مقالات و آراء

المغرب : بعد تجربة الإعتقال الحقوقي حسن اليوسفي يصدر مؤلفا عن العدالة الإنتقالية

بقلم مؤلف الكتاب :
حسن اليوسفي
يأتي إصدار المؤلف الذي اخترت له عنوان “مغرب المصالحة إلى أين ؟ ” في سياق التحولات الديمقراطية الكبرى التي شهدتها بلادنا على امتداد 21 سنة كاملة منذ تولي الملك محمـد السادس مقاليد الحكم سنة 1999 اثر ظرفية تاريخية حاسمة أعقبت وفاة الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه ، حاولت في هذا الكتاب الجديد اعتماد آلية تقييم موضوعية لكل المحطات التي شكلت مراحل بناء أساسية لهوية مغرب حداثي يضطلع بمسؤوليات مهمة تتمثل في إرساء مقومات “دولة الحق و القانون ” في إطار مشروع مجتمعي انخرط فيه جميع المغاربة كل من موقعه سواء تعلق الأمر بالفاعلين السياسيين أو الاجتماعيين، و في هذا الصدد انبثقت الرغبة في ضرورة الإسهام الجاد والمسؤول على ضوء منهجية شمولية في أبعادها، ترمي إلى بحث السبل الناجعة للقيام بقراءة ماضي سنوات الجمر والرصاص، الذي تميز بحدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، عقب اندلاع الأحداث الاجتماعية التي حدثت أنذاك ، دونما تجاهل للاختلالات العميقة التي كانت والتي تشكل معيقا للإصلاحات المنشودة، في ظل انعدام مرتكزات فعالة تنسجم مع طموحات وتطلعات المجتمع المغربي لعقود من الزمن.
إن الحديث عن الصيرورة الديمقراطية لبلدنا المغرب سيقودنا لا محالة للقيام بقراءة موضوعية لحقبتين هامتين، الأولى تخص الفترة الممتدة منذ بزوغ فجر الاستقلال إلى غاية سنة 1999 بمعنى أننا سنكون أمام ضرورة تقييم شامل وبتجرد لمرحلة الصراع حول السلطة، وهي المرحلة التي وسمت سنوات الجمر والرصاص ، بينما المرحلة الثانية، التي يمكن اعتبارها مرحلة الشرعية والمشروعية، تهم تجربة المغرب الحداثي المتمثلة في محطة الملك محمـد السادس خلال حكمه للمغرب لمدة 21 سنة كاملة والتي بدأت بمسلسل الإنصاف والمصالحة مع الماضي ، كآلية مبتكرة للعدالة الانتقالية طبعت العهد الجديد لبلدنا. فقد شهدت الحقبتين المذكورتين أوجه اهتزاز متباينة في تدبير السلطة من طرف النظام السياسي القائم، أدت في غالب الأحيان إلى ظهور بوادر احتقان مجتمعي وفشل تعاطي الدولة مع مطالب المغاربة المشروعة الرامية إلى العيش في مغرب الحريات، الكرامة و العدالة الاجتماعية.
فالمؤشرات المتعلقة بمحطة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إبان مرحلة سنوات الجمر والرصاص و تجربة العدالة الانتقالية خلال فترة حكم الملك محمـد السادس تعني أنه وجب أساسا الوقوف عند هذه الحقبة التاريخية الحاسمة، التي تبرز تحديات جمة واجهها نظام الحكم عقب عدة أحداث اجتماعية مهمة ارتكبت بالماضي الأسود للمغرب، و لا بد من الإشارة إلى أن تخصيص اهتمامنا البالغ لهذه المعطيات كان بهدف تسليط الضوء على العوامل الإيجابية وكذا السلبية التي دبرت فيها الدولة هذه التحولات المجتمعية الكبرى ، التي لعب فيها الفاعلون السياسيون ونشطاء المجتمع المدني أدوارا طلائعية مكنت في النهاية من رسم أفق بناء المغرب الحداثي والديمقراطي فالمغاربة اليوم أصبحوا في تعامل يومي مع أهم الإصلاحات المؤسساتية، والتي تعتبر امتدادا لصيرورة تاريخية طويلة، تجسد خيارات المجتمع الرامية إلى الحريات الكرامة والعدالة الإجتماعية انسجاما مع المواثيق الدولية ذات الصلة، غير أن ما لازم هذه الدينامية من اختلالات بنيوية بالعديد من القطاعات أدى إلى تشكل قناعة لدى فئات واسعة بأن البلاد لم تحسن استغلال ما تمت مراكمته من تطورات على مستوى النهوض بأوضاع حقوق الإنسان.
وانطلاقا من قناعتنا الراسخة والثابتة قررنا الانخراط بشكل موضوعي و مسؤول في إبراز أهم ما ميز حقبتي المرحلتين، مرحلة الماضي الأسود ومرحلة المغرب الحداثي و الديمقراطي و ذلك انسجاما مع الخيارات التاريخية الحاسمة، التي فوضت لبلدنا إمكانية فسح المجال أمام المواطنين للإدلاء بدلوهم بخصوص أهم البرامج الإستراتيجية الكبرى التي تم إطلاقها، استجابة لنداءات و تطلعات وأمال عموم المغاربة خلال العديد من المحطات الاجتماعية الهامة، التي طالبت من خلالها القوى الحية والفاعلة بمنظومة سياسية تصون الحريات الكرامة و العدالة الاجتماعية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المحطات السلبية في تدبير نظام الحكم بالمغرب ستشغل حيزا مهما من مؤلف : “مغرب المصالحة إلى أين ؟ ” دون إغفال الجوانب الايجابية كذلك و التي تشكل دعامة أساسية لمسار بناء دولة الحق و القانون على امتداد عقود من الزمن.
و سنسعى من خلال مؤلفنا لتقديم رصد شامل و دقيق لأهم المحطات الحاسمة التي طبعت الخيارات الإستراتيجية لبرامج الإصلاح السياسي والاجتماعي،التي انخرطت فيها الدولة تجاوبا مع الحراكات المجتمعية التي شهدتها بلادنا منذ الاستقلال، فقد دفعت كل القوى الفاعلة والحية على الدوام في اتجاه بناء مغرب منفتح يؤسس لهوية تنسجم مع القيم الكونية لحقوق الإنسان بما يتلائم مع القرارات الهامة التي فوضت للمغرب وضعا متقدما أهله للانضمام للعديد من المعاهدات و الاتفاقيات الدولية،كما صادق على أخرى في بحث دائم ومتجدد شكل محور انتقادات دائمة للمنظمات العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان سواء منها الوطنية أو الدولية، الحكومية وغير الحكومية رغم أن هذه التطورات والتحولات قوبلت دوما بعدم الرضى والرفض من قبل هذه الهيئات الرقابية ، لكون المبادرات التي كانت تتخذها كانت تتم بتدخل مباشر أو غير مباشر لأطراف تشغل مراكز السلطة والقرار، حيث همت هذه التجاوزات السعي الحثيث للالتفاف على مطالب المدافعين على حقوق الإنسان بغية الاحتفاظ على الهيمنة المطلقة على صناعة القرار السياسي، مما دفع بالدولة على الانزلاق نحو مسار مشوب بمجموعة من الخروقات والاختلالات في التعاطي مع الحقوق السياسية، خاصة حرية الرأي والتعبير وكذا الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و حقوق الجيل الثالث.
مؤلف : “مغرب المصالحة إلى أين؟” سيكون بحول الله و مشيئته إصدارا نوعيا، يقدم رصدا شاملا دقيقا وموضوعيا لفترة الحكم الجديدة بما رافقها من ايجابيات وسلبيات أملا في أن يساهم هذا العمل الأدبي المتميز في تقديم الأجوبة اللازمة لأسئلة المجتمع المغربي وفق تصور مبني على رؤية عملية وممنهجة كما أن المؤلف يبقى كذلك مرجعا استثنائيا، يسلط الضوء على مشروع المغرب التاريخي، الذي يهم ورش المصالحة في إطار آلية العدالة الانتقالية، التي وصفت بنجاح جعلها ضمن التجارب الخمس الأولى بالعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock