مقالات و آراء

نحو حوار اجتماعي حقيقي يُفضي إلى تعاقدات واتفاقيات تخدم مصلحة الوطن و المواطن .

عادل بن الحبيب

يشكل الحوار الاجتماعي سمة مميزة للمؤسسات الحديثة ،من خلال اعتماد الحوار كثقافة شائعة في فض النزاعات الاجتماعية ،وتحقيق السلم الاجتماعي، وضمان التوازن بين الحقوق والواجبات.

و يمكن إبراز أهمية الحوار الاجتماعي من زوايا متعددة:
الأهمية السياسية: يعد الحوار الاجتماعي وسيلة من وسائل ضمان الاستقرار السياسي و تفادي الاضطرابات الاجتماعية.
الأهمية الاجتماعية: إن مأسسة الحوار الاجتماعي كفيل بضمان متطلبات السلم الاجتماعي و التقليص من حالات التنازع، مما من شأنه توفير مناخ اجتماعي مناسب لتطوير العلاقات المهنية و التكريس التعاقدي للمقتضيات الأكثر فائدة للأجراء.
الأهمية الاقتصادية: يعد الحوار الاجتماعي أداة هامة لتحريك و تنشيط الحياة الاقتصادية و تشجيع الاستثمار، و مؤشرا أساسيا من مؤشرات استقرار الوحدات الإنتاجية بما يضمن نمو مردوديتها و تجويد إنتاجها.
الأهمية القانونية: تتجلى هذه الأهمية في تطوير تشريع الشغل عن طريق إنتاج قوانين تعاقدية خاصة إذا ما تم تتويج الحوار الاجتماعي أو المفاوضة الجماعية بإبرام”اتفاقيات شغل جماعية“، وكذا تجاوز الثغرات القانونية في تشريعات الشغل الجاري بها العمل.

وقد وجد الحوار الاجتماعي في المغرب مرجعياته في كل من دستور المملكة (الفصل 8)، و في الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية، ولا سيما الاتفاقية رقم 154 بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية، وفي مدونة الشغل.
و استحضارا للتوجيهات الملكية السامية بشأن مأسسة الحوار الاجتماعي، وفق الرؤية التي أعلن عنها جلالة الملك في خطاب العرش 2018 ،حيث سلط جلالته الضوء على أزمة الركود التي يعانيها الحوار الاجتماعي في المغرب، والناتج عن الفجوة المتفاقمة بين حكومة العثماني والمركزيات النقابية. و دعا جلالته الفرقاء الاجتماعيين إلى ضرورة الجلوس على طاولة الحوار، و”استحضار المصلحة العليا، والتحلي بروح المسؤولية والتوافق، قصد بلورة ميثاق اجتماعي متوازن ومستدام، بما يضمن تنافسية المقاولة، ويدعم القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة بالقطاعين العام والخاص”. كما شدد على أن “الحوار الاجتماعي واجب ولا بد منه، وينبغي اعتماده بشكل غير منقطع”، مطالبا الحكومة بضرورة “أن تجتمع بالنقابات، وتتواصل معها بانتظام، بغض النظر عما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج”.

إن توقف الحوار الاجتماعي، و تهريبه خارج مكانه الطبيعي ، وجعل الملفات الاجتماعية للشغيلة محط مزايدات سياسية هو أمر يوضح بجلاء أزمة العلاقة بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين، الأمر الذي وصل إلى حد “الجمود”. من المفروض أن يكون الحوار موعدا منتظما يتم التداول بشأنه في القضايا الجوهرية المطروحة في الساحة الاجتماعية .

و مع تزايد الاحتجاجات ، خاصة في ميدان التعليم و الصحة
أصبح من الضروري ، العودة الى طاولة المفاوضات، و مأسسة الحوار الاجتماعي وجعله تفاوضيا ومنتجا ومتواصل ، لبناء سلم اجتماعي متين وجعله يفضي في أقرب الآجال إلى نتائج ملموسة تنعكس ايجابا على القضايا الاجتماعية التي تهم الشغيلة المغربية.
لم يعد من المقبول نهج سياسة الهروب الى الأمام في ظل الاحتقان و الاحتجاجات الذي يعرفه الشارع المغربي ، الحوار الرزين و الحكيم ، وفق جدولة زمنية مضبوطة ومتوافق حولها،هو الكفيل لإيجاد الحلول لعدد من المشاكل التي تعاني منها عدة قطاعات، ووضع حد لسلسلة الإضرابات و الاحتجاجات التي يعرفها الشارع.

الحوار الاجتماعي، والاتفاقات الجماعية الناتجة عنه، استثمار في العنصر البشري الذي هو المحدد والمحرك الأساسي لأية تنمية مستدامة وشاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock