيها الحضور الكريم؛
اسمحوا لي في البداية أن أعبر عن خالص امتناني وعظيم شكري للسيد رئيس مجلس المستشارين المحترم، عن دعمه المتواصل لجهود هذه المجموعة الموضوعاتية، وتسخير كافة الإمكانيات والوسائل من أجل نجاح عملها، فإن قلت لكم السيد الرئيس المحترم شكرا فشكري لن يوفيكم حقا سعيتم فكان السعي مشكورا؛

واسمحوا لي كذلك أن أعبر عن شكري وتقديري للسيد عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي المحترم، ومن خلاله أشكر السيد رئيس شعبة القانون العام والعلوم السياسية والسيد رئيس المركز متعدد التخصصات في حسن الأداء والتنافسية بنفس الكلية على تعاونهم وقبولهم تنظيم هذه الندوة بشكل مشترك وتوفير كافة الوسائل والجهود لنجاحها؛

واسمحوا لي أيضا أن أشكر السيد الكاتب العام لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية على مشاركته معنا، كما أشكر السيد الوزير المحترم الذي أبدى رغبته بدعم هذه المجموعة وتمكينها من كافة البيانات والمعلومات الضرورية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتيسير مهامها؛

كما أتقدم بأسمى عبارات الشكر والتقدير للسيدة ممثلة منظمة الصحة العالمية نظير قبولها المشاركة معنا في هذه الندوة؛
 ولا يفوتني التأكيد على شكري وتقديري للسيدات والسادة المستشارين المحترمين وفي مقدمتهم أعضاء المجموعة الموضوعاتية، وذلك نتيجة تعاونهم المستمر، ومرونتهم السياسية وحسهم الوطني العالي في التعاطي مع مختلف القضايا الوطنية الكبرى، من منطلق الوازع الوطني المشترك، ومعالجتها دون السماح بالوقوع في تقاطبات سياسية وحزبية يمكن لها أن تضعف من جهودنا، أو أن تشوش على هدفنا الأسمى ألا وهو خدمة المصلحة العامة لبلادنا وراء جلالة الملك نصره الله وأيده؛

وأعبر أيضا عن شكري وتقديري للسيدات والسادة الأساتذة الجامعيين والخبراء والفاعليين المهنيين في المجال على قبول مشاركتهم في تأطير هذه الندوة رغم انشغالاتهم والتزاماتهم الكثيرة، كما أشكر الحضور الكريم كل باسمه وصفته.
كما تعلمون، لسنا اليوم في حاجة إلى إبراز أو التأكيد على أهمية الموضوع المنعقدة بخصوصه هذه الندوة، والذي يعد من صميم عمل “المجموعة الموضوعاتية المؤقتة الخاصة بالأمن الصحي” التي أتشرف برئاستها، بل الجميع واعي بأن الاهتمام بموضوع الصحة كخدمة عمومية أصبح يحتل مكانة الصدارة ضمن أجندة الفاعليين المؤسساتيين والسياسيين بمختلف دول العالم.  
والجدير بالذكر، أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين إلى يومنا هذا، يولي اهتمامه بقضية توفير الرعاية الصحية المناسبة لكافة المواطنين، وضمان الولوج إليها على قدم المساواة والانصاف، وإعطاء توجيهاته السامية للحكومة والبرلمان ولمختلف الفاعليين المؤسساتيين في مناسبات متعددة، كانت أخرها مناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية الحادية عشر، إذ شدد جلالته على ” …ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد…”، ويسعى جلالته من وراء ذلك، إلى إحاطة المنظومة الصحية بكافة الإمكانيات والوسائل والمداخل للرفع من مستوى أدائها وضمان استدامتها، وجعلها في مستوى رهانات مغرب ما بعد الجائحة، وفق رؤية مولوية متكاملة واستشرافية جعلت من منظومة الصحة والحماية الاجتماعية مرتكزا أساسيا لتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية.

كما يؤكد على إرادته المولوية السامية في جعل صحة وأمن وطمأنينة المواطنات والمواطنين من اهتماماته الأولى، إذ لا تفوته الفرصة في التعبير عن ذلك عبر خطبه ورسائله السامية الموجهة لمختلف المؤسسات والفاعلين داخل المغرب وخارجه. 

ونجد في حرص جلالته على نجاح المملكة المغربية في تدبير جائحة “كورونا” خير مثال يحتذى به، بفضل توجيهاته السامية التي اتسمت بالاستباقية والدقة والشمولية والتدرج في مواكبة مختلف مراحل تطور الأزمة الصحية، دون أن ننسى الإشادة بالتجاوب غير المسبوق لمختلف الشرائح المجتمعية، وتدخل مختلف القطاعات والمؤسسات والهيئات العمومية والخاصة، وفي طليعتهم الأطر الطبية والصحية العسكرية والمدنية والسلطات العمومية والأمن الوطني والقوات المساعدة –بالمناسبة نجدد لهم شكرنا وتقديرنا على مجهوداتهم الجبارة، وعلى تفانيهم الصادق في أداء مهامهم-.
غير أن هذه الأزمة -كما يقال: “رب ضارة نافعة”- رغم الخسائر البشرية والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها، كان لها الفضل في تقوية القيم الإنسانية والحضارية للشعب المغربي، وشكلت لحظة إطلاق تعبئة وطنية غير مسبوقة تميزت بالتضحية والتضامن والتعاون، وجعل حماية صحة المواطنين ودعم الفئات الهشة هدفا جماعيا تحت قيادة جلالة الملك نصره الله.

وأعتقد أن اليوم لا يختلف اثنان على أن مغرب ما قبل الجائحة ليس هو مغرب ما بعد الجائحة، وخصوصا فيما يتعلق بالدعم والاهتمام المتزايد الذي أصبح الجميع يوليه للمنظومة الصحية، وإعطائها أولوية قصوى، تجعل منها نقطة ارتكاز لإلتقائية مختلف السياسات والبرامج والمشاريع العمومية، التي تتطلب من الحكومة العمل على القطع مع تبني التدبير القطاعي في مثل هذه القضايا، وجعلها من صميم اهتمام وتدخل مختلف القطاعات والمؤسسات والهيئات العمومية والخاصة، وتوحيد أهدافها وإمكانياتها وتنسيق جهودها وفق رؤية سياسية واضحة، تجعل من توحيد إجراءات كافة البرامج الاجتماعية المختلفة، أساسا لتنزيل منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، وضمان فعاليتها ونجاعتها في الرفع من مستوى المحددات الاجتماعية للولوج إلى الحق في الصحة، كما أطرته منظمة الصحة العالمية، باعتباره “حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية، لا مجرد انعدام المرض أو العجز”.

السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة المحترمين كل باسمه وصفته؛ 
أيها الحضور الكريم؛
لقد كان لحدث تلوث الدم في فرنسا في تسعينيات القرن الماضي لحظة بروز مفهوم “الأمن الصحي” لأول مرة، ورغم ذلك، لم يتم تدويل هذا المفهوم حتى بداية مطلع القرن الحالي، عبر تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر سنة 2007، إذ اعتبرت أن الأمن الصحي يتمثل في مختلف الأنشطة الواجب القيام بها من طرف الدول سواء كانت استباقية أو كانت عبارة عن ردود فعل تسعى إلى التخفيف من حدة المخاطر التي تتعرض لها الصحة العمومية.

وقد مر هذا المفهوم بتحولات واكبت ظاهرة انتشار الأوبئة والمخاطر الصحية عبر العالم، والحاجة إلى بناء منظومة يقظة فعالة في مكافحتها والحد منها، حتى تربع من جديد على مستوى النقاش العمومي، وأصبح يشغل بال مختلف الفاعلين في المجال سواء الدوليين أو الاقليمين أو الوطنيين، وذلك جراء تفشي جائحة “كورونا”، وما خلفته من آثار بالغة على مستوى المنظومة الصحية العالمية، وما أدت إليه من انهيار لأنظمة صحية لدول كانت تعتبر نفسها تتوفر على إمكانيات كافية لمواجهة المخاطر والأوبئة، الأمر الذي عجل بوعي مختلف الدول بضرورة إعادة هيكلة وتقوية منظومتها الصحية، وتمنيعها قصد مواجهة كافة المخاطر والأوبئة المستقبلية، خصوصا وأننا أصبحنا نعيش في عالم تطبعه العديد من التحولات البيئية والمناخية، وما تشكله هذه التحولات من مخاطر جديدة على مستوى تلوث الماء وتلوث الهواء أو على مستوى تغير نمط استهلاك الانسان للمواد الغذائية غير الصحية، أو نتيجة ظهور مجموعة من الأمراض ذات أصل حيواني جراء الاحتكاك المتزايد الذي يطبع علاقة الانسان بالحيوان، أو نتيجة تكرار ظاهرة انتشار بعض الأوبئة (كايبولا وزيكا والسارس والميرس…) أو إعادة انتشار بعض الأمراض القديمة (كالسل والكوليرا والمالاريا…).
وإذا كانت الدول واعية بضرورة تقوية منظومتها الصحية لمواجهة المخاطر والأوبئة، فهي مطالبة بالتفاعل مع نداء منظمة الصحة العالمية الذي تدعو من خلاله كافة الدول الأعضاء إلى وضع صك دولي جديد أو اتفاقية دولية ملزمة قانونيا، لتشكل مدخلا أساسيا لإعادة بناء الأمن الصحي العالمي، ودعم الدول الضعيفة في تحسين نظم ووسائل الوقاية من تفشي الأوبئة والجوائح المحتملة، واكتشافها في الوقت المناسب، والتصدي لها بسرعة.

السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة المحترمين كل باسمه وصفته؛ 
أيها الحضور الكريم؛
إننا في المجموعة الموضوعاتية قد اخترنا ألا ننظر إلى مفهوم الأمن الصحي بمنظور ضيق يقتصر على وضع منظومة لليقظة والرصد الوبائي وتوفير الإمكانيات والوسائل لمواجهة المخاطر الصحية والحد من انتشارها، بل عملنا على توسيع منظورنا لهذا المفهوم من منطلق الوعي بالمخاطر الجديدة التي تهدد الصحة العامة، وبروز أنانيات بعض الدول أثناء انتشار الجائحة لاحتكارها الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية، دون مراعاة قيم التضامن والإنسانية، مما يدعو إلى التوفر على منظومة صحية متكاملة، تشمل قدرتها على توفير كافة الخدمات الصحية بجودة عالية وتراعي الظروف الإنسانية للمواطن، ووضع خطة وطنية استباقية فعالة لمواجهة وإدارة المخاطر والأزمات الصحية الجديدة والسريعة الانتشار عبر الحدود، وتحيين الحاجيات الصحية الوطنية بشكل منتظم يضمن السيادة الصحية لبلادنا.

في نفس السياق، تبنت المجموعة الموضوعاتية مقاربة للعمل منفتحة على إشراك كافة المتدخلين والمعنيين بالموضوع، والانصات لوجهات نظر متعددة، وبرمجت زيارات ميدانية لمدن ومناطق جغرافية مختلفة، والاستماع لكافة القطاعات المتدخلة، سواء عند جمع المعلومات والبيانات الضرورية أو عند تحليلها ومعالجتها أو عند مرحلة إعلان النتائج والتوصيات، باعتبار مسألة الصحة شأنا وطنيا يهم الجميع.

وإذا كان موضوع الصحة العمومية يحظى بكل هذا الاهتمام، وشكل في الأونة الأخيرة مادة خصبة لإصدار تقارير لمؤسسات وهيئات دستورية متعددة، ومجالا حيويا للمساءلة البرلمانية، وأرضية مناسبة للحوار والتقييم وبناء مذكرات ترافعية من طرف الهيئات المهنية وجمعيات المجتمع المدني الجادة، كل حسب صلاحياته الدستورية والقانونية وحسب منطلقاته المرجعية، فإننا في مجلس المستشارين وفي إطار سعينا الحثيث في البحث عن تفعيل آليات للرقابة، تكون أكثر نجاعة وإنتاجية في ممارسة وظائفنا الدستورية، تم تشكيل هذه المجموعة الموضوعاتية التي تعتبر من الأليات الأساسية لمساءلة الفعل الحكومي بمختلف مستوياته وأبعاده، انطلاقا من رؤية تنبني على ضرورة تعزيز الحس التمثيلي من خلال نقل هموم وتطلعات المواطنين إلى مستوى النقاش العمومي، ومحاولة إشراكهم في تقديم حلول مبدعة للمشاكل العمومية، من خلال تشخيصها في مجالات وجغرافية نشوئها، وجعل هذه الحلول كمخرجات تؤطر النقاش العمومي بشكل مسؤول حول الاختيارات العمومية الممكنة.

وتأتي محطة تنظيم هذه الندوة بشراكة مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي، كمرحة أولى لتنزيل هذا التصور، الذي ننتظر منه الانطلاق في بناء أسس لتفكير جماعي، يهدف إلى تشخيص واقع العرض الصحي الحالي بروافده المختلفة، وبإمكانياته المتوفرة، والوقوف عند الفرص المتاحة لدعم وتثمين هذا العرض، بما يضمن استدامة مناعته في مواجهة كافة المخاطر، دون إغفال ضرورة تقديم حلول لإرساء منظومة يقظة فعالة بما يضمن تحقيق الأمن الصحي لبلادنا.

وقصد الانطلاق في بلورة هذا التفكير الجماعي، نتشرف في المجموعة الموضوعاتية باستضافة كل من السيد مزيان بلفقيه الكاتب العام لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والسيدة مريم بكدلي ممثلة منظمة الصحة العالمية بالرباط، والسيد العميد ورئيس شعبة القانون العام ومدير مركز متعدد التخصصات بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي، وثلة من السادة الأساتذة الجامعيين والخبراء والباحثين والمهنيين المتخصصين في المجال، لتبادل الأفكار ووجهات النظر حول الموضوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock