مقالات و آراء

إلغاء الحساب الإداري وغياب دور المجلس الجهوي للحسابات الرقابي ،من أسباب تفشي نهب وتبذير المال العام : إقليم وزان نموذجا

نورالدين عثمان

لا أحد يستطيع أن ينكر حقيقة أن نزيف المال العام مستمر في جل الجماعات الترابية بالمغرب رغم كل الشعارات الرسمية حول مبادئ الشفافية والنزاهة وتخليق المرفق العام ،ورغم تعزيز الترسانة القانونية بمجموعة من التدابير الدستورية وكذا خلق مجموعة من المؤسسات العمومية الدستورية لمحاصرة نزيف نهب المال العام من قبل هيئة النزاهة والشفافية والمجلس الأعلى للحسابات وفروعه الجهوية ولجان الداخلية والمالية لمراقبة صرف المال العام ، فرغم كل هذه القوانين والإجراءات واللجان فإن نزيف المال العام مستمر ،والغريب ولسخرية القدر فإن هذه القوانين الجديدة لم تستطع ليس فقط حماية المال العام من النهب والسرقة، بل عقدت حتى الحق في الوصول إلى المعلومة (رغم وجود قانون ينظم هذه العملية ) ومعها أصبح صعبا على جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المهتمة بقضايا المال العام تتبع ومراقبة تدبير ميزانيات الجماعات الترابية وطرق صرفها نظرا لغياب شبه تام للمعطيات الرسمية والحصار المضروب على المعلومة التي أصبحت حبيسة مكتب الرئيس والقابض الإقليمي للمالية ومدير الجماعات المحلية ومكتب العامل أو من ينوب عنه… َ
أحيانا تكون القوانين وسيلة للمزيد من النهب والسرقة وكثرة المؤسسات وتداخلها مدخل اساسي لغياب المراقبة والتتبع والزجر والمحاسبة ،وربما تكون القوانين السابقة أكثر فعالية من القوانين المحينة والمستحدثة…..
فمثلا الميثاق الجماعي في نسخته السابقة كانت هناك فقرة تنظم الحساب الإداري الجماعات الترابية، وكانت تنص على ضرورة عرض كل مداخيل ومصاريف الجماعة من طرف الرئيس أمام أنظار المجلس مرة في السنة من أجل مناقشته والتصويت عليه ( بالقبول أو الرفض) في دورة مفتوحة للعموم، وكانت مناسبة لكل المتتبعين من أجل معرفة كم وكيف ومتى وأين صرفت ميزانيات جماعتهم ،(صحيح أن الحساب الإداري كان يتحول سنويا إلى سوق للبيع والشراء بين الرئيس وأعضاء المجلس، ومناسبة لبيع الذمم بأرخص الأثمان مقابل التصويت على ميزانية منهوبة مثقوبة….) لكن ورغم عيوب الحساب الإداري وإستغلاله من طرف البعض في عملية الابتزاز أو شراء الذمم ،لكنه على الأقل كان يمنح للرأي العام نظرة على طريقة تدبير أمور جماعته خصوصا في الشق المالي منها….
كما أن توسيع دور المجالس الجهوية للحسابات لم يأتي بالنتائج المنتظرة منها في محاصرة نهب وتبذير المال العام ، كنموذج إقليم وزان ،فجل الجماعات الترابية بالإقليم تعرف نزيفا حاد في ميزانيتها نتيجة النهب والسرقة والتبذير وهو ما انعكس سلبا على البرامج والمشاريع التنموية التي كانت تنتظرها الساكنة لعقود من الزمن (طبعا هناك استثناءات قليلة) ،وأدى هذا الوضع إلى بروز طبقة اغتنت من المال العام تحت أعين الجهات المكلفة بالمراقبة دون أن تحرك ساكنا….
فمثلا المجلس الجهوي للحسابات يبقى دوره في مراقبة ميزانية جماعات الإقليم ضعيف جدا، فأغلب الجماعات لم يزرها قضاة المجلس مند أزيد عقد من الزمن رغم كل الشكوك التي تثار من الرأي العام حول طريقة تدبيرها وصرف المال العام بها، كما أن الجماعات القليلة التي حضر قضاة المجلس الجهوي للحسابات إليها من أجل افتحاص ميزانيتها لا ترصد بالدقة اللازمة مكامن الخرق المالي والإداري ولا تضع الأصبع على الثقوب الموجودة بالمزانية، كما أن أغلب رؤساء الجماعات الترابية لا يلتزمون بعرض تقرير المجلس الجهوي للحسابات على أنظار مجالسهم أو على أنظار الرأي العام…… إضافة إلى غياب عرض الخروقات المسجلة أمام القضاء ،كما أن سلطات الوصاية لا تقوم بدورها في حماية المال العام من النهب والسرقة ولم نسجل لحد الآن أي تعاطي إيجابي من جانبها في عرض هذه الملفات على القضاء أو تفعيل اختصاصاتها القانونية في قضايا المتابعة والعزل….
كما أن مفتشي وزارة الداخلية والمالية يبقى دورهم غائبا عن تتبع ورصد صرف المال العام سواء بالمجالس المنتخبة أو باقي الإدارات العمومية…..
كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت وتساهم في المزيد من نهب وتبذير المال العام.
في المقال اللاحق سأحاول التطرق إلى الفساد الذي ينخر بعض المجالس المنتخبة والإدارات العمومية بالإقليم ،وكذا طريقة النهب والسرقة من طرف بعض اللصوص ،وكيف تحول بعضهم من إنسان بسيط إلى صاحب العقارات والحسابات البنكية المنفوخة في وقت وجيز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock