مقالات و آراء

دور محكمة النقض

عبد العالي المصباحي

تتربع محكمة النقض على قمة هرم التنظيم القضائي المغربي، و يشمل نفوذها جميع التراب الوطني. أحدثت محكمة النقض، غداة الاستقلال و كانت تسمى آنذاك بالمجلس الأعلى، إلى أن تم تغيير هذه التسمية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.170 الصادر في 27 من ذي القعدة 1432 ( 25 أكتوبر 2011 ) بتنفيذ القانون رقم 58.11 المتعلق بمحكمة النقض، المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.223 الصادر في 2 ربيع الأول 1377 ( 27 سبتمبر 1957 ) بشأن المجلس الأعلى.
وبالإضافة إلى اختصاصاتها المسندة لها بمقتضى القوانين التنظيمية والموضوعية والتي تمارسها بطريقة مباشرة، فإنها تقوم بأدوار طلائعية أخرى يمكن أن نجملها في ما يلي:

محكمة النقض كجهة تشريعية
إن قرارات محكمة النقض وإن كانت في ظاهرها هي الحكم الفاصل في طلب طعن قدم أمامها، إلا أنها في نفس الوقت تكون بمثابة تكريس لقاعدة قانونية، إما بإعطاء تفسير موحد لمضامين البنود القانونية، أوبسن قاعدة أو مبدأ تستنبطه من كنه المادة القانونية، لم يكن المشرع قد تطرق له بالتفصيل أو التعداد أو التوضيح المزيل للبس، وهذا ما يسمى بالاجتهاد القضائي، والذي قد يصدر عن غرفها فرادا أو مجتمعة، فيصبح هو الركيزة في العمل القضائي والمنهج الصحيح في إلباس القالب القانوني للوقائع، فتلزم المحاكم الدنيا بالعمل به وتطبيقه، كما يستشهد به الأطراف ودفاعهم في تأكيد مرافعاتهم، وقد ألزم المشرع في عدد من فصول القانون المحاكم الدنيا بالأخذ به من خلال التقيد بالنقطة القانونية التي أحالت من أجلها محكمة النقض الملف على محكمة معينة، كما هو الشأن بالنسبة للفصل 369 من قانون المسطرة المدنية والذي جاء فيه: ……. إذا بتت محكمة النقض في قرارها في نقطة قانونية تعين على المحكمة التي أحيل عليها الملف أن تتقيد بقرار محكمة النقض في هذه النقطة. والمادة 554 من قانون المسطرة الجنائية والتي جاء فيها: يتعين على المحكمة التي أحيلت إليها القضية بعد النقض أن تلتزم بقرار محكمة النقض فيما يرجع للنقطة القانونية التي بتت فيها….
وهكذا نجد كتاب القضاء الزجري والجرائم ذات الصلة بانتخابات أعضاء مجلس النواب دليل تطبيقي والصادر عن وزارة العدل، استشهد بعشرون قرارا لمحكمة النقض عن عدد من الجرائم الانتخابية ليشرح بها ويوضح قراءة محكمة النقض للفصول المعاقبة.
أما عن المحكمة الدستورية والتي تعتبر بمثابة صمام الأمن في كل التشريعات وذلك بالسهر على تعديلها وجعلها مطابقة للدستور، فإننا نجد عددا من قضاة محكمة النقض كانوا من بين أعضائها منذ إحداث المجلس الدستوري، وهذا يدل على مدى كفاءة وتجربة واقتدار هؤلاء القضاة في شغل هذه المناصب ومساهمتهم في سلسلة التشريع الوطني من هذه الزاوية.
محكمة النقض كجهة دبلوماسية
نعلم جميعا أنه في إطار التعاون القضائي الدولي، وفي إطار تبادل الوفود القضائية للزيارات فيما بينها أو بينها وبين المؤسسات الدولية، فإنه يتم إبرام اتفاقيات تخص التعاون القضائي، والتي تهم بالأساس التعاون وتبادل الخبرات والتجربة القضائية وتكوين المكونين وغيرها من الأمور التي تروم تجويد العمل القضائي والقانوني، وقد أبرمت محكمة النقض في هذا الإطار عددا مهما من الاتفاقيات والتي تبقى بمثابة إشعاع قضائي على المستوى الدولي، إذ همت عددا من الدول في مختلف قارات المعمور.
محكمة النقض كفاعلة أساسية في الحفاظ على الأمن القومي
بالإضافة إلى اختصاصاتها المتمثلة في السهر على التطبيق السليم للقانون وتوحيد واستقرار الاجتهاد القضائي الذي يعتبر الدعامة الأساسية في الأمن القضائي والمعاملاتي، فإنها ممثلة بواسطة رئيسيها بالمجلس الأعلى للأمن، طبقا للفصل 54 من الدستور، والذي يعتبر هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد وتدبير حالات الأزمات، حيث نجد ضمن تشكيلة هذا المجلس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وهو نفسه الرئيس الأول لمحكمة النقضن، بل إن صفته هاته هي التي خولته صفة الرئيس المنتدب، ثم نجد ضمنيا عضوية رئيس النيابة العامة وهو نفسه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، لأن دستور 2011 صدر قبل إحداث مؤسسة رئاسة النيابة العامة، والتي أحيلت بسببها عدد من اختصاصات وزير العدل على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ومن بينها إعداد السياسة الجنائية.
ولا يجب أن ننسى الدور الذي سيلعبه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة في التعاون البناء والفاعل مع المرصد الوطني للإجرام والذي سيعرف النور قريبا، وذلك لوحدة المهام والاهتمام بين المؤسستين في مكافحة الظاهرة الإجرامية والبحث عن مسبباتها وتضييق الخناق على مرتكبيها.
محكمة النقض كشريكة في تسيير الشأن العام
بالرجوع للفصل 113 من الدستور نجد المجلس الأعلى للسلطة القضائية يساهم في تسيير الشأن العام من خلال إعداد تقارير وتوصيات تلقائيا أو بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان تتعلق بوضعية القضاء ومنظومة العدالة لتكون كأرضية للاشتغال على هذه الأمور الوطنية، وقد نتساءل عن موقع محكمة النقض هنا، فالجواب أن ثلاثة أعضاء دائمين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يشغلون أعلى المناصب بمحكمة النقض، وهم الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها ورئيس الغرفة المدنية أو الغرفة الأولى. كما تعمل بمثابة هيئة للتشاور تابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كما نص على ذلك الفصل 13 من الدستور، يرجع إليها لإعطاء رأيها في صياغة مشاريع النصوص القانونية، كما تتوفر على قسم خاص بالنشر والتأليف لتنمية الإبداع العلمي والقانوني للقضاة تطبيقا للفصل 26 من الدستور، من خلال جمع مؤلفاتهم، وقراراتهم ونشرها عبر المجلات والنشرات والدوريات وكذا المواقع الإلكترونية،
مقترحات عملية للزيادة في تجويد دور محكمة النقض
من خلال العمل بمحكمة النقض لأكثر من عشر سنوات، وقفت على عدد من الأمور التي أرى من وجهة نظري المتواضعة أنه أضحى لزاما إدخال بعض الإصلاحات عليها أو إعادة النظر في طريقة التعامل معها، لما سيشكله ذلك من توفير الجهود وتصريف الأشغال والوصول إلى النجاعة القضائية المطلوبة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي :
– إقرار حق التصدي لمحكمة النقض للبث والتصدي للقضايا المرفوعة أمامها، خصوصا للمرة الثانية؛
_ رفع سقف القيمة المالية للقضايا غير القابلة للطعن لمبلغ مائة ألف درهم ؛
_ رفع الرسوم القضائية أمام محكمة النقض مع تفعيل مبدئ تعويض المتضرر من الطعن التعسفي؛
_ جواز تنبيه الأطراف لإصلاح الإخلالات الشكلية أمام محكمة النقض؛
_ تفعيل منشور رئيس الحكومة الخاص بالتدخل بين الإدارات للحد من النزاعات القضائية القائمة بينهم. يعهد فيه للوكيل القضائي للمملكة للقيام بمهمة التوفيق بين الإدارات في النزاعات القائمة فيما بينهم مع رفع الأمر لرئيس الحكومة حالة استمرار الخلاف للتحكيم في الأمر. وإن كنت أقترح أن القضاء في مثل هذه الدعاوى، عليه أن يقضي بعدم قبول الدعوى لكون الإدارة لم تفعل المسطرة الإدارية؛
– لابد من اجتماع الأقسام ذات الاختصاص الواحد في الملفات التي تعرض على غرفتين أو أكثر، لأن كل قسم هو غرفة قائمة بذاتها ودليلنا الأحكام الصادرة عنها التي تعنون بالغرفة لا بالقسم، فلابد من أن تجتمع الأقسام ذات الاختصاص الواحد في قضية ما توحيدا للاجتهاد وتعميما للنقاش، إذ لا يفيد قسم الأحوال الشخصية مثلا في التداول مع قسم جنائي في قضية جنائية، لأن الغلبة تبقى للقسم المتخصص، والذي ينجح في إقرار توجهه كاجتهاد قضائي يقتضى به؛
– توجيه دورية لجميع الوكلاء العامين للملك بعدم البث في الشكايات الموجهة ضد النقباء وإرسال كل الوثائق والمحاضر لهذه النيابة العامة للاختصاص تطبيقا للمادة 72 من قانون مهنة المحاماة، حتى يتسنى لهذه الأخيرة اتخاذ الوجهة القانونية الصحيحة بشأنها؛
– توجيه دورية لجميع النيابات العامة للإفادة بمآل الشكايات المحالة عليها بمقتضى تعليمات، وذلك لحفظ الملفات التي تبقى مفتوحة بهذه النيابة العامة لعدم معرفة مآلها النهائي؛
– توجيه كتاب لكل النيابات العامة من أجل ترشيد الطعون والإسراع بإحالة الملفات التي تم الطعن فيها بالنقض على هذه المحكمة، وذلك لما للأولى من سلطة المراقبة على كتابات الضبط في التسريع بإحالة الملفات بعد تحريرها؛
– مطالبة جميع مسؤولي النيابة العامة الإفادة بتقارير تتضمن أنواع الجرائم الأكثر اقترافا بدائرة نفوذهم، مع ذكر الأسباب الكامنة وراء ذلك، لتكون هذه التقارير بمثابة أرضية للسياسة الجنائية ولمكافحة الإجرام بنوعيه، خصوصا أن الاحصائيات لا تتطرق لمسببات الجرائم؛
– تكليف المحامين العامين كل حسب نوع القضايا التي يحضر جلساتها، إعطاء تصور حول نوع الطعون وأسبابها والاختلاف الموجود بين تعليل محاكم الموضوع وتعليل محكمة النقض؛
– توجيه نسخ من القرارات القاضية بإلغاء بعض إجراءات النيابة العامة، إلى جميع النيابات للاقتضاء بها والعمل على عدم اتخاذها مجددا في إطار توحيد الاجتهاد القضائي؛
– اقتراح بعض القضاة والمحامين العامين لإلقاء محاضرات بالمعهد العالي للقضاء ومعهد الشرطة والمعهد العالي للصحافة والمدرسة الوطنية لتكوين الأطر، للتعريف بالكفاءات وباختصاص النيابة العامة بوجه عام حتى تكون إشعاعا قانونيا وقبلة للمعرفة القضائية؛
– التماس المحامين العامين بإصلاح الإخلالات الشكلية في المذكرات، مادامت النيابة العامة هي الساهرة على تطبيق القانون، وتحقيق العدالة هو أسمى صور تطبيق القانون، فقد لا تكون للطاعن يد في هذا الإخلال الذي سيضيع حقوقه؛
– وجوب توفر الديوان على بطاقات وكتيبات تعرف بالمغرب – سياحة – مآثرا- عمرانا – اقتصادا – صناعة – وبمؤسساته الدستورية- وكذا بعض القوانين كالتنظيم القضائي والمجلس الأعلى للسلطة القضائية وتجربة رئاسة النيابة العامة، لتقديمها للزوار والمدعوين في إطار التعاون القضائي الدولي؛
– خلال زيارات الوفود لهذه المحكمة، يقترح قيام أحد المحامين العامين بعرض موجز حول موضوع الزيارة، يتضمن الجانب القانوني ووجهة نظر النيابة العامة، مع إعطاء تعريف لعملها واختصاصاتها معزز بشريط فيديو أو صور أو كتيبات؛
ــــ تسجيل نفس الشكاية بأكثر من رقم، ما يرفع من عدد المسجل خلال السنة، ولكن يؤثر سلبا على إحصاء المنجز، إذ لا يحتسب القرار المتخذ إلا مرة واحدة بالنسبة للشكاية الأصلية دون باقي نظيراتها الواردة من جهات أخرى؛
ــ توقف كتابة الضبط عن إحالة الملفات على الغرف ابتداء من شهر أكتوبر، استعدادا لإحصائيات السنة القضائية، يؤثر سلبا على بداية السنة الجديدة لكثرة الإحالات وتراكم أعداد من الملفات، ما يجعل جهود التصفية تدور في حلقة مفرغة؛
ــ في إطار رقابة محكمة النقض على الخبراء الوطنيين، لوحظ أن بعض الخبراء يستعملون شعارات المملكة في رأسية تقاريرهم المرفوعة للقضاء، مثل : المملكة المغربية ـ وزارة العدل ــ محكمة الاستئناف ـ تقرير المحكمة، ما يخلق لبسا لدى المتقاضين، وكأن هذا الخبير تابع أو يشتغل بهذه المؤسسات؛
ــ عقد لقاءات مع رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب والنقباء، لتدارس الإخلالات المرتكبة من طرف بعض المحامين، للعمل مستقبلا على تفاديها خدمة للعدالة ولمصالح المتقاضين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock