مقالات و آراء

إفريقيا-فرنسا وألم الفطام الصعب

بقلم : سمير الضويوي

لم تصل رسائل إمانويل ماكرون إلى الشباب الإفريقي بالشكل المخطط له سلفا، فقد بدا مندهشا وهو يتوسط إحدى القاعات بقصر لوكوروم للمؤتمرات بمونبلييه البعيدة عن الشاطئ المتوسطي ب 10 كلم إلى الجنوب الشرقي لفرنسا،ومشدودا إلى عاصفة من الانتقادات القاسية في إطار فعالية مؤتمر القمة الافريقية الفرنسية 28، فشباب 53 دولة إفريقية الذين تمت دعوتهم لهذه القمة بدلا من الزعماء الأفارقة لإدارتها تخلوا عن البروتوكول المرعي عادة في مثل هذه المناسبات وفي تحد غير مسبوق رسموا كل الوان الغضب اتجاه فرنسا وماكرون بأوصاف من قبيل “الغطرسة”، “العنصرية”، الوصاية الأبوية، وحتى الدموية منها،بعظ الجوانب الفكاهية من مداخلات الشباب الأفارقة كانت حارقة بتشبيه العلاقة الأفريقية الفرنسية “بِقِدرٍ قَذِرٍ حتى ولو تم تنظيفه وأصبح طعامه جاهزا فسيجد السيد الرئيس نفسه وحيدا على طاولة الأكل وحيدا ولن يشاركه أحد”. فاستدعاء مهندس هذه القمة المفكر والأكاديمي الكاميروني المقيم بجنوب إفريقيا أشيل مبيمبي لرعاية القمة كجزء من مناورة اعتقدت باريس أنها ربحت من خلالها ورقة تساعد عودتها إلى مستعمراتها السابقة بروح متجددة،دون الاعتماد على الزعماء المفتقدين للمصدقاية حسب زعم الساسة الفرنسيين، غير إن هذه المغامرة أظهرت لفرنسا السياسية نسبة الوعي المرتفع بإفريقيا، وأنها غير مرحب بها إفريقيا وسط الرأي العام الإفريقي على الاقل ودفعت بالمفكر الكاميروني نحو مقصلة النقد الحاد، فصاحب كتاب (نقد العقل الزنجي) كان يأمل في تجاوز النقد لبناء علاقات فرنسية إفريقية بروح شابة، وهو الذي عانى من كل أشكال التعذيب للاستعمار الفرنسي ومقتل افراد من عائلته. فيما يرى بعظ المراقبين والاكادميين أن استعمال المثقفين الأفارقة كجسر للعبور هي خطة غير مجدية. مواطن إفريقي مقيم بفرنسا لم يتردد في طرح سؤال بحرقة ” لماذا لايزال المستقبل البشري،والسياسي،والإقتصادي للقارة الإفريقية يناقش في فرنسا؟!” الجواب ليس جاهزا، لكنه متمضهر في حالات الجفاء بين الدول الافريقية مجتمعة أومنفردة مع فرنسا ، والفجوة التي بدأت في الاتساع تاركة فراغات لقوى أخرى للتدافع و التزاحم لملئها، فالمطلوب تغير جدري في السياسة الخارجية الفرنسية اتجاه القارة الافريقية بقراءة الأولويات بشكل يحترم سيادة الدول. وقد تكون أولى الخطوات ولو إنها محتشمة ولاترقى إلى الطموحات المرجوة الا انه تعتبر إشارة حين دعا الرئيس الفرنسي على هامش قمة العشرين ببالي الإندونيسية ” لمؤتمر دولي من أجل اتفاقية مالية جديدة مع الجنوب” في إشارة للقارة الافريقية كما عبر عن دعم فرنسا الكامل ” الانضمام الكامل للاتحاد الافريقي إلى مجموعة العشرين”. هذا التغير التكتيكي بتعبير اهل كرة القدم شجع ظهور لاعبين جدد بخطط جديدة وتاريخ غير مخلوط بالدم والمعاناة، كما هو الشأن لتاريخ فرنسا الاستعماري، فالأمر لم يعد محدودا في الثقافة واللغة لتثبيت الاقدام الفرنسية بالمنطقة بل تعداه إلى ما يشبه الشراكة والسلاسة في التعاملات ذات الأبعاد الاقتصادية والعسكرية بأهداف محددة تعطي الانطباع ان اللاعبين الجدد قادمون بفكرة رابح-رابح، ، دون شروط مسبقة وخصوصا في مجال التسليح، فرنسا تعي جيدا هذا الانسياب الناعم لهذه القوى الجديدة، فهي لا تنضر بعين الرضى للتحركات الروسية، التركية والصينية من جهة والادوار الأمريكية الإسرائيلية من جهة أخرى. فالثروة العذراء من طاقة ومعادن، وفرص الاستثمار التجاري بكل مغرياته وسط سوق ربما واعدة بتعداد مليار ونصف أي ما يعادل 17،8 % من ساكنة العالم لو توفرت شروط تنمية اذواقه الاستهلاكية للأفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock