منوعات

“المتعاقدون” … عسل النقابة و سم السياسة و الجماعة !

اسماعيل شفقي
كاتب رأي
باحث في العلوم السياسية و القانون العام

مهما أفصحت “القضية” عن نفسها، و مهما بلغت و علت مشروعيتها، فإن غموض “الهوية التنظيمية” للجسم الحامل لها؛ كفيل بإجهاض “القضية” و نسف “الشرعية”.. مهما اشتد عودها!
إن “هوية” التنظيم، هي روحه، و هي الرحم التي تتشكل على جدارها المرهف المفاهيم و العقائد و الرؤى و القواعد.. و بالضرورة تتحدد عندها _ماديا و عمليا_ الأجندة و الآليات و النبرة، و تسطر على مستواها استراتيجية الفعل؛ مسارات و تكتيكات..
لنباشر تمرينا ذهنيا، بمثابة لحظة عبور لعمق الموضوع، نقارب فيه الفروق الجوهرية و التمايزات الشكلية بين “الهوية النقابية” و “الهوية السياسية” للتنظيمات، و كيف أصبحت الهجانة و الخلط بين الهويتين في “التنظيم الأستاذي لأطر الأكاديميات”، مدخلا للتمويه و الخداع الاستراتيجي.. و دسا للسم في العسل!
عسل النقابة و المطلب المهني المشروع.. و سم السياسة و الجماعة المعلومة!
إن هوية التنظيم النقابي، ذات طبع مهني و طابع فني، متمرسة على لعب الأوراق و التفاوض، بخطاب قابل للضبط و القياس، تنبيه قابل للإستجابة، تحكمها ثقافة تسوية الملفات، يتمتع فيها الجسم النقابي بلياقة و لباقة نضالية و مرونة عالية في الحركة.. و حدود الحركة الممكن الواقعي الأقصى! و جاهزية العقل النقابي الدائمة للتوافق، قد تتخذ الشكل الجماهيري تكتيكيا لكنها استراتيجيا تدرك أن مناط الحل حوار!
و أن الحل يبنى على طاولة المفاوضات، و ليس حجارة صلبة يلقى بها من الشوارع على زجاج الدولة،
و أن الحل يستلزم وجوب حضور الجميع و رضى الطرفين و توازن المصالح…
في ٱختلاف جذري عن ضروب السياسة و دروبها، حيث نزعة الصراع و نزوع التغلب و السطوة، بعقائد صلبة ذات محركات اديولوجية و دفوع مهجسة ب “السلطة” و “الدولة”، تثيرها أطراف تطلب بقاءها بفناء خصومها مستلزمة بذلك و فيه حتمية “المنتصر و المنهزم”
و قد اتضحت الفروق العميقة بين الدائرتين السياسية و النقابية، العين المجردة تكفي لرصد المسارات العميقة للسياسة؛ تخترق التنظيم الأستاذي لأطر الأكاديميات، و تكفي لرصد مرور “الشبح الظلامي الرجعي” منها و عبرها…

“استمرارا في سياستها الاستبدادية و استئصال كل الحركات الاحتجاجية المقاومة…”
ليس مقتطفا من بيانات الثورة الشيوعية و اعلاناتها، و ليس كتاب الخليفة الموعود للقومة الإسلامية لرجال دعوته و الرايات السود !
أنه طليعة بيان لهذا “التنظيم الأستاذي” صاحب المطلب المهني التقني!
حبكة لغوية معلومة أصولها الإديولوجية و التنظيمية؛ فبذرتها الأولى لدى اليسار الثوري الناصري، و تؤتي أشواكها في الحقل الاسلاموي الملغوم و المعلوم…
توظيف ممسوخ ل”فكر” و تعبير في غير مقامه و موضعه، و هنا منطلق الخلط بين النقابي و السياسي و الإديولوجي، خلط يؤول إلى ركوب الإديولوجي و السياسي على النقابي البريء! تدبيج يراد به التأجيج، يراد منه إجهاد الدولة و إجهاض الحل،
إنه تنكر في الزي النقابي بمحفل السياسة.. السياسة العميقة جدا!

فصار الأساتذة الجهويين يعيشون في جلباب الجماعة، و استدفئت الجموع الجلباب؛ فهي الأسرة المحافظة ذات النزوع الاسلاموي المناهضة لمشروع الدولة في الحداثة و التنوير المجتمعي؛ في هامشها المهم إلا الأقلية القليلة المستنيرة !
و ظلت الجماعة تستثمر في الأزمة، سعيدة بتعثر الحل، ساعية ربما لتعطله، تخاطب الوزارة بخطاب سياسي و تخاطب الدولة بخطاب تقني.. مشتتة بذلك تركيز الجموع الأستاذية، و أوراق الحل و فرص الإصلاح… ف “حجة وجود الجماعة فساد الأوضاع” على قول الزعيم عادل الإمام في فيلم طيور الظلام، مخاطبا الجماعة الإخوانية.
تريدها الجماعة و خصيان اليسار المشرقي، احراجا سياسيا للدولة، و معركة تكسير عظام، و ليس استبدال أنظمة جهوية، بنظام..!
إن المنطق الدوغمائي و الإنغلاق على الذات و النفخ في خطاب الأزمة و التأزيم و التصلب النضالي، ليس فعل نقابة و لا يمت بصلة للتقاليد النقابية العريقة، إنه فعل جماعة معادية للدولة، طالبة للسلطة..
إن فرض “القطيعة الاجتماعية” على غير المنتسبين للتنظيم الأستاذي لأطر الأكاديميات بمقصف المؤسسة و أروقتها، لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال نضال! إنه عمل ممعن في التسييس، تسييس ممعن في الثورجية البائدة، مع الوصم و الفضح الاجتماعي، فضلا عن كونها “غير أخلاقية” و “حالة نفسية مرضية” تؤول إلى “إعاقة اجتماعية” بالضرورة.
إن الجموع الأستاذية اليوم بين حجري الرحى، تقع بين أرضية نقابية صلبة و على رأس هاته الجموع حجر السياسة و الإديولوجية التي لا ترحم!
و ليست الأولى ما تؤلم الجموع فهي حقها المشروع، يؤلمها حجر السياسة الذي تحركه أيادي مؤدلجة تحترف الهدم و الضرب بالحجارة و الضرب تحت الحزام.. و اللعب في الظلام !

بعيدا عن الأساس القانوني الصلب، تسعفنا المعطيات السابقة، لفهم الجزء الاستراتيجي من تدخل السيد عامل جلالة الملك على إقليم تاوريرت، ليس تدخلا ضد الفعل النقابي و لا يمكن أن يكون كذلك فهو مضمون بقوة الدستور.. و ليس ضد الأستاذية فمقامها محفوظ!
هو تدخل لصد هذا العمق الإديولوجي السياسي الهدام، الذي لا تخطئه عين الدولة و حدسها.. و يدها!

أستعير من الشخصية الكرتونية “دورا” قولها البليغ :
أين المنطق النقابي المهني في كل ذلك.. أنا لا أراه!
أين عقل الجموع الأستاذية المحترمة من كل هذا… أتمنى أن أراه!
و للحديث بقية….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock