سياسة

“مخطط التنمية الجهوية لجهة مراكش- آسفي، بين طموحات النجاح ومعيقات الإنجاز”

عبدالحق عندليب

إن مناقشة المخطط الجهوي للتنمية بجهة مراكش – آسفي الذي أعده المجلس الجهوي بالجهة يقتضي في المقام الأول التعرف على المؤهلات الطبيعية والاقتصادية والبشرية والثقافية التي تزخر بها الجهة، ناهيك عن رصيدها التاريخي ووزنها الحضاري. كما يقتضي في المقام الثاني الوقوف عند الاختلالات والنواقض التي شخصها المخطط المشار إليه والتي سطر من أجل معالجتها جملة من التدابير في إطار الرؤية الإستراتيجية لبرنامج التنمية الجهوية(PDR) التي بلورها للفترة الممتدة بين سنة 2017 و 2021. كما سأحاول في المقام الثالث، بناء على بعض المعطيات المتوفرة، الوقوف عند بعض المعيقات التي بدون معالجتها معالجة حقيقية سيظل إنجاز الأهداف الطموحة لهذا المخطط مجرد متمنيات بعيدة المنال كسابقيه من المخططات والبرامج التنموية.

المؤهلات المتميزة لجهة مراكش- آسفي على ضوء التقسيم الإداري الجديد:

تعتبر جهة مراكش- آسفي اليوم على ضوء التقسيم الإداري الجديد الذي بدأ العمل به منذ سنة 2015 من بين أهم الجهات الإثنى عشر على الصعيد الوطني، حيث تم تقسيم التراب الوطني في إطار اللامركزية واللاتمركز إلى 12 جهة. ويتجلى ذلك في كون الجهة تضم من الناحية الديمغرافية تجمعا سكنيا كبيرا حيث انتقل عدد السكان من 3,1 مليون نسمة إلى 4,5 مليون نسمة، أي بزيادة قدرها 46%، كما ارتفع عدد الأقاليم بالجهة من 6 إلى 8 أقاليم أي بزيادة قدرها 33%، وارتفع عدد الجماعات الترابية بالجهة من 218 إلى 251 جماعة، أي بزيادة قدرها 15%، مما جعل حاجيات الجهة تتضاعف سواء على مستوى الموارد المالية لإنجاز المشاريع وتعبئة الإمكانيات المادية والموارد البشرية واللوجسيتيكية اللازمة لتحقيق أهداف المشاريع المتعددة والمتنوعة التي تمت بلورتها.
لقد أضحت جهة مراكش- آسفي تتميز بتنوع كبير ومتميز على مستوى التضاريس، حيث تمتد جغرافيا بين المحيط الأطلسي على امتداد 270 كيلومتر ومناطق جبلية شاسعة وبينهما تمتد سهول خصبة. كما تتوفر الجهة على مؤهلات اقتصادية هامة ومتنوعة تتمثل أساسا في ثروة سمكية (آسفي والصويرة) وثروة معدنية هائلة (اليوسفية وشيشاوة) ومؤهلات سياحية وثقافية رائدة (مراكش وآسفي والصويرة والحوز) ومؤهلات فلاحية هامة (قلعة السراغنة والرحامنة وشيشاوة والحوز) ومؤهلات في مجالات الصناعة الحديثة والصناعة التقليدية (مراكش والصويرة وآسفي). بالإضافة إلى توفر الجهة على أكبر جامعة على الصعيد الوطني (جامعة القاضي عياض) والعديد من المعاهد والمدارس العليا لتكوين الأطر في مختلف التخصصات. هذه المؤهلات جعلت الجهة تتبوء الرتبة الثالثة بين الجهات الإثنى عشر على مستوى خلق الثروة، حيث تساهم بنسبة 11,4% من مجموع الناتج الداخلي الوطني الخام، أي ما يعادل 121 مليار و 651 مليون درهم حسب إحصائيات 2017.

التباين بين المؤهلات والنواقص:
إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى هو هل ما تتوفر عليه جهة مراكش- آسفي من مؤهلات مختلفة وغنية يجعلها تستفيد من عائدات ما تنتجه من ثروة وما تذره على خزينة الدولة من مداخيل؟
إن الإجابة على هذا التساؤل يقودنا إلى استعراض ما قدمته الدراسة التي أعدها المجلس الجهوي لجهة مراكش- آسفي في إطار إعداد الرؤية الاستراتيجية وبرنامج التنمية الجهوية (PDR)، حيث تبين الدراسة وجود اختلالات ونواقص عملت الرؤية على معالجتها من خلال تسطير جملة من التدابير. وهكذا وبناء على المعطيات الكمية التي وفرتها الدراسة يلاحظ وبشكل جلي وجود تباين بين مؤهلات الجهة والاختلالات والنواقص التي تتخلل العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يفيد بأن الجهة لا تستفيد بشكل عادل ومنصف من عائدات ما تنتجه من ثروة وما تذره على خزينة الدولة من مداخيل هامة.
ويمكن تسجيل هذه النواقص في العديد من المجالات، منها على الخصوص قطاع التعليم، حيث يتبين أن الجهة مرتبة في الرتبة السابعة بالنسبة لباقي الجهات على مستوى نسبة التمدرس وبأن معدل التمدرس بالجهة أقل من المعدل الوطني، خاصة في أقاليم آسفي والصويرة وشيشاوة والحوز والرحامنة واليوسفية، أي في الجزء الأعظم من الجهة.
وبالنسبة لمحاربة الأمية تحتل الجهة الرتبة ما قبل الأخيرة (الرتبة 11) بالنسبة للجهات الإثنى عشر. أما بالنسبة لقطاع الصحة فتبين الدراسة بأن الجهة تشكو من عجز كبير على مستوى عدد الأطباء والممرضين والأسرة، حيث لايتجاوز عدد الأطباء طبيب واحد لكل 4580 نسمة بينما المعدل الوطني هو طبيب واحد لـ 4040 نسمة. كما أن الجهة تشكو من ضعف عدد المستشفيات بل وغيابها بالنسبة للعديد من المناطق لاسيما الجبلية منها بإقليمي الحوز وشيشاوة. وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أن النقص في عدد الأسرة قد بلغ 1376 سرير. وعلى مستوى التغطية بشبكة الماء الشروب وشبكة الكهرباء، فإن الجهة تحتل الرتبة الثامنة بالنسبة لبقية الجهات، حيث لاتتعدى نسبة الربط بشبكة الماء الشروب 72,76% وهي أقل من المعدل الوطني الذي بلغ 73%. وبالنسبة للربط بشبكة الكهرباء، فإن نسبتها لاتتجاوز 91,15% بينما المعدل الوطني للربط بشبكة الكهرباء يصل إلى 91,6%.
وعلى مستوى فك العزلة عن العديد من المناطق القروية ، فإن الجهة تحتل الرتبة السادسة بالمقارنة مع باقي الجهات، حيث أن حوالي 105 ألف نسمة من سكان الجهة يضطرون إلى قطع ما معدله 9 كيلومترات للوصول إلى الطريق المعبدة الأقرب إلى مساكنهم. وعلى مستوى الحفاظ على البيئة لازالت الإمكانيات والوسائل التي تتوفر عليها الجهة لتحقيق هذه الغاية جد ضعيفة، حيث أن ندرة المياه أصبحت تهدد مستقبل الفلاحة التي تعد من الموارد الاقتصادية الهامة بالجهة والتي تعيش منها مئات الآلاف من الأسر.

التباين أو الفوارق بين أقاليم الجهة:
اختلال التوازن في مجال العدالة المجالية بين جهة مراكش- آسفي وبقية الجهات من حيث الاستفادة من عائدات إنتاج وخلق الثروة يحتد بشكل كبير بالنسبة لبعض مكونات الجهة. وهكذا فقد أشارت الدراسة التي قام بها المجلس الجهوي لجهة مراكش – آسفي إلى مجموعة من الاختلالات ، حيث أكدت أن 5 جماعات تضم 31 ألف نسمة لاتتعدى نسبة التمدرس فيها 80%، وهي نسبة بعيدة عن المعدل الوطني الذي بلغ حوالي 95%، وبأن الأمية في 32 جماعة تضم 270 ألف نسمة تتجاوز59% ، وبأن 13 جماعة لازالت تعاني من العزلة التامة والتي تضم 105 ألف نسمة، وبأن 69 جماعة تضم أزيد من 775 ألف نسمة لاتتعدى نسبة التغطية فيها بشبكة الماء الشروب 20% والتغطية بشبكة الكهرباء %55. ومن بين الأقاليم التي لازالت تعاني من النقص المهول على مستوى الخدمات الاجتماعية نذكر على الخصوص أقاليم الصويرة وشيشاوة والحوز التي تمثل من الناحية الديمغرافية حوالي ثلث ساكنة الجهة.

سوء التدبير والفساد من معيقات إنجاح مخطط التنمية الجهوية بجهة مراكش – آسفي:
لانزايد حين نقول بأن ضمان شروط حسن التدبير وعقلنته لتحقيق الأهداف المرسومة لمخطط التنمية الجهوية لجهة مراكش- آسفي يعتبر من الضروريات الملحة. مما يقتضي في المقام الأول العمل على معالجة المعيقات التي انتصبت في الماضي وتنتصب اليوم في وجه المشاريع الطموحة التي تمت بلورتها.
لقد تعثرت العديد من المشاريع أو فشلت بسبب سوء التدبير والفساد من طرف المسؤولين على تدبير الشأن المحلي من موظفين ومنتخبين. ويكفي في هذا الصدد أن نشير إلى التعثر الذي شهده المشروع الضخم المسمى “مراكش الحاضرة المتجددة” والذي رصدت له ميزانية تتجاوز 600 مليار سنتيم، وهو مشروع يهدف إلى تأهيل مدينة مراكش ومعالجة ما تعانيه من نواقص في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية. لكن هذا المشروع طاله التلاعب والفساد، حيث تم تفويت العديد من العقارات المخصصة لإنشاء العديد من المنشئات إلى بعض الخواص. وقد تم في هذا الصدد توقيف الوالي السابق وعدد من معاونيه وإحالتهم على القضاء، بل تمت إدانة رئيس مصلحة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالسجن النافذ. وفي نفس السياق تم ضبط مدير الوكالة الحضرية بمراكش متلبسا بتسلم رشوة مقابل السماح لأحد المقاولين بإقامة مشروع سكني خارج الضوابط القانونية ، حيث تم الحكم ابتدائيا على هذا المسؤول بعشر سنوات سجنا نافذا بتهمة الارتشاء.
ومن ملفات الفساد التي تعد من معيقات إنجاح أي مشروع تنموي بالجهة نذكر كذلك ملف فندق السعدي، الذي قام رئيس بلدية المنارة – جليز سابقا والبرلماني حاليا بمجلس المستشارين بتفويته وتفويت الأراضي المحيطة به بمبلغ 600 درهم للمتر مربع بينما كانت سومة العقار إبان انفجار الفضيحة تقدر بـ 10 آلاف درهم للمتر مربع، وهو ما يمثل خسارة تقدر بأزيد من 50 مليار سنتيم تسبب فيها هذا التفويت غير القانوني. هذا الملف الذي لازال معروضا على القضاء وينتظر التنفيذ رغم إدانة الرئيس السابق لبلدية المنارة –جليز ب 5 سنوات سجنا نافذا ابتدائيا واستئنافيا.
ونشير كذلك إلى أن أحد نواب العمدة السابقة لمدينة مراكش قد تورط في تبديد المال العام والتزوير، حيث استغل غياب عمدة المدينة لصرف أزيد من 5 ملايير سنتيم خارج الضوابط القانونية، مما جعل المحكمة تدينه ب 3 سنوات سجنا نافذا وهو ما ينتظر التنفيذ إلى يومنا هذا.
أما العمدة الحالي لمدينة مراكش ونائبه الأول وكلهما برلمنيان، لازال رهن البحث القضائي بسبب تبديدهما للمال العام، حيث تم صرف 28 مليار سنتيم في إطار الاستعدادات لاستقبال المؤتمر الدولي حول المناخ COP22.
ولا تفوتني الفرصة دون أن أشير إلى أن رئيس جماعة واحة سيدي إبراهيم وهو عضو بمجلس النواب قد تمت إدانته ب 6 سنوات سجنا نافذا بسبب تقاضيه لرشوة من أحد المنعشين العقاريين. ومن ملفات الفساد وسوء التدبير أيضا التي عرقلت وتعرقل مشاريع التنمية بالجهة نذكر ملف المجلس الإقليمي بالصويرة الذي لازال البحث القضائي فيه متعثرا وينتظر التسوية، وكذلك ملف كورنيش آسفي الذي لازال قيد البحث القضائي.
إن المثير حقا في ملفات الفساد، هو أن جل المدانين ابتدائيا وحتى استئنافيا بالسجن لازالوا أحرارا طلقاء، بل منخرطين بقوة في الاستعداد لترشيح أنفسهم للانتخابات القادمة بالطرق غير النزيهة التي عرفوا بها.

تدابير أولية لمعالجة أسباب إعاقة مشاريع التنمية بجهة مراكش-آسفي؟:
من البديهي التأكيد على أن أي مشروع لايمكن ضمان نجاحه إلا من خلال توفير العديد من الشروط الأساسية، ومن ضمنها:

أولا : انتصاب دولة القانون من خلال المحاسبة الصارمة لكل من أخل بالمبادئ القانونية والأخلاقية في تدبير الشأن المحلي وذلك في إطار محاربة ظاهرة “الإفلات من العقاب” كتوصية من التوصيات الأساسية لهيئة الإنصاف والمصالحة. ولعل تفعيل مبادئ القانون والصرامة هو الضمانة الأساسية لاسترجاع الثقة في مؤسسات الدولة ومن بينها المؤسسات المنتخبة، وبالتالي ضمان المشاركة الواسعة للناخبين في اختيار ممثليهم في المؤسسات المنتخبة وبلورة المشاريع التي هم في أمس الحاجة إليها.

ثانيا: تشجيع ومساعدة الأحزاب السياسية الحقيقية وليس الوهمية أو المناسباتية على إنتاج نخب كفئة ونزيهة ومؤهلة لتدبير الشأن المحلي ومسايرة التوجه الإيجابي العام للدولة في بلورة مشاريع تنموية من شأنها معالجة الاحتلالات والنواقص في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهو ما يفرض شن حملة واسعة النطاق على النخب الفاسدة وعلى أساليبها المقيتة في التغرير بالناخبين واستغلال جهلهم وفقرهم واستغلال مقدسات البلاد لبلوغ مآربهم

ثالثا:إصلاح منظومة الانتخابات من أجل توفير شروط النزاهة والشفافية والعدالة والديمقراطية الحقة ومساعدة النخب السياسية الكفئة والنزيهة على تجاوز العقبات والمعيقات التي تضعها المنظومة الحالية والتي لم تعمل سوى على إقصاء الفعاليات السياسية المؤهلة لتدبير الشأن المحلي والعام وفتح الطريق أمام نخب فاسدة استغلت المال والدين وفقر وجهل المواطنات والمواطنين وضعف التأطير القانوني والصرامة في تطبيق القانون.

رابعا: بلورة مخطط تنموي شامل يقوم على أساس إدماج كل المشاريع الفرعية في إطار مشروع تنموي شامل يحقق التكامل والتضامن بين الأقاليم ويسعى إلى التوزيع العادل والمنصف لثمار التنمية.

خامسا: الإشراك الفعلي للمواطنات والمواطنين في بلورة مشاريع التنمية التي تستجيب لحاجياتهم الملحة وذلك من خلال الانفتاح على آرائهم ومقترحاتهم وعلى آراء ومقترحات ممثليهم من الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني.

سادسا: قيام الإعلام المهني النزيه والمستقل بأدواره الطلائعية في التنوير والإخبار والإرشاد لتمكين المواطنات والمواطنين من بلورة مواقفهم وآرائهم ومن حسن الاختيار، وفي المقابل محاربة الإعلام المرتزق المبني على التضليل والإشاعة والابتزاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock