مقالات و آراء

النقش على سطوح سائلة للكاتبة الإماراتية مريم الزرعوني: لا شيء يقف أمام النور وهناك حاجة لتلمس معالمنا الإنسانية

رفيق رضى : شاعرة وكاتبة مارست الفن التشكيلي في بداياتها، تعتبر القصيدة جزءًا من مفهوم الحياة. صدرت لها عدة أعمال أدبية كان آخرها كتاب النقش على سطوح سائلة، ولفهم عنوان الكتاب لفت انتباهي استهلال الكتاب بالكتابة عن عميد الأدب العربي طه حسين حيث وصفت الكتابة عن شخصه بأنه “أمر جسيم، وفعل مرهق محاط بالارتباك ويتعذر فيه إيجاد بؤر مجهولة أضبط صوبها الوجهة”، ومن خلال هذه الفقرة نستشف ما أرادت منه في اختيارها عنوان الكتاب (النقش على سطوح سائلة)، من صعوبة واجهتها قبل وأثناء تأليف الكتاب من خلال الشخصيات أو الأسلوب.

ومن خلال الإطلاع على سيرتها الذاتية وهي الشاعرة والفنانة التي يستهويها النحت والنقش، ظهرت خيالات الفنانة ولغة الشاعرة في صفحات الكتاب الصادر عن (دار اللوهة للنشر)، حاولت فيها تقديم لوحة فنية مكتوبة بلغة شعرية وبأسلوب أدبي رصين،ولا شك أن تناول اللوحات الفنية الشعرية التي تمثل جوانب ومواضع هذا العمل الإبداعي، يستدعي كتابة عدة مقالات إلا أن المقال سيتناول بعض النقوش التي نحتتها المؤلفة على جدران الأدب العربي، بما يمثل دعود للقارئ لضرورة قراءة الكتاب للاستفادة والاستزادة الثقافية، حيث كانت المرأة حاضرة ملهمة، فاعلة، مؤثرة في جوانب العمل الأدبي.
استلهت الكتاب بالكتابة عن سوزان الفتاة الفرنسية التي كانت بمثابة النور الذي تمكن من خلالها طه حسين من رؤية العالم وجمالياته، بعدما فقد حاسة البصر في سن مبكرة من حياته، فكانت كما أشارت إلى ذلك المؤلفة الزوجة – الشمس التي أشرقت في وجدان طه حسين، وهل كان يستطيع أن يحيا في الظلمة الدائمة دون أن تشرق شمس في حياته.
وفي لوحة ثانية استعرضت المؤلفة التراث العربي من خلال كتاب ألف ليلة وليلة وقصة الملك شهريار، وقد تركت حكايات الكتاب الدهشة وأثارت الترقب في ذهن المتلقي لمعرفة الحكاية التالية، ومن خلالها تمكنت بطلة الحكاية الرئيسية شهرزاد من دفع الموت عنها. وأوضحت المؤلفة أن تشابك الحكايات يرجع إلى عادة أصيلة في الذهنية الشرقية، تجلت في المجالس، إذا لا يحلو الوقت إلا بها.
وفي لوحة ثالثة نشهد لوحة للعالم الكبير نيكولا تسلا الذي لازمه تعاسة الحظ حتى وفاته وحيدا فقيرا في أحد فنادق نيويورك بعد أن رفض قبول جائزة نوبل مناصفة مع توماس أديسون، وأشارت إلى كتاب (الفلاكة والمفلوكون) لمؤلفه شهاب الدين أحمد الدلجي الذي لم يحظ بنصيب من الشهرة، وفي كتاب الفلاكة – التي تعني قلة الحظ – أشار مؤلفه الدلجي إلى ما يقع فيها معظم أهل العلم من الظلم والحاجة، مبيناً السبب إلى نأيهم بأنفسهم عن المراكز وترفعهم عن التجارة المتطلبة للحيلة واللؤم والمماحكة، إضافة إلى آنفتهم وتعللهم بالأماني والأوهام.
وما بين جائحة كورونا وما تلاها من انخفاض في الملوثات الهوائية، تذهب بنا المؤلفة إلى العصر العباسي وأحد أهم شعراء تلك المرحلة الشاعر البحتري، مشيرة إلى الحاجة إلى تلمس معالمنا الإنسانية الأصيلة والبحث عن الصلات التي تربطنا بالأرض والإنسان الآخر، والعودة إلى الجذور التي ساهمت المدنية ورأس المال في اقتلاعها أو تشويهها والتي تناولتها الفيلسوفة الفرنسية سيمون فايل.
وما بين مسرحية (فرانكشتاين) التي عرضت 2020، والبحث عن الحق في الحياة تحت ألم الإقصاء والنبذ، والمحبة والمشاركة، إلى صالون سكينة بنت الحسين ثم مجلس ولادة بنت المستكفي إلى صالون مي زيادة ثم توالت الملتقيات الثقافية حتى تسربت إلى المستوى الشعبي عوضا عن النخبوي من خلال مبادرة السيدة أسماء المطوع في عام 1998 في أبوظبي بتأسيس ملتقى ثقافي نصف شهري تلتقي فيه سيدات من مختلف الثقافات والجنسيات على أحد روافد الآداب والعلوم الإنسانية حظت الرواية بالنسيب الأوفر منها.
وفي مرحلة معينة تظهر جوليت مختلفة عن تلك التي عرفناها في رواية وليام شكسبير، أنها جوليت آدم التي كانت الأم الروحية لعدد من المثقفين الفرنسيين وانضوى إلى كنفها الزعيم المصري مصطفى كامل باشا ودورها في دعمه معنوياً ومن خلال المقالات والدعوات التي وجهتها لرواد مجلسها الثقافي للتشاور فيما يمكن تقديمه لدعمه ومن خلاله الحراك الثقافي في مصر.

وإلى الطفولة المبكرة والبدء باللعب في المهد ثم اللعب في مرحلة لاحقة بلغة تعبيرية موازية للبكاء ما يساعد الطفل على النمو العاطفي الصحي، لأنه يسمح بالتعبير عن التجارب الواعية واللا واعية والإدلاء بمشاعره حول حياته وما يدور حوله، فاللعب مسألة مهمة في حياة الأمة كما أشار إلى ذلك المؤرخ الأمريكي ول ديورانت.
وفي تعريف الحرية الشخصية، أشارت لأهمية تشكل سلطة الذات رقيبا يمنح الآخر مساحته الكاملة منطلقا من مبدأ (اللا هيمنة) بعيداً عن الفهم السطحي لممارسة الحريات، في مراعاة التقاطعات بين الذات ودوائر الآخرين، وهذا بالتالي يقود الذات العارفة إلى الاقتراب من الحقيقة على نحو ما واستشعار كينونتها المحدودة واستحضار حتمية النهايات، ما يمكن الذات من تحقيق السلام كغاية للتعايش مع الآخر وحاجة من حاجات الذات.
وفي لوحة لمشهد الأعراس في إحدى قرى فلسطين بدايات القرن العشرين نقلت المؤلفة عن الأديبة العربية مي زيادة وأول لقاءاتها في طفولتها مع شعر عائشة تيمور، وتذهب بنا المغرب العربي والاحتفالات لمدة سبعة أيام حيث تخرج النساء في أول أيام الاحتفال إلى الغابة لجمع الأعشاب العطرية ثم تجفيفها على سطوح المنازل، وتكون أسطح المنازل في بعض المدن نوافذ لاستكشاف الأخبار والأخطار، وفي أحيان يكون للحب مكان.
وللعيد كضرورة اجتماعية لممارسة الطقوس منذ أزمنة مبكرة كانت الموسيقى حاضرة فيها مصحوبة بالرقص والطيب والبخور، وكانت الأعياد جزء من الطقوس التي تسعى من خلال المجتمعات إلى دفع الشرور وكسب رضى الطبيعة المؤلهة.
ولمعرفة ماهية الحنين والالتباس بين الحزن والتمنى جراء ذكرى يستجلبها مكان أو موقف لخلق شعور بالرضى والبهجة مع مسحة من الطمأنينة، لتشير في هذه اللوحة النفسية إلى الحنين في حقيقته أقرب إلى التنكر للحاضر مكانا ومحتوى أوربما رفضه في حالات أخرى. وقد أورد الجاحظ في كتابه (الحنين إلى الأوطان) أن العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من بلدها رملا تستنشقه عن تعرضها لنزلات البرد أو الصداع.
هكذا تنقلت المؤلفة مريم الزرعوني بين أسطح سائلة ببراعة متناهية، لا يشعر القارئ باختلاف عناوين ومواضيع تناولها الكتاب، بل يبدو أنها تمكنت من التغلب على هذه الإشكالية من خلال الكتابة بإيجاز شديد وبلغة شعرية سلسلة تشد القارئ ليتابع العنوان التالي في تناول فلسفي في بعضها، ولا شك أن الكتاب يعتبر قيمة إضافية للمكتبة العربية ومرجع هام لكتابة المقال الصحفي.شاعرة وكاتبة مارست الفن التشكيلي في بداياتها، تعتبر القصيدة جزءًا من مفهوم الحياة. صدرت لها عدة أعمال أدبية كان آخرها كتاب النقش على سطوح سائلة، ولفهم عنوان الكتاب لفت انتباهي استهلال الكتاب بالكتابة عن عميد الأدب العربي طه حسين حيث وصفت الكتابة عن شخصه بأنه “أمر جسيم، وفعل مرهق محاط بالارتباك ويتعذر فيه إيجاد بؤر مجهولة أضبط صوبها الوجهة”، ومن خلال هذه الفقرة نستشف ما أرادت منه في اختيارها عنوان الكتاب (النقش على سطوح سائلة)، من صعوبة واجهتها قبل وأثناء تأليف الكتاب من خلال الشخصيات أو الأسلوب.ومن خلال الإطلاع على سيرتها الذاتية وهي الشاعرة والفنانة التي يستهويها النحت والنقش، ظهرت خيالات الفنانة ولغة الشاعرة في صفحات الكتاب الصادر عن (دار اللوهة للنشر)، حاولت فيها تقديم لوحة فنية مكتوبة بلغة شعرية وبأسلوب أدبي رصين.ولا شك أن تناول اللوحات الفنية الشعرية التي تمثل جوانب ومواضع هذا العمل الإبداعي، يستدعي كتابة عدة مقالات إلا أن المقال سيتناول بعض النقوش التي نحتتها المؤلفة على جدران الأدب العربي، بما يمثل دعود للقارئ لضرورة قراءة الكتاب للاستفادة والاستزادة الثقافية، حيث كانت المرأة حاضرة ملهمة، فاعلة، مؤثرة في جوانب العمل الأدبي.
استلهت الكتاب بالكتابة عن سوزان الفتاة الفرنسية التي كانت بمثابة النور الذي تمكن من خلالها طه حسين من رؤية العالم وجمالياته، بعدما فقد حاسة البصر في سن مبكرة من حياته، فكانت كما أشارت إلى ذلك المؤلفة الزوجة – الشمس التي أشرقت في وجدان طه حسين، وهل كان يستطيع أن يحيا في الظلمة الدائمة دون أن تشرق شمس في حياته.
وفي لوحة ثانية استعرضت المؤلفة التراث العربي من خلال كتاب ألف ليلة وليلة وقصة الملك شهريار، وقد تركت حكايات الكتاب الدهشة وأثارت الترقب في ذهن المتلقي لمعرفة الحكاية التالية، ومن خلالها تمكنت بطلة الحكاية الرئيسية شهرزاد من دفع الموت عنها. وأوضحت المؤلفة أن تشابك الحكايات يرجع إلى عادة أصيلة في الذهنية الشرقية، تجلت في المجالس، إذا لا يحلو الوقت إلا بها.
وفي لوحة ثالثة نشهد لوحة للعالم الكبير نيكولا تسلا الذي لازمه تعاسة الحظ حتى وفاته وحيدا فقيرا في أحد فنادق نيويورك بعد أن رفض قبول جائزة نوبل مناصفة مع توماس أديسون، وأشارت إلى كتاب (الفلاكة والمفلوكون) لمؤلفه شهاب الدين أحمد الدلجي الذي لم يحظ بنصيب من الشهرة، وفي كتاب الفلاكة – التي تعني قلة الحظ – أشار مؤلفه الدلجي إلى ما يقع فيها معظم أهل العلم من الظلم والحاجة، مبيناً السبب إلى نأيهم بأنفسهم عن المراكز وترفعهم عن التجارة المتطلبة للحيلة واللؤم والمماحكة، إضافة إلى آنفتهم وتعللهم بالأماني والأوهام.
وما بين جائحة كورونا وما تلاها من انخفاض في الملوثات الهوائية، تذهب بنا المؤلفة إلى العصر العباسي وأحد أهم شعراء تلك المرحلة الشاعر البحتري، مشيرة إلى الحاجة إلى تلمس معالمنا الإنسانية الأصيلة والبحث عن الصلات التي تربطنا بالأرض والإنسان الآخر، والعودة إلى الجذور التي ساهمت المدنية ورأس المال في اقتلاعها أو تشويهها والتي تناولتها الفيلسوفة الفرنسية سيمون فايل.
وما بين مسرحية (فرانكشتاين) التي عرضت 2020، والبحث عن الحق في الحياة تحت ألم الإقصاء والنبذ، والمحبة والمشاركة، إلى صالون سكينة بنت الحسين ثم مجلس ولادة بنت المستكفي إلى صالون مي زيادة ثم توالت الملتقيات الثقافية حتى تسربت إلى المستوى الشعبي عوضا عن النخبوي من خلال مبادرة السيدة أسماء المطوع في عام 1998 في أبوظبي بتأسيس ملتقى ثقافي نصف شهري تلتقي فيه سيدات من مختلف الثقافات والجنسيات على أحد روافد الآداب والعلوم الإنسانية حظت الرواية بالنسيب الأوفر منها.
وفي مرحلة معينة تظهر جوليت مختلفة عن تلك التي عرفناها في رواية وليام شكسبير، أنها جوليت آدم التي كانت الأم الروحية لعدد من المثقفين الفرنسيين وانضوى إلى كنفها الزعيم المصري مصطفى كامل باشا ودورها في دعمه معنوياً ومن خلال المقالات والدعوات التي وجهتها لرواد مجلسها الثقافي للتشاور فيما يمكن تقديمه لدعمه ومن خلاله الحراك الثقافي في مصر.
وإلى الطفولة المبكرة والبدء باللعب في المهد ثم اللعب في مرحلة لاحقة بلغة تعبيرية موازية للبكاء ما يساعد الطفل على النمو العاطفي الصحي، لأنه يسمح بالتعبير عن التجارب الواعية واللا واعية والإدلاء بمشاعره حول حياته وما يدور حوله، فاللعب مسألة مهمة في حياة الأمة كما أشار إلى ذلك المؤرخ الأمريكي ول ديورانت.
وفي تعريف الحرية الشخصية، أشارت لأهمية تشكل سلطة الذات رقيبا يمنح الآخر مساحته الكاملة منطلقا من مبدأ (اللا هيمنة) بعيداً عن الفهم السطحي لممارسة الحريات، في مراعاة التقاطعات بين الذات ودوائر الآخرين، وهذا بالتالي يقود الذات العارفة إلى الاقتراب من الحقيقة على نحو ما واستشعار كينونتها المحدودة واستحضار حتمية النهايات، ما يمكن الذات من تحقيق السلام كغاية للتعايش مع الآخر وحاجة من حاجات الذات.
وفي لوحة لمشهد الأعراس في إحدى قرى فلسطين بدايات القرن العشرين نقلت المؤلفة عن الأديبة العربية مي زيادة وأول لقاءاتها في طفولتها مع شعر عائشة تيمور، وتذهب بنا المغرب العربي والاحتفالات لمدة سبعة أيام حيث تخرج النساء في أول أيام الاحتفال إلى الغابة لجمع الأعشاب العطرية ثم تجفيفها على سطوح المنازل، وتكون أسطح المنازل في بعض المدن نوافذ لاستكشاف الأخبار والأخطار، وفي أحيان يكون للحب مكان.
وللعيد كضرورة اجتماعية لممارسة الطقوس منذ أزمنة مبكرة كانت الموسيقى حاضرة فيها مصحوبة بالرقص والطيب والبخور، وكانت الأعياد جزء من الطقوس التي تسعى من خلال المجتمعات إلى دفع الشرور وكسب رضى الطبيعة المؤلهة.
ولمعرفة ماهية الحنين والالتباس بين الحزن والتمنى جراء ذكرى يستجلبها مكان أو موقف لخلق شعور بالرضى والبهجة مع مسحة من الطمأنينة، لتشير في هذه اللوحة النفسية إلى الحنين في حقيقته أقرب إلى التنكر للحاضر مكانا ومحتوى أوربما رفضه في حالات أخرى. وقد أورد الجاحظ في كتابه (الحنين إلى الأوطان) أن العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من بلدها رملا تستنشقه عن تعرضها لنزلات البرد أو الصداع.
هكذا تنقلت المؤلفة مريم الزرعوني بين أسطح سائلة ببراعة متناهية، لا يشعر القارئ باختلاف عناوين ومواضيع تناولها الكتاب، بل يبدو أنها تمكنت من التغلب على هذه الإشكالية من خلال الكتابة بإيجاز شديد وبلغة شعرية سلسلة تشد القارئ ليتابع العنوان التالي في تناول فلسفي في بعضها، ولا شك أن الكتاب يعتبر قيمة إضافية للمكتبة العربية ومرجع هام لكتابة المقال الصحفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock